Sozdar Mîdî ( Dr. E Xelîl) إشراقات الأربعاء الحلقة - 1 قدسيّة الأربعاء في التراث الكُردي

الأمم والتراث:
الأشجار تقف على أصولها، والشعوب تشمخ بتراثها، إن شعباً يتخلّى عن تراثه يحكم على نفسه بالسقوط. ومع أن طاحونة المحتلّين الاستعمارية كانت هائلة وجبّارة، وسحقت كثيراً من الشعوب، وجرّدتها من تراثها، ومسخت بعضها، إلا أنها عجزت عن سحق الأمّة الكُردية ومَسْخِها، ولا عجب، فأيّة طاحونة تستطيع سَحْقَ قمم زاغروس وطوروس؟ وأيّ غربال استعماري يستطيع حَجْبَ إشراقات شمس يَزْدان؟
وكرمز تراثي، اخترت لهذه السلسلة من المقالات عنوان (إشراقات الأربعاء)، لأؤكّد من خلال هذا العنوان أننا ما زلنا أمّة حيّة، لم ننمسخ ولم نسقط ولم نمت، وما زلنا مرتبطين بتراثنا العريق، ورأيت من الأنسب أن تكون الحلقة الأولى حول يوم الأربعاء، ونجيب عن السؤال التالي: تُرى هل للأربعاء خصوصية في تراثنا؟
معروف أن يوم السبت هو اليوم المقدّس عند اليهود، يُحرَّم عليهم العمل فيه، فقد جاء في التوراة: " سِتَّةَ أَيَّامٍ يُصْنَعُ عَمَلٌ، وَأَمَّا الْيَوْمُ الْسَّابع فَفِيهِ سَبْتُ عُطْلَةٍ مُقَدَّسٌ لِلرَّبِّ"( ). ويوم الأحد هو اليوم المقدّس عند المسيحيين، لأنه اليوم الثالث الذي قام فيه المسيح من القبر، ولأن يوم الأحد هو يوم الربّ ( ). والأرجح أن للمسألة علاقة بالعقيدة الميثرائية الشمسانية في التراث الأوربي قبل المسيحية، فما زال يوم الأحد يسمّى Sunday (يوم الشمس).
ويوم الجُمعة يوم مقدّس عند المسلمين، فيه يعطّلون وتقام (صلاة الجمعة) ظهراً، وكان يوم الجمعة مميَّزاً عند العرب قبل الإسلام، وكان اسمه (عَرُوبة)، والزعيم القُرَشي كَعْب بن لُؤَيّ أوّلُ من أطلق على يوم عَرُوبة اسم (الجُمعةَ)، لأنه كان يجمع فيه قبيلته قُرَيْشاً، ويخطب فيهم. ويرى باحثون أن ليوم الجمعة (عَروبة) صلة وثيقة بتراث ميزوپوتاميا القديم، وهو يوم الإلهة (الزُّهَرَة) في التقويم البابلي( ).
الأربعاء في تراثنا:
للأربعاء جذور عميقة في الميثولوجيا الكُردية، وما زالت آثاره باقية في الأيزدية، فالسنة الأيزدية تبدأ من أوّل (أربعاء) من شهر نيسان؛ لأن الكُرد الأيزديين يعتقدون أن يوم الأربعاء هو اليوم الذي خلق الله فيه مَلَك ميكائيل (شيخ أبو بكر)، ويحرّم فيه الأيزديون عَقْدَ القِران والزواج، وهو اليوم المعروف بـ (جارْ شَمْبا سُور) Çarșemba Sor ؛ أي (الأربعاء الأحمر)( ). وجدير بالذكر أن يوم الأربعاء كان مقدّساً عند السومريين، ولا سيّما أوّل أربعاء من شهر نيسان/أبريل، وكانوا يسمّونه (اكيتو)( ).
والمؤسف أن الفرس كعادتهم نسبوا كثيراً من التراث الآرياني، بما فيه التراث الكُردي، إلى أسلافهم، وصنّفوه ضمن تراثهم، وكذلك فعلوا بيوم الأربعاء، فذكر الفِرْدَوْسي أن الملك الفارسي أْوشَهنْج (هُوشَنْگ) اكتشف النار يوم الأربعاء( ).
وليس من المستبعد أن يكون ليوم الأربعاء في الثقافة الكُردية صلة ميثولوجية بالعدد (أربعة) فهو عدد مرموق المكانة في العقيدة الميثرائية الشمسانية، عقيدة الشعوب الآرية قبل الزردشتية بقرون كثيرة، وكان يُرمز إلى العدد أربعة بصليب متساوي الأطراف، يمثّل العناصر الأربعة: (النار، والهواء، والتراب، والماء)، وكان يمثّل الجهات الأربع (الشرق، الغرب، الشمال، الجنوب)، وبتعبير آخر: كان الصليب الميثرائي يرمز إلى التوحّد بين العناصر الأربعة والجهات الأربع.
والسؤال هو: هل لخصوصية يوم الأربعاء آثار باقية في حياتنا نحن الكُرد؟
نعم، وفيما يلي بعض تلك الأدلة، وهي من منطقة عَفرين في غربي كُردستان.
ظاهرات أربعائية:
• كانت جدّتنا وأمّهاتنا في قريتنا كُرْزَيل Kurzêl لا يرغبن في غسل الثياب يوم الأربعاء، وأكّد لي الصديق الناقد حيدر عمر من منطقة عَفرين هذه الظاهرة.
• حينما كنت أُصاب وأنا صغير بوجع الرأس، كانت أمّي تأخذني صباح الأربعاء إلى العجوز زَينَحَم ْZênehem، فكانت تأخذ بإصبعها من رماد أسفل ساج التخبيز، وترسم على جبيني صليباً متساوي الأطراف، وهي تهمس ببعض الأدعية.
• كان مختار قريتنا متخصّصاً في معالجة مرض (عِرْق النِّسا)، فكان يأخذ المريض صباح الأربعاء إلى سفح الجبل عند قريتنا، ويحفر جذور نبتة لا يحضرني اسمها الآن، ويحرقها، ويجعل رأس المريض وسط الدخان، وهو يقرأ بعض الأدعية، وما زال حفيده المختار يمارس الأمر ذاته.
• حينما كنا صغاراً، كنت أجد صبيحة يوم الأربعاء بعض نساء قريتنا، ومن قرى جبل شَيرَوان المتاخم لقريتنا، يقفن عند شجرة صغيرة في طريقنا إلى عفرين تسمّى Darpaçik (شجرة الخِرَق)، ويعلّقن بعض القطع القماشية الملوّنة على أغصانها، وهنّ يذكرن بعض الرغبات.
 
الصليب الميثرائي في (نقش رستم)
لا شكّ في أن هذه الظاهرات المتعلّقة بالأربعاء كانت موجودة في مناطق كُردستانية أخرى، ولعلها ما زالت موجودة، وخاصة عند الكُرد الأَيزديين، وهي لم تكن ظاهرات بلا أساس، إنها من بقايا خصوصية وقدسية الأربعاء في تراثنا الكُردستاني.
والحقيقة أن خصوصية يوم الأربعاء باقية في التراث الآري الأوربي أيضاً، لكن بدلالات مسيحية؛ أقصد يوم (أربعاء الرَّماد) عند المسيحيين، وهو أوّل يوم من زمن الصوم الكبير المسيحي، ويرمز في المسيحية إلى التوبة، وصار جزءاً من  الطقوس المسيحية الغربية، وفيه يذهب المسيحيون الكاثوليك إلى الكنيسة لحضور القُدّاس، ويرسم الكاهن على جبهة كل واحد منهم إشارة الصليب بالرماد.
   
ألم تكن الخالة زَينَحَم والكاهن المسيحي يستقيان من تراث مشترك؟
ومهما يكن، فلا بدّ من تحرير كُردستان!
الأربعاء 1- 4 – 2015