Sozdar Mîdî (Dr. E. Xelîl) : سلسلة: نحو مشروع كُردستاني استراتيجي ( الحلقة 2 ) هذه هي هويّتنا الكُردستانية!

2014-02-17

مفهوم الهويّة القومية:
حينما تفتقر أمّة ما إلى مرجعية تقودها، ودولة تدير شؤونها، وقوّة تحميها، تصبح كُرةً بين أقدام اللاعبين، كلٌّ يوجّهها لتسجيل الهدف الذي يريده. وليس هذا فحسب، بل يصبح كلّ ما يتعلّق بها- وفي المقدّمة هويَتها- عُرضةً للتشويه والتغييب. وكم دفعت الأمّةُ الكُردية- منذ 25 قرناً- ثمنَ افتقارها إلى دولة كُردستانية شاملة جامعة!

وهويّة الأّمّة هي شخصيتُها التي تُعرَف بها بين الأمم، وهي العلاقةُ الشعورية والفكرية الرابطة- طوال العصور- بين الأجيالَ والأسلاف والوطن والرموز التراثية، وهي المرجعيةُ الروحية الأكثر صلابة، وحينما تنهار المرجعية الثقافية والسياسية، وتنهار الدولة القومية، تقوم المرجعية الروحية الكبرى (الهوية القومية) بحماية الأمّة من  التفتّت، وتحصّنها ضدّ الانصهار في هويّات قوميات أخرى.
أجل، بالهويّة القومية يُعرَف الفارسيّ أنه فارسي، والعربيّ أنه عربي، والصيني أنه صيني، والكُردي أنه كُردي، وهلمّ جرّاً. ومع أن الكُرد عاشوا إلى الآن بلا مرجعية كُردستانية ثقافية وسياسية، وبلاد دولة كُردستانية جامعة، ومع أن الهويّة الكُردستانية تعرَضت لحملات التشويه والتغييب، فإن الكُردي حيثما كان، وكائناً من كان- عدا الهاربين من حقيقتهم والمنصهِرين قومياً- ينتمي إلى هويّته بفخر، قائلاً: أنا كُردي!
وقبل أن نستعرض حقيقة الهويّة الكُردستانية في عمق التاريخ، تُرى ماذا قال الآخرون عن هويّتنا القومية؟
هوّيّتنا القومية في المصادر القديمة:
يمكن تقسيم تاريخ الأمّة الكُردية إلى خمسة مراحل رئيسة:
1 – من العصر الحجري إلى زوال حضارة گُوزانا Guzana بين (4400 – 4300 ق.م).
2 – من زوال حضارة گُوزانا إلى سقوط مملكة ميديا سنة (550 ق.م).
3 – من سقوط مملكة ميديا إلى الغزوات العربية حوالي (640 م).
4 – من الغزوات العربية إلى زوال الدولة العثمانية سنة (1924 م).
5 – من زوال الدولة العثمانية إلى الآن.
ولم نجد في الأخبار العائدة إلى ما قبل الإسلام شيئاً بخصوص هويّة الأمّة الكُردية، وإنما ورد أحياناً وصفُ أسلاف الكُرد بالجبليين والقساة والمتوحّشين و"ثعابين الجبال"( )، وخاصّة في العهد الأكّادي والآشوري، لأن أسلاف الكُرد كانوا يتصدّون لهؤلاء الغزاة بشراسة. ويُفهَم من رسالة الملك الأَشْگاني الأخير أَرْدَوان إلى الملك الساساني الأول أَرْدَشَير بن بابَك أن الكُرد رعاة، لا يصلحون لقيادة الممالك( ). وعموماً هذه أوصاف لا تتعلق بالهويّة القومية، وإنما تتعلق بوصف سلوك الشعب.
أمّا في العهد الإسلامي فاختلف الأمر، ووردت أقوال عديدة في بعض المصادر، تتناول الهويّة القومية الكُردية بالبحث والتفسير، وفيما يلي أبرزها:  
1.    الكُرد من نسل عرب الشمال (العَدْنانيين)، أو من نسل عرب الجنوب (القَحْطانيين- اليمن)، أو هم من نسل العرب الذين عصوا النبيَّ سليمان، وهربوا إلى العجم، وزَنَوا بجوارٍ للنبي سليمان؛ أي هم من نسل هَجِين( ).
2.     الكُرد من نسل أَسْفَنْدِيار بن مَنُوشَهْر (الملك الثامن من ملوك الدولة البَيشْدادية الفارسية بحسب المصادر العربية)، أو من نسل سام بن نوح، أو من نسل حام بن نوح، أو من نسل يافِث بن نوح( ).
3.    الكُرد من نسل شبّان هربوا من الضَّحّاك (أَزْدَهاك) إلى الجبال، وتناسلوا هناك( ).
4.    الكُرد من نسل الجنّ الذين زنوا بجواري النبي سليمان، أو من نسل شيطان يسمّى (جَسَد)، زنى بجواري النبي سليمان وبنسائه المنافقات( ).
ولم نجدْ هذا الخلط والتخريف في الروايات المتعلقة بهويّة أيّ شعب آخر في الشرق الأوسط غير هويّة الكُرد، وهو دليل على طريقة تفكير بعض نُخَب غربي آسيا في تحديد هويّات الشعوب، ودليل أيضاً على الخلفيات الثقافية والسياسية التي أنتجت هذا التفكير اللاواقعي، وقد ناقشنا ذلك تفصيلاً في كتاب (صورة الكُرد في مصادر التُّراث الإسلامي)، وانظر مدوّنتنا:  http://ahmedalkhalil.wordpress.com القسم العربي- سلسلة (المؤامرة على الكُرد).
هوّيّتنا القومية عبر العصور:
1 - التكوين القومي الكُردي: وصلت جميع الروايات السابقة الذكر إلى العصر الحديث، وزيد عليها- بتأثير النزعة القوموية الفارسية والتركية- أن الكُرد فرع من الفرس، وأنّهم أتراك الجبال. والحقيقة أن الكُرد ليسوا فرساً، وإنما يشترك الشعبان في الانتماء إلى الآريين، وبينهم مشترَكات لغوية وثقافية منذ العهد الميدي. وليس الكُرد تُركاً ولا عرباً، وقد يوجد كُردٌ تعرّبوا وتترّكوا، وقد يوجد عربٌ وتُركٌ تكرّدوا، وهذا يحدث بين كل الشعوب المتجاورة.
إن التكوين القومي الكُردي نتاج الاندماج- عرقياً وثقافياً وسياسياً واجتماعياً- بين أسلافنا الزاغروسيين وأسلافنا الآريين، وقد تولّى أسلافنا الآريون القيادة الثقافية والسياسية منذ حوالي سنة (2000 ق.م)، وفي عهد هيمنتهم تشكّلت الملامحُ الخاصة بهويّة الأمّة الكُردية، وتأسّست على الجغرافيا المشترَكة، والتاريخ المشترَك، واللغة المشترَكة، والثقافة المشترَكة، والشعور المشترَك، إضافة إلى التجانس الإثني.
وقد وضع أسلافنا الگُوتيون، حوالي 2200 ق.م، بدايات التكوين الكُردي، ثم واصل الحوريون- بما فيهم الميتّانيون- استكمال التكوين الكُردي بين (2000 - 1200 ق. م)، ثم استكمل الميديون تلك المهمّة بين (1000 – 550 ق.م)، وكان لأسلافنا الميديين الدورُ الأكبر في صياغة الهويّة الكُردية جغرافياً وثقافياً وحضارياً. لكن خلال العهد الفارسي الأخميني والعهد الأَشْگاني، وفي ظروف غامضة، حلّ اسم (كُرد) محل اسم (ميد)، وبهذا الاسم عبر الكُرد إلى العهد الساساني فالروماني فالبيزنطي، ثم إلى عهد الخلافة العربية الإسلامية، ومن بعدُ إلى العصور الحديثة.
ومعروفٌ أن أسلافنا الميد أسقطوا إمبراطورية آشور بالتعاون مع حلفائهم الكِلدان سنة (612 ق.م)، وأقاموا إمبراطورية، وأصبحوا قوة إقليمية عظمى، وذاعت شهرتهم في العالم. وحينما استولى الفرس على مملكة ميديا، لم يكتفوا بتسخير الجيش الميدي والمؤسّسات الميدية لخدمة مشروعهم التوسّعي، وإنما سلبوا اسم (ميدي) وادّعوه لأنفسهم، حتى إن الملوك كانوا يخاطبون الملكَ الفارسي كورش الثاني (أمه مَنْدانا ابنة الملك الميدي أَزْدَهاك) بلقب "ملك الميديين"( )، وجرّدوا أحفاد الميد من اسمهم التاريخي الشهير، وأشاعوا اسم (كُرد)، بعد أن فرّغوه من مضمونه الحقيقي (بطل)، وضمّنوه معنى منفِّراً (بدوي، جبلي، راعي).
2 – جذور اسم (كُرد): إن أسلافنا عُرفوا باسم (كُرد) منذ الألف الثالث قبل الميلاد، فقد سمّاهم السومريون بالاسم المركّب Kur- tu أو Kur-du، ويعني بالسومرية (جبلي، جبليون)، وذكرهم الملك الآشوري تُوكُولْتي نِينُورْتا الأول Tukulti Ninurta1 (1244 – 1208 ق.م) باسم شعب QÛrtî، و KÛr-ti-i أو -i QÛr-di، وغزا الملك الآشوري تِغْلات پلاسَر الأول Tiglathpileser 1 (1114 – 1076 ق.م) بلادَ أسلافنا الگُوتيين، وسُجّل اسمهم بصيغة QÛrti. وسُمّيت الأراضي الواقعة على نهر الخابور، في الألواح الحثية والبابلية القديمة، باسم Mat Kurda ki (بلاد الكُرد)، وكلمة (mat) سومرية تعني (أرض)، واللاحقة (ki) هي للنسبة( ).
وتنوّعت صيغ اسم (كُرد) عبر التاريخ، فعُرفوا عند السومريين باسم (كُوتي- جُوتي- جُودي- كُورتو- كُوردو)، وفي الكتابات العيلامية باسم (كُورْتاش) Kurtash، وعند الآشوريين والآراميين باسم (كُوتي- كُورْتي- كارْتي- كارْدو- كارْداكا- كارْدان- كارْداك)، وسمّاهم اليونان والرومان (كارْدُوسُوي- كارْدُوخي- كارْدُوك- كَرْدُوكي- كارْدُوكاي). واسمهم بالفارسية (كُرد- كُردها). وبالتركية (كُورْت- كُورْتلَر) KÜrt. KÜrtler . وسمّاهم الأرمن (كُوردُوئين- كُورجِيخ- كُورتِيخ- كُورْخي). وعُرفوا عند السُّريان باسم (قُورْدَنايه) ومفردها (قُورْدايه)، ومنها جاءت التسمية السريانية للمنطقة التي يقع فيها جبل جُودي باسم (بَقَرْدَى/باقَرْدَى)( ).
وتوحّدت الصيغ المتعددة لاسم أسلاف الكُرد في صيغة (كُرد) Kord ، وجمعُها (كُردان) Kordan، ويبدو من السياق التاريخي أن هذه الصيغة شاعت في النصف الأخير من العهد الأَشْگاني/البارثي (250 ق.م تقريباً- 226 م)، وهذا واضح في رسالة أَرْدَوان آخر ملوك الأَشْگان إلى أَرْدَشَير بن بابَك بن ساسان أوّل ملوك بني ساسان، قائلاً له: "أيها الكُردي المُرَبَّى في خيام الأكراد، مَن أَذِن لك في التاج الذي لَبِسْتَه، والبلادِ التي احتوَيتَ عليها، وغَلَبْتَ ملوكَها وأهلَها"( )؟
وانتقلت الصيغة (كُرْد، كُرْدان) إلى العهد الساساني (226 – 651 م)، ولما حلّ العرب المسلمون محلّ الساسانيين في احتلال كُردستان؛ انتقلت صيغة (كُرد) إلى العهد الإسلامي، وكذلك صيغة (كُرْدان) بعد أن عُرّبت إلى صيغة الجمع (أَكْراد) على وزن (أَعْراب)، باعتبار أن الكُرد كانوا قد زُحزحوا عن مركز حركة الحضارة في غربي آسيا، وتحوّلوا بتأثير سياسات الإقصاء الفارسية إلى بداة وريفيين. تلك باختصار هي حقيقة هويّتنا الكُردستانية.
ومهما يكن فلا بدّ من تحرير كُردستان!
17 – 2 – 2014