تذكرت اليوم مشفى الاسدي فابتسمت وقلت من الطريف ان اكتب عنه
عملت في قسم الحواضن في مشفى الاسدي حوالي السنة مررت خلالها بمحطات جميلة وناس مختلفين
الذين يعملون في المشافي الخاصة غالبا ما يكون لهم عمل حكومي والعمل في المشفى الخاص اضافي فيحاولون ان يستجلبوا حياتهم الى المشفى لكي يبقوا على قيد الحياة
فترى شخصا منعزلا يعيش مع رواياته وطقوسه الخاصة من سماع لموسيقا واغاني واحتسائه لقهوته التي يعدها بشكل معين ...ومع علاقاته الخاصة بالممرضات ليملئ فراغا عاطفيا خلفه الانشغال بالعمل ...
وترى الشاب المقبل على الحياة يمضي مع اقرانه ساعات ملوها الضحك والمقالب
وترى العتيق الذي امضى عمرا في المشفى حتى كاد ان يتحجر كاحجاره خوفا من خوض تجارب جديدا ضريبتها الفوضى وعدم الاستقرار فاختار هدوء القبور واستقرار الماء الراكد وصار يصدر سلبيته للاخرين تحت عباءة الحكمة وقناع عدم الجدوى مستغلا خبرته التقنية ليشعر الاخر بعقدة الاخصاء الفكري في بعض الحركات البهلوانية التي يخيل للناس من سحره انها تسعى ....
وترى المرضى من الطبقة البرجوازية ومن الطبقة الفقيرة التي اضطرت الى زيارة المشفى استجابة لطبيب باع ضميره لماله او حكومة اضحى الدخول الى مشافيها شبه مستحيلا للدراويش وان دخل يدخل في متاهة لا يخرج منها الى وقد خسر ماله ولم يبرئ مرضه وورث عاهة مستديمة ليدخلوا هم في لعبة استفزاز الطاقم الطبي ليكسبوا بعض ماء الوجه الذي خسروه حتى احضروا المال
في المشافي الخاصة اخر من يفكر في مصلحتهم هم الموظفون لان المدراء او المالكون يتعاملون معهم بعقلية المضطر لدفع الراتب للمحافظة على دخل المشفى وسوية العمل لاناس يعملون ساعات اضافية بانتاجية قليلة لكسب مال اضافي

غرفة المناوب :
عندما تدخل الممر الرئيسي للمشفى يفاجئك باب جانبي تظنه باب غرفة اذا فتحته تكون المفاجئة الاولى ان اتجاه الفتح للخارج والباتالي قد تصدم الباب بالمارة وانت تفتحه والمفاجاة الثانية انه يكشف لك عن سرداب ولكن سلالمه لا تنزل للاسفل ككل سراديب الافلام ولكنها تصعد للاعلى وعليك لكي تضمن دخولك وسلامتك معا ان تبقى محنيا لتتذكر سراديب الاهرامات التي تقود الى توابيت الفراعنة حيث صممت لتبقى محنيا مسافة طويلة وانت تمشى علامة على الذل والصغار للجثة الهامدة التي ستصلها
ثم تاتيك غرف ومداخل تذكرك بالسفن المحطمة التي تنتظر الغرق والتيار الكهربائي يتقطع مع تارجح السفينة
غرفتي على اليمين فيها طبيبان طبيب العناية وطبيب الاطفال ..طبيب العناية مدخن شره يعيش عالما لوحده ولديه سخانة مهترئة يوصل اشرطتها مباشرة الى الكهرباء ليصنع قهوة في دلة لاتقل عنها قدما متمتعا بطعم السيجارة والقهوة وهو يرمق المارة على انغام جهازة الراديوة التي انفصلت اشلاؤه ولاتكاد تميزه الا من صوته ...
في مقابل هذه الغرفة هناك حمام محمي بقفل لا يملك مفتاحه الا طبيب تخدير جدد الحمام على حسابه واحتكره الا لمن توسم فيه سمات الطاعة او ربطته به حاجة مستمرة ...
في نهاية الرواق غرفة المقيمين وهي عبارة عن بهو فيه بضعة اسرة متناثرة وطاولة اشبه بطاولات الاستجواب التي تعلوها مروحة ترى ظلها متقطعا على راس المعتقل بسبب المصباح الذي وضع فوقها ..كانت تدور سهرات الشدة هناك كنا نضحك من القلب وننفس عن ضغط العمل .في وسط الغرفة كان يسكن باب يودي الى غرفة تموين مطعم المشفى ..كل مرة كان صاحب المطعم يقطع حرمة الغرفة في تبجح ومتعة ليخرج اكياس السكر وتنكات الزيت التي كانت (تشرشر)على الارض
تعرفت في هذا المشفى على محمد شما مقيم التخدير وعلى تارين فني الاشعة وكنا نقضي الليالي في غرفة تارين للاشعة نتناقش الافكار ونشاهد الافلام على جهاز تارين المحمول ثم صرنا نتدارس كتاب خطوات على طريق الاسلام بشكل منتظم .. مرة اخذتنا متعة الحديث وقررنا المبيت عند تارين على الارض بعد ان افترشنا بطانياتنا ..لم نستفق الا على صوت رجال الوردية الصباحية وهم يسخرون ويستهجنون فعلتنا ...
قضيت اجمل الايام مع تارين ننمو مع بعض ومع محمد شما بينما كنا ننزل لنشتري وجبة العشاء من فلافل على كيقك او علي بابا بين زحام الناس الذين تجمعوا ليستهلكوا الفلافل والبطاطا علهم يجدون شيئا لا يمكن للطبقة الراقية فعله في تحد يائس لواقع اليم ...
في قسم الحواضن وجد لوح ابيض علق عليه جرعات الادوية وخطط العلاج ..نقلت الاوراق الى الجدار المجاور وكتبت اعلانا على اللوح ..سيكتب كل واحد جملة يتركها لمدة اسبوع ثم يناقش مع الاخرين هذه الجملة خلال هذا الاسبوع وبعدها تمحى الجملة ليكتب اخر وهكذا وفعلا فعلنا ذلك وكانت فكرة ناجحة جدا
مشفى الاسدي كان تجربة رائعة تذكرتها من بضعة ايام فاحببت ان اكتب قبل ان ياكل تقادم الزمن روعة التجربة
والحمد لله
خورشيد الاحساء 19 /1/2008