غناء الطفل في التراث الكردي

2006-07-14

عبد المجيد قاسم  : Mejeed1973@hotmail.comكانت الموسيقى لغة البشرية الأولى مثلما كان الإيماء أول شكل من أشكال التعبير ووجد الإنسان اللذة في الإيقاع قبل أن يفكر في أيّ فن من الفنون الأخرى ودندن لنفسه حتى قبل أن يتعلم الكلام . ( وأخذ يطور صياح الحيوان وتغريد الطير حتى جعل منها غناءً ورقصاً وقد جاء هذا الشكل من الفنون نتيجة لجهود واعية قام به الإنسان ليعبّر به عن نفسه , وعن ألوان الأحاسيس التي يمتلكها عندما تعجز اللغة العادية عن التعبير ؛ سواءً في لحظات إثارته أو لحظات نشوته )(1) يقول الأستاذ محمود عجان : ( الموسيقى هي الرابطة التي تربط عالمنا بالسماء وناقوس أدب يهب الكون روحه والحلقة التي تربط الروح بالحس وهي اعظم وأرفع من وحي الفلسفة)( 2) وكما هو الغناء فطرة بديهية مارسها الإنسان منذ بداياته , فهو في الوقت نفسه لعبٌ يقود الطفل إلى فهم الطبيعة واكتشاف مكوناتها , ووسيلة تربوية تؤثر في حياة الطفل وفي سلوكه , وتطوّر ملكاته وتُعينه في التعبير عما يجول في أعماقه بلا رقابة , وتساهم في تنمية ميزة التعاون والجهد الجماعي , وعلى التعامل مع المحيط بنفسية سوّية , وتسقي بذور المحبة فيها و ( تغرس روح المبادرة الإيجابية وتدرّبه على إجادة النطق وتعلّم مخارج الحروف )(3) وتنمي الذوق الجمالي , وتربي فيه الحس الإنساني  ... المزيد  وتوسع مدى ثقافته ومهاراته , وتزيد من معارفه , كما أنه يحرّك أحاسيسه الراكدة ويمنحها التجدّد والانطلاق , ويمنعها من التعثر بمثالب الكبت والتقوقع , فالغناء يمكّن الطفل من إيجاد توازن عاطفي , فيجد نفسه مع الغناء هائماً في أجواء ترتاح فيها نفسه وفي عالمٍ يسعى إليه خياله , وعدم تغذية النفس بعذوبة الغناء تزرع الفتور في علاقة الطفل بالحياة وأهمية الغناء والترديد بالنسبة للطفل لا تقل عن أهمية الشعر وسماع القصص وأداء الأدوار التمثيلية يقول الإمام الغزالي : (حرمان الصغير من الترديد يُميت قلبه , ويخمد ذكاءه )(4) ويقول الملك فريدرك الثاني : ( إنني اعمل وأجهد في العمل لأهذب دخيلتي بالشعر , وأنقي سريرتي بالموسيقى التي تخاطب النفس فمن استطاع فهمها فقد سما بعواطفه )(5) وأغنية الطفل ظهرت للمرة الأولى في بدايات القرن العشرين , وتعتبر طريقة كارل أورف الإيقاعية أهم مدارس التلحين للأطفال , وتأتي هذه الأغنية ليستمتع بها الطفل , وهي إما أن يرددّها الأطفال بأنفسهم أو يردّدها لهم الكبار(6)ولنجاح هذه الأغنية شروط معيّنة يجب الالتزام بها لضمان تحقق أهدافها المرجوّة ولكي تسمح لنا بدخول عالم الطفل المليء باللاحدود وأهم هذه الشروط هي أن نحسن اختيار اللحن والكلمة , فاللحن الموسيقي العذب يداعب الوجدان , والكلمة الرشيقة المغناة تحاكي الحدس , فلابد أن يكون اللحن سلساً يستسيغه الطفل , وأن يمتلك السّحر الخاص في محاكاة الطفل ليحلّق مع نغماتها في فضاءاتٍ رحيبة وأن تدغدغ أحاسيسه وتُوقظ نواحي الخير والجمال في نفسه , ليتمايل على إيقاعاتها الهادئة والعذبة كالغصن الغضّ عندما يداعبه نسمات الربيع المنعشة , إضافة إلى الوزن المبسّط للقصيدة , والجمل الموسيقية القصيرة والإيقاعات الرشيقة , ولا ضير في أن يصاحب الغناء بعض الحركات الإيمائية المنظّمة لأنها تعبّر عن الحرية , أما الكلمات فيجب  أن تمتاز بالعذوبة والسلاسة لتكون أقرب إلى مشاعر الطفل وإلى قلبه لأن(الكلمة المسموعة تفوق في تأثيرها الكلمة المقروءة في سرعة وصولها إلى الوجدان)(7) وأن تحمل فكرتها قيمةً سلوكية إيجابية كحب العمل وجمالية الأخلاق الحميدة . وبالغناء تخرج أسرار المفردة , فعلى الشاعر أن يجتهد في صياغة كلمات الأغنية , وأن يدرك أهميتها فيمنحها الإحساس الدافئ والمدلول الصادق ليغرف الطفل من ينابيعها ما يشاء , ويجب أن تكون الكلمات من بيئة الطفل وأن تكون لغتها فصيحة وصورها واضحة , لأن هذه الكلمات ستسهم في تكوين الخيال الخصب وتُثري الذاكرة اللغوية للطفل إضافة إلى أنه يجب أن يكون زمنها قصيراً حتى لا ترهق أنفاس الطفل , وبذلك نكون قد ضمنّا نجاح الأغنية , لتساهم في إعداد الطفل المنطلق والمنفتح والمؤهل للقيام بدوره في مجتمعه مستقبلاً فالغناء هو الفن الأكثر قرباً وتأثيراً في نفس الطفل لانسجامها مع شخصيته المجبولة على المرح والرغبة في التعبير فما أن نسمع لحناً وصوتاً حسناً حتى يبدأ بالتصفيق والاستماع .ويعتبر الأكراد من أكثر الشعوب شغفاً بالموسيقى والغناء ويعد الفلكلور الكردي بما يشمله من الإبداعات الشعبية مليئاً بالأغاني والترانيم ولعل الزخم الهائل من الأشكال الغنائية التي نجدها في الموروث الشعبي لديهم أكبر الشواهد على ذلك حيث إنها عبّرت لقرون عديدة عن أحوال الكرد ماضيهم وواقعهم , أفراحهم  ومآسيهم وترجمت تفاصيل حياة الإنسان الكردي بكل ما حملته تلك التفاصيل من صور واستوعبت معظم حكاياتهم وقدمتها في قالب فني مشوق فكانت الأغنية كالنهر الذي يصب فيه كل جداول الأخبار عند الكرد  فبدءاً من ترانيم المهد ودندنات الأمهات lor,k التي كنَّ يرددّنها وعيون صغارهم تغفو على شواطئ الحنان , ومروراً بأغاني الحصاد التي صدحت بها الحناجر على مرمى الحقول حين كانت تنعش الأرواح الذائبة على لهيب المعاناة , والملاحم البطولية الغنائية التي أبدع الأكراد في ترديدها er التي صاغت أحداث ووقائع لم يدوّنها التاريخ وأغاني الحب والاشتياق وأغاني الرعاة التي تألقت بها العيون المتطلّعة للأفق البعيد , وانتهاءً بدندنات الحزن وأغاني النواح والرثاء التي عبرت عن أحداث الحياة المأساوية كالغزوات والحب المُعذب(8)ومجمل تلك الألوان المأخوذة بأغلبيتها من التراث ؛ تناقلها الناس بطريقة الحفظ وامتازت كل منطقة من مناطق الأكراد بلون ونوع معين من هذه الأغاني . أما أغاني الأطفال المتميزة بالبساطة والعذوبة وليونة التراكيب والتي عبّرت بعفوية عن حاجاتهم الصغيرة وأمنياتهم البسيطة فكانت كما هي أغاني الكبار مستمدة من التراث في معظم أشكالها من ( أغاني العد أثناء اللعب وأغاني المناسبات كمناسبة رأس السنة وأغاني المطر)(9)  التي ترنّموا بها حاملين عرائساً من صنع أيديهم   وما زالت تتردد على ألسنتهم حاملة لهم السعادة والفرح وباعثةً على المرح والسرور (قد اشتهر الشاعران "بيكس وقانع" وفي كتابة الأهازيج مستلهمين من التراث)(10) وهما من أكراد العراق . وقد أجتهد "جليلي جليل وأورديخاني جليل" وبجمع الأغاني الشعبية التي يؤديها الأطفال من جميع أنحاء كردستان وقاما بجهود عظيمة في هذا المجال(11)وفي الوقت الحاضر أنشد الأطفال الكرد لبعض الشعراء فقد تم تلحين قصيدتين للشاعر konê Reş (12) وهما"bi kurdî dixwînim " و "jînim jînim jînim " وأُقرّت كأناشيد مغناة في مناهج تدريس اللغة الكردية في السويد وهناك تجربة غنائية للفنانة إعتدالالتي أصدرت ألبوم غنائي للطفل من كلمات الشاعر  ferhad icmo من مجموعته  landik وتكللت هذه التجربة بالنجاح وحققت سبقاً فنياً في مجال الغناء للطفل وقد أجادت الغناء بصوتها الدافئ واستطاعت أن تنفذ إلى نفوس الأطفال وأن تحظى بتقدير وإعجاب أوليائهم رغم تشابه بعض  الألحان ومحدودية الأغاني التي ضمّها الألبوم وعلى طريق المزيد من التجارب التي تنتظر الدعم والتشجيع الهوامش :1)      متابعات ـ ملحق تشرين ـ العدد 6 الأحد 17 تشرين الأول 2004 من الصفحة 4 إلى 7 من كتاب الغناء والشعر عند الشعوب البدائية /ك.موريس بورا / ترجمة يوسف شلب الشام 1992 2)      محمود عجان : باحث موسيقي سوري (الثورة الثقافي ) 3)      مسرحنا المأمول أ.أحمد إسماعيل إسماعيل 4)      تنمية ثقافة الطفل م.عبد التواب يوسف صـ/199/ 5)      الثورة الثقافي مقال أ.محمود عجان 6)      الموقف الأدبي /400/ أب 2004 ـ أغنية الطفل في سوريا ـ التأسيس والتأصيل أ.أحمد بوبس صـ/85 ـ 89/7)      أدب الأطفال بين النظرية والتطبيق د.عبد الله أبو هيف  8)      مسرحنا المأمول 9)      المثقف التقدمي العدد العاشر نيسان 1995 أ.علي الجزيري ص/108/ 10)  المصدر نفسه ص/106/ 11)  المصدر نفسه ص/109/12 ) من مجموعته الشعرية الثانية "şagirtê Bedirxan أنا تلميذ بدرخان" .                        

MAS


ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.