رنة الهاتف كناقوس كنيسي فجائي على غير موعد هتف بي ,صوت أنثوي جميل على غير العادة يخبئ خبرا بين اللوم العنيف المعهود لي بالا مبالاة كانت تعلم إنه سيكون بمثابة الصاعقة علي,حدثتني عن كل شيء جرى البارحة وما قبل البارحة وما سيحدث غدا وقبل أن تفصل الهاتف همست لي بأنه قد سافر إلى ألمانيا
حقا!بدهشة نطقتها
نعم حقا .
أحسست إن كل شيء في ذلك المساء بدأ يخونني
الثواني لم تعد كعادتها تسابق عقرب الدقائق, فأخذت تسرق كل لحظات الفرح في نفسي
وتصنع من رماد الأوكسجين في صدري نارا من صقيع يذوب قطرة قطرة
هرعت للشرفة أتأمل السماء أعاتب النجوم لما لا تبكي رحيله , وأتساءل عن أضواء السيارات الصفراء لما لا تلون الطريق بالبنفسج
كل شيء حولي كان ساكنا يتجاهل اضطراب حواسي , كما كانت تتجاهل رغبتي في أن تصيبها سكون الصقيع لأهدأ لحظة أبكي فيها دهرا بأكمله ,على من انتزع من قلبي آهات الإعجاب وكل آيات الحب ,على عبقرية رحلت تبحث عن وطن –أي وطن يقدر أن يحويه-
تهت وأنا أبحث عن سمع يصغي ولكن مسلسل الخيانة كان متكامل التفاصيل ذلك المساء العيون راقدة والآذان لم تكن مستعدة إلا لسماع صفير الشخير
لأول مرة انتظرت صوت المؤذن الذي يوقظ أمي وأنا أتساءل بلسان الحرية ماذا يعني عصفور سجين ,
بلسان الوطن ماذا يعني أن تخسر هوية
بلسان اللقاء ماذا يعني انتظار بلا نهاية
دُهشت أمي وهي تصادفني على طاولة الأكل في المطبخ نصف مستلق أحمل بين يدي كل الأفكار التي تحملها رأسي
أريد فنجان قهوة يا أماه
وا عجبا لكنك لا تطلبه عادة
أريد أن استيقظ يا أماه
لكنني لم أراك يوما تنام حتى هذا الوقت هل نمت اليوم؟
كانت تسألني بينما كانت آلاف التساؤلات تبحث عن إجابات لها في صدري .