التحلل و التقويض / هجار عمر

2008-09-07

إذا سلمنا بأن مسعى الفكر المعاصر مسعى تقويضي، وبأن الفكر يميل نحو الهدم و الحفر و التفكيك، فربما ينبغي أن نميز مع رولان بارت بين معنيين لفك البناء، هما التحلُّل من ناحية، و التقويض من ناحية أخرى. ورغم أن المعنيين قد يبدوان متقاربين، إلا أن بُعد أحدهما عن الآخر يعادل بُعد الكيمياء عن الفيزياء.كان أستاذنا في المدرسة الثانوية يلجأ إلى تعبير مبسط ليقرب إلينا الفرق بين الكيمياء و الفيزياء، فيقول لنا إن الكيمياء تهتم بالظواهر الطبيعية "داخل" المادة، أما الفيزياء فهي تنصب على الظواهر الطبيعية الخارجية. سنعرف فيما بعد أن "داخل" المادة أيضا فيزياء و قوى و كهرباء و مغناطيس وحركة، إلا أن تفرقة أستاذنا التبسيطية كانت تكفينا وقتئذ كي نميز بين تفاعلات"داخلية" وأخرى "خارجية".لا يتحدث بارت لا عن الكيمياء و لا عن الفيزياء، وان كان يسوق مثالا عن تحلل قطعة السكر، إلا أنه يلجأ إلى التفرقة ذاتها بين الداخل و الخارج كي يميز التحلّل عن التقويض. فالتحلل في نظره يرغمنا "أن نقيم داخل ما نزمع حله وفك أواصره..شأن قطعة السكر وهي تنحل في الماء". أما التقويض " فهو ارتياد فضاء كلام ميزته الوحيدة هي التخارج. وهو في هذا يلتقي مع اللغة الوثوقية التي هي لغة خارجية  ساكنة".لا عجب إذن أن تأخذ الفلسفات الوثوقية شكل نقد خارجي يكيل التهم لما يريد أن يقوضه و يهدمه. ذلك أن لغة التقويض لا بد وأن تمارس نوعا من القفز. يتساءل بارت: "ولكن إلى أين نقفز، ونحو أية لغة؟".لا يتبقى لنا والحالة هذه إلا " أن نقيم داخلا" ونركن للتحلل.  في التحلل لا يعمل الفكر عمله من خارج، انه مجبر على الإقامة والدخول، إلا أن الدخول سرعان ما يطال "ذواتنا" فينعكس على نفسه. في التحلل أنا لا أقفز بعيدا، وإنما أواكب عملية التحلل ذاتها، بل أنا أنغمس فيها،  "فأتحلل أنا بدوري شيئا فشيئا". هجار عمر - دمشق

KNA


ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.