صحيفة المشاهد السياسي تحاور رئيس المجلس الوطني الكردي في سوريا -أحمد سليمان

2012-05-09

 استطاع المجلس الوطني الكردي في سورية أن يحقّق، خلال بضعة أشهر من عمره، خطوات سريعة، في محاولة تشكيل وحدة الخطاب الكردي الذي ينشده كرد سورية منذ وقت طويل. في الحوار التالي يتحدّث أحمد سليمان رئيس المجلس الوطني في دورته الجديدة، وعضو المكتب السياسي للحزب الديمقراطي التقدّمي في سورية

عن نقاط مهمّة جدّاً تتناول واقع الشعب الكردي السوري، في ظل سياسات النظام السوري، خلال عقود، بالاضافة إلى نقاط أخرى تخصّ مستقبل هذا الشعب وموقعه في الثورة السورية وخارطة سورية الجديدة.

 
 فائق اليوسف ـ سورية
 
 هل من الممكن أن تحدّثنا قليلاً عن واقع الشعب الكردي في سورية؟ وما هي السياسات الاستثنائية التي مورست بحق الشعب الكردي على امتداد عقود في ظل نظام البعث؟
 
 الشعب الكردي يشكّل القومية الثانية في البلاد بعد العربية، وبنسبة تقديرية حوالى 15% من عدد السكان. منذ تسلّم التيار القومي السلطة في البلاد يواجه الشعب الكردي سياسات تمييزيّة مقيتة بحقّه، بدأ من تعريب مناطقه والسعي الى صهره قوميّاً، وطبّق بحقّه الكثير من الاجراءات والقوانين الشوفينيّة، وتم تجريد عشرات الآلاف من أبنائه من حق المواطنة في العام 1961، وتعيش المناطق الكرديّة في أدنى المستويات الخدمية والتنموية، علماً بأن القسم الأكبر من الاقتصاد السوري يأتي من واردات النفط والزراعة، والتي تمتاز بهما تلك المناطق? وتسبّبت تلك السياسات في هجرة الكثير من الكرد نحو المدن الداخلية، وقسم آخر هاجر الى خارج البلاد. ولا تزال حتى تاريخه تلك السياسات هي المتّبعة، ولم ينل الكرد أيّة حقوق قوميّة تذكر، ولكن أعيدت الجنسية للمجرّدين ( في نيسان/ أبريل العام 2011)، وبقيت مشكلة مكتومي القيد قائمة وهي تعني عشرات الآلاف من المواطنين.
 
 كيف كان النظام السوري ينظر إلى أحزاب الحركة الكرديّة في سورية؟
 
 النظرة كانت قائمة على قمع النشاط السياسي في البلاد بوجه عام ومنعه، ولم يكن مسموحاً لأي معارضة سياسية أن تعمل، وهذا الأمر شمل نشاط الأحزاب السياسية الكرديّة وإن بصورة أقلّ، إذ كان يتمّ غضّ النظر نسبيّاً عن نشاط أحزاب الحركة، وذلك منذ السبعينيات من القرن المنصرم، وبناء على تقديرات وحسابات من السلطة. ولكنها عملت من خلال أدواتها الأمنيّة، وبكل جهدها، على تمزيق الأحزاب وتفتيتها الى ما هو حاصل اليوم.
 
الآن، وبعد مرور ثماني سنوات على انتفاضة 12 آذار (مارس)، كيف تقيّمها؟
 
 إن الهبّة البطولية لأبناء شعبنا الكردي في أمكنة وجوده على ساحة الوطن، وفي زمن قياسي نادر شملت مختلف المناطق، جاءت ردّاً على فتنة أرادت من خلالها أوساط شوفينية في السلطة وخارجها النيل من الكرد ولغايات سياسية، لكن وحدة موقف الحركة وانتفاضة شعبنا الكردي في كل مكان، حتى في بلاد المهجر، أخمدت المؤامرة، ولكن نتائجها السلبيّة أعادت وضع الأكراد الى سنوات الستينيات من القرن الماضي.
 
 النظام السوري حاول عزل الكرد السوريين إلا أن المثقّفين الكرد فضحوا أبعاد تلك الفتنة. كيف رددتم على المؤامرة؟
 
 من أهم أركان السياسة العنصرية تجاه الكرد كانت محاولة عزل الكرد عن محيطه الوطني وبخاصّة العربي منه، وهذا ما أدركته الحركة الكرديّة ومثقّفوها الذين عملوا على إفشال تلك السياسة، وذلك بالعمل بين أوساط القوى السياسية والشعبية والثقافية من السورين لبناء أفضل العلاقات الوطنية، وتعريف ذلك الوسط بحقيقة الكرد ومطاليبهم. وبتقديري نجحت الحركة الى حد مقبول في ذلك، إلا أن الآلة الاعلامية الضخمة، والسياسة الرسمية للدولة، وبخاصّـة مفاهيم البعث وعقيدته كانت أقوى بكثير من أدوات الحركة وإمكاناتها في تحقيق النجاح المطلوب.
 
 ثمّة حديث عن خلافات بين أحزاب الحركة الوطنية الكرديّة، بِمَ تعلّقون؟
 
 واقع الحركة والعلاقة بين أطرافها اليوم أفضل بكثير مما كانت عليه قبل 15/3/2011. ولكن لا تزال الأمور تحتاج الى المزيد من الجهد والارادة في تجاوز الحالة الحزبية الضيّقة في كثير من الأحيان. الحالة الشخصية أهم أمراض العقلية الشرقية للوصول الى الحالة الأفضل، وبتقديري، إن المصلحة الحقيقية لأبناء شعبنا، وبخاصّـة في الظرف التاريخي المهمّ من عمر بلادنا، تتطلّب من الجميع توحيد الصفّ والامكانات. إن الوضع بشكل عام ضاغط بشكل إيجابي على علاقات الأحزاب فيما بينها، وبخاصّة بعد تشكّـل المجلس الوطني الكردي، هذه المظلّة التي ردمت الكثير مما كان قائماً بيننا، وأنا متفائل بنشوء آليّات تعاون أكثر إيجابيّة، علماً بأن بعض التلكّؤ ما يزال مستمرّاً برغم ضرورة تجاوزه، لكنه أمر طبيعي بعد سنوات من العلاقات التي عانت الكثير من الأمراض والمشاكل المستعصية على الحلّ، هذا إذا أضفنا إليه عوامل خارج إرادة الأحزاب وقدرة السلطة على تأزيم تلك العلاقات لفترات طويلة.
 
 ما منشأ الانشقاقات التي في أحزاب الحركة الكرديّة في سورية والتي صارت مضرب مثل؟
 
 هناك أمر طبيعي في انعكاس الواقع الاجتماعي والثقافي والفكري والاقتصادي على واقع الأحزاب وشكل تعبيراتها. ولكن الأمر المبالغ فيه بخصوص الحركة الكرديّة، هو في الأسباب الذاتية والخلافات الشخصية والمزاج، وأمور أخرى لعبت دوراً في الحالة القائمة، ولا ننس الدور الأهمّ لأدوات السلطة التي عملت كثيراً على اختلاق الانشقاقات. أما ما يلاحظ اليوم، وفي هذه المرحلة بالذات، هو استنكار هذا الواقع، وبخاصّـة من قبل الأحزاب نفسها، وظهور بدايات رفض للحالة والبحث عن أشكال أفضل، آمل أن ننجح جميعاً في تحقيق ذلك.
 
هل أثّر انضمام بعض الأطراف الكرديّة الى هيئة التنسيق سلباً على علاقاتكم؟
 
 إن انضمام أطراف الحركة الى إطارات وطنية قائمة سابقاً، أو تلك التي تشكّـلت بعد 15/3/2011، وفي ظل غياب إطار جامع للحركة الكـرديّة، كان أمراً طبيعياً لا بل ضرورياً من أجل التواصل مع الوسط السياسي الوطني العام؛ ولكن، وبعد تشكّل المجلس الوطني الكردي، بات الأمر سلبيّاً على قوّة ومكانة الحركة وإضعافاً لدورها، وهذا كان أحد الأسباب الرئيسية لتعليق عضوية جميع أطراف المجلس الوطني الكردي لعضويّتها في جميع الاطارات الوطنية الأخرى، من دون أن يعني ذلك انسحابنا من المعارضة السورية، بل من أجل التعامل ككتلة مستقلّة مع بقيّ? الأطراف والاطارات الوطنية، وفي هذا تعزيز لدور الكتلة الكرديّة على الساحة الوطنية، وبالتالي تأمين قويّ لحقوقه القوميّة العادلة.
 
 كيف تأسّس المجلس الوطني الكردي في سورية، وهل هو جسم منسجم؟
 
 بعد اندلاع الثورة السورية وتنامي الحراك الشعبي العام، وجدت الأحزاب الكرديّة نفسها غير قادرة على تلبية متطلّبات المرحلة بآليّات العمل السابقة، مما استوجب البحث عن آليّات أخرى لمواجهة متطلّبات المرحلة ومستحقّـاتها وطنياً وقومياً، وكان الاتّفاق على عقد المؤتمر الوطني الكردي، وبمشاركة مختلف فعاليات المجتمع من الأحزاب والمستقلّين وقوى الشباب والمرأة، وتقرّر عقد المؤتمر في 26/10/2011 حيث انبثق عنه المجلس الوطني الكردي في سورية، والذي ساهم فيه أغلب القوى السياسية، وحتى حزب الاتحاد الديمقراطي الذي لم يشارك لأسباب الم نستطع حينها من إيجاد حلّ مناسب لها. وفيما بعد انضمّت إليه أحزاب أخرى وتنسيقيات شبابية وفعاليات مختلفة. أما عن كونه منسجماً، فأعتقد أن الانسجام التام حالة مثالية، ولكن هناك تفاهماً ينمو مع الوقت والتجربة. وهناك مناخ أفضل يتمّ تشكّـله مع مرور الوقت، وهذا لا ينفي وجود عيوب كثيرة نشعر بها ونتعرّف الى الكثير منها من خلال العمل، ودائماً هناك آليّات أفضل يتمّ التعرّف إليها ووضعها في خدمة التعاون والعمل المشترك، آملين، وبمساعدة جميع الأطراف من داخل المجلس وخارجه، أن نحقّق النجاح المطلوب.
 
 كيف تمّ ترشيحكم من الحزب الديمقراطي التقدّمي لرئاسة الفترة الحالية للمجلس الوطني الكردي؟
 
 الترشّح من حق جميع أعضاء مكتب الأمانة والذين يبلغ عددهم 22 عضواً (أحزاباً ومستقلّين)، ونظراً الى وجود الأستاذ حميد درويش سكرتير حزبنا «الحزب الديمقراطي التقدّمي الكردي» في سورية خارج البلاد في هذه المرحلة، ولضرورات العمل، أمثّل الحزب في مكتب الأمانة، وذلك بقرار من المكتب السياسي؛ وكان قرار الترشيح للرئاسة الدورية في هذه الدورة رغبة حزبنا، كغيرنا من الأطراف، في تحمّل المسؤولية في هذه المرحلة، وجاءت ثقة الإخوة أعضاء مكتب الأمانة داعمة هذا القرار، وآمل أن أوفّق في توفير مناخ تعاوني بين أعضاء مكتب الأمانة، وأ?ون قادراً على التعبير عن موقف المجلس بكل أمانة في هذه الدورة ومدّتها شهران.
 
 ماذا عن الأحزاب والهيئات الشبابية الكرديّة التي لا تزال خارج المجلس الوطني الكردي؟
 
 نحن تواصلنا مع الجميع. الكثير من خارج المجلس وافق على الانضمام الى المجلس الوطني الكردي، وآخرون لم نتوصّـل معهم الى اتّفاق بخصوص انضمامهم، لذا فإننا نجدّد الدعوة الى تلك الأطراف لإعادة النظر في قرارهم، الأمر الذي يعزّز من دورهم ودور المجلس الوطني الكردي خدمة لمصالح شعبنا.
 
ما هي الانجازات التي يمكن الحديث عنها في عمر مجلسكم؟
 
 أهمّ إنجاز هو بناء المجلس الوطني الكردي وتجميع طاقات وإمكانات مهمّة لأبناء شعبنا في ظلّها، كما أن إعادة الثقة بالحركة والالتفاف الشعبي المهمّ حولها يعدّ بتقديري إنجازاً آخر. كما أن النشاط الديبلوماسي لوفود المؤتمر كان واضحاً وملموساً في الوصول الى مراكز القرار العربي والدولي، وباتت النظرة الى الكتلة الكرديّة أكثر اهتماماً من ذي قبل، وأصبحت الكتلة الكرديّة عنصراً وازناً في المعادلة الوطنية. إضافة الى ذلك، وعلى الصعيد الداخلي للمجلس، فإن تشكيل مجالس محلّيّة له في الداخل والخارج، والذي ساهمت به فعاليات مهمّة?وطاقات كبيرة من أبناء شعبنا خدمة لأداء دوره على مختلف الصعد، يعدّ بدوره إنجازاً مهمّاً، علماً بأن هذا المجلس يعاني الكثير من النواقص، سواء على صعيد العلاقات الديبلوماسية أو تعقيدات العمل وآليّاته البطيئة في إنجاز المهام، ولكن الوقت والارادة كفيلان بتدارك الكثير من ذلك.
 
 كيف تقرؤون روايات مقتل الشخصيتين القياديتين مشعل التمو ونصر الدين برهك؟
 
 في الوقت الذي ندين هذين العملين الاجراميين، فإننا نحمّـل السلطة أولاً وأخيراً مسؤولية أمن المواطنين، وما استهداف القيادات السياسية والناشطين إلا استهداف لإرادة النضال وإرادة شعبنا، وكذلك محاولة خلق الفتنة وزعزعة الثقة وسط المواطنين، ونهيب بجماهير شعبنا الكردي المزيد من التوحّد وتجاوز الخلافات، لأن فيها تكمن قوّتنا وإمكانات مواجهة المتربّصين بأمن شعبنا وحقوقه.
 
 قرّرتم في اجتماع المجلس الوطني الكردي مبدأ حق تقرير المصير! مع أنكم في كل أدبيّاتكم كنتم تركّزون على الاعتراف الدستوري بالشعب الكردي، وحلّ القضية الكرديّة حلاً عادلاً ضمن وحدة البلاد؟ ما سبب هذه النقلة الآن؟
 
إن مبدأ حق تقرير المصير جاء في إطار وحدة البلاد مزيلاً أيّة مخاوف انفصالية ترتبط بهذا المبدأ.
 
 ما هي نسبة تمثيلكم في الشارع الكردي والحراك العام؟
 
 لا توجد آليّات استطلاع رأي معتمدة لتحديد النسب الموضوعيّة، ولكننا موجودون في أوساط شعبنا، وأعتقد أن المجلس الوطني الكردي يمثّـل النسبة الأكبر في الشارع الكردي، وكذلك التنسيقيّات والحركات الشبابية في المجلس الوطني الكردي، بدورها تمثّل القسم الأهمّ في الحراك العام في المناطق الكرديّة، وبدا ذلك واضحاً من خلال التظاهرات الكبيرة المؤيّدة للمجلس الوطني في مختلف المناطق الكرديّة، مع تأكيد وجود قوى سياسية وشبابية لها حضورها المهمّ والفاعل في الشارع الكردي، آمل أن يتمّ التوصل إلى تفاهم لتوحيد الطاقات، وكذلك توحيد ?لتمثيل الكردي في إطار واحد يحافظ على تنوّع الآراء المختلفة وتعدّدها.
 
 رشح إلينا أن الرئيس مسعود البارزاني كان مرتاحاً جداً من نتائج مؤتمر تونس للمجلس الوطني السوري، وعدّه قفزة مهمّة للاعتراف بالكرد السوريين، ماذا تقول عن ذلك؟
 
 كان الرئيس مسعود البرزاني واضحاً في لقاءاته المختلفة مع وفود من المجلس الوطني الكردي، وكذلك في كلمته الافتتاحية في مؤتمر «هولير» أنه مع حقوق الشعب الكردي في سورية، وهو مساند ومؤيّد لتلك الحقوق، مع تأكيده أن الذي يحدّد تلك الحقوق هو الشعب الكردي في سورية وحركته السياسية؛ أما هو، ومن خلال دوره وموقعه كرئيس إقليم كردستان العراق، سيعمل على مساندة تلك الحقوق، وبهذا الشكل، فإنه بالتأكيد مؤيّد لأية خطوة تساهم في تلبية تلك الحقوق من جميع القوى والأطراف السياسية المعارضة في سورية.
 
 هل يعدّ حق تقرير المصير والفيديرالية طموح الكرد في سورية؟ وهل هي واردة في المرحلة المقبلة؟
 
 مع أنه قرار المؤتمر الكردي، ولكن ما لمسناه من جميع القوى المعارضة في الداخل والخارج، وكذلك الرأي العام والذي بني على مدى عقود وفاق رؤية سلبية نحو الكرد وحقوقه، فإن من الصعوبة أن يتمّ تقبّل ذلك الطموح، أما قناعتي، وفي ظل سورية جديدة قائمة على الحقوق والواجبات، سورية ديمقراطية، سنجد مع شركائنا في الوطن الحلّ الأفضل لجميع قضايانا بما فيها القضية الكرديّة العادلة.
 
 ما هي الأطراف التي تعارض طرح الكرد في تقرير المصير والفيديرالية؟
 
 جميع أطراف المعارضة تقريباً تعارض حق الأكراد في تقرير المصير والفيديرالية.
 
بإمكانكم متابعة الحوار على الرابط التالي: