الطفل والسياسة..!

2012-05-05

لعلّ هذا العنوان يبدو استفزازياً، صادماً، بعض الشيء، لأول وهلة،لاسيما أنه يشيرعلانية إلى العلاقة بين الطفل والسياسة، العلاقة التي كانت أمات كلاسيكيات الكتب التربويه تنظرإليه بحذروريبة كبيرين، بل إنها كانت تشدِّد صراحة على ضرورة عزل الطفل عن دائرة السياسة، لأن لها مقاييسها، المتبدلة الزئبقية، المتنافية مع جوهرالثوابت المسلَّم بها، أو البدهية، التي ينبغي أن تكون أسّ ونواة  الغذاء المعرفي المقدم للطفل.

 
لقد كتب كثيرون من الأدباء والإعلاميين المعنيين بشؤون ثورات المنطقة، عن انخراط الطفل في الثورة، على نحو تلقائي، وكان الطفل هو أول من فاجأ أسرته في هذه الثورات - أيان كانت- عندما باغتهم برفع شارة النصر، أو ترديد الهتاف، بلثغته الآسرة، ذات الإيقاع الخاص، متأثراً بمن حوله، بل بات يرددأسماء ما، يطلق حكم القيمة فيها، ليكون للطفولة موقفها مما يجري، ولعل من أجمل ما روي عن أحد الأطفال الذين منعه ذووه لصغرسنه من مشاركتهم في التعبيرعن موقفهم، أنه قال:أيان منعتموني من المشاركة خوفاً من إطلاق النار، فإني سأطلق دموعي....!.
 
وإذا كان واضحاً، أن الطفل وبفطريته، دخل لجَّة هذه الثورات دافعاً ثمن موقفه البريء حياته، ودمه، فإن ثورات المنطقة –عموماً- شهدت مشاركة أولى، متميزة، من قبله، ولدواع وأسباب خارجة عن يديه، فهولم يشارك فيها ترفاً، ولاحبَّاً في محاكاة الكبار،كما يمكن لعلم نفس الطفل أن يعلل ذلك، إذ طالما كان للطفل عالمه، وحرمته، الخاصان، أثناء الأحداث والمعارك الكبرى، بل كان مكرهاً في كل ذلك، وهذا تماماً، ما وضعت الأصبع عليه، الكاتبة المصرية ثريا عبدالبديع، في المهرجان القرائي للطفل، في الشارقة، و الذي انتهى، قبل يومين، حيث قالت في محاضرة لها ما معناه: ماعاد بإمكان الطفل الصغيرالذي فقد أخاه، أو أخته، أو أمه، أو أباه، أوعمه، أو صديقه، أو جاره، أن يظل في حرز عما يتم من حوله، في غمرة ثورات المنطقة"....".
 
وللحقيقة، فإن السياسة، لم تعد ذلك التابو المحرم أمام الطفل، لاسيما وأنه بات يعيش الثورة، باعتبارها معطى سياسياً- كما أن الثورة نفسها، تعيشه، في حالة  فريدة، لأن صوت الشارع  يصله، من نافذة بيته، أو غرفة نومه، بل إن   ثورة وسائل الاتصال الهائلة، والمعلوماتية، التي هدمت الجدران بين سكان الكرة الأرضية، لم تستثن عالم الطفل من ذلك، لأنه داخل هذا الفضاء الكوني المفتوح، ولا مناص له من التأثيرات التي تمارس فعلها، على نحو منظم، حيث بات يشاهد أخبارالزلازل، والحروب،  كما غيرها من الأخبار، سواء أكان من  خلال شراكته في تلقيها، مع أسرته، أو أقرانه، أو من خلال إمكان التفاعل معها، منفرداً، عبرحاسوبه المرتبط بالشبكة العنكبوتية، بل إنه في ظل تغييب الرائي، أو الحاسوب عنه-كما قد يفعل بعضهم معه- يستطيع تلقي مايريد من المعلومات عبرجهاز موبايله الشخصي...!
 
ولعل أجمل ما رمت إليه  الكاتبة عبدالبديع في محاضرتها تلك، هوأنه أمام فرض الطفل نفسه في ميدان السياسة، فإنه من الممكن أن نسمي بطلة هذه القصة" الحرية"، على سبيل المثال، ونسمي الأخرى" العدالة" أو حتى "الديمقراطية"، وهوضروري حقاً، كي يتم التأسيس لمداخل صحيحة للطفل إلى عالم السياسة التي صارت جزءاً من الحياة، والثقافة، وغدا لامناص منها البتة.
 
إبراهيم اليوسف
elyousef@gmail.com