Sozdar Mîdî (Dr. E. Xelîl) : مَن وراء نشر (الحشيش والدَّعارة) في غربي كُردستان؟

2014-01-31

بين حين وآخر؛ نسمع عن زراعة الحشيش، أو اكتشاف شبكة دَعارة، في غربي كُردستان. ولا عجب، ففي كل مجتمع هناك الصالح والطالح، ومجتمعُنا الكردي ليس استثناء، وخاصة أننا مجتمع محتلّ، نفتقر إلى مرجعية قومية توحّدنا وتوجّهنا، وتكافئ المُحسن وتحاسب المُسيء.
لكن مثل هذه المفاسد في مجتمعنا ليست عفوية دائماً، وإنما تقف خلفها أحياناً- وربما غالباً- ذهنيات عنصرية حاقدة، ولأغراض استعمارية خبيثة، وللتوضيح إليكم هذا الخبر.

في أواخر ثمانينيات القرن العشرين، زرت صديقاً في مدينة جِنْدِرَيسCindirȇs، وهي مركز ناحية في سهل جُومَه Cûmȇ بمنطقة عَفْرين Çiyayȇ Kurmȇnc ، والتقيت بأستاذ من عرب إسكندرون الذين استقروا في جِنْدِرَيس بعد ضمّ اللواء إلى تركيا، ويُدعى (أ. ح)، وعمل في فترة موجّهاً بإعدادية (ابن رُشد)، وهي أوّل إعدادية في مدينة عفرين، وقد روى لنا القصة التالية، وهي ترجع إلى بدايات حكم حزب البعث في سوريا:

خلال عملي موجّهاً في إعدادية ابن رُشْد، كان معي موجّه آخر بعثي دمشقي (ذكر اسمه لكني نسيته)، وذات يوم حللتُ مكانه في الدوام، ووجدت في درج الطاولة أوراقاً مكتوبة بخط اليد، فظننت أنها تتعلق بالطلاب، لكن فوجئت بموضوع عجيب، كان تقريراً موجَّهاً إلى قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، حول كيفية تعامل الدولة مع (الكِراد: الاسم السوري الدارج للكُرد) في منطقة عَفرين، ويدور التقرير حول النقاط التالية:
-     إفقارُ المنطقة وضرب اقتصادها.
-     نشرُ المخدّرات والقمار والدعارة والرذيلة بشكل عام.
-     اقتراحُ فتح سينما، وجلب أفلام هابطة لإفساد الشباب.
-     زرعُ الخصومات وتأجيجها بين الناس.
وأضاف الأستاذ (أ. ح): سألت الموجّه الدمشقي عن التقرير، فذكر أنه كتبه باعتبار أن (الكِراد) أعداء لنا نحن العرب، وإذا لم نُفسدهم ونُفقرهم، فسيثورون علينا كما يفعلون في العراق. فاستنكرتُ فعلته وقلت لنفسي: هذا الدمشقي مقيم في عفرين بشكل مؤقّت، وفي النهاية سيرحل، أما أنا فمن سكان المنطقة، وإذا انتشرت هذه المساوئ بين (الكِراد)، فستصيب أسرتي أيضاً.
تلك خلاصة ما رواه الأستاذ (أ. ح). والأمرُ الذي لفت انتباهي هو التبرير الذي ذكره الأستاذ (أ. ح) بشأن استنكار إفساد (الكِراد) في عفرين، فهو قد استنكره ليحمي أسرته في الدرجة الأولى، وليس انطلاقاً من القيم الإنسانية، وهذا يعني أنه لو لم يكن من سكان عفرين، فلَربما لم يستنكر المشروع.
وبعد سنوات، وبفضل شبكة الانترنت- قدّس الله سرَّها-  قرأت الدراسة التي قدّمها الملازم أول البعثي محمد طَلَب هلال، رئيس الشعبة السياسية في الحَسَكة، إلى القيادة السورية عام (1962) بعنوان: "دراسة عن محافظة الجزيرة من النواحي القومية، الاجتماعية، السياسية"، داعياً  إلى تجريد الكُرد من أراضيهم ومن الجنسية السورية، وتطبيق سياسة التعريب والتهجير والتجويع والتجهيل والإفساد بحقهم، وإقامة مستوطنات عربية بينهم. وقد تبنّت القيادة البعثية- بعد انقلاب 1963- تلك الخطّة وباشرت بتطبيقها.  
وأدركت حينذاك كم كنا نحن الكُرد مساكين وغافلين عمّا يُدبَّر ضدّنا! وكم كان الفاشيون مكّارين وحاقدين! وأدركت أيضاً كم من المهمّ أن نتنبّه إلى هذه الخطط الخبيثة، ونُلحق بها الفشل، ونحصّن مجتمعنا ضد مشاريع التدمير!
وأذكر في هذا السياق أن عمّي المرحوم علي كان يردّد المثل الكُردي: Tirk gî bidareke، أي (التُرك جميعهم من طِينة واحدة)، ويصحّ هذا المثل على العنصريين سواء أكانوا مستعرِبين أم تركاً أم فرساً، فهم أناس لا يعيرون أيّ اهتمام للقيم الإنسانية، وكلُّ الوسائل الشريرة مباحة عندهم؛ ما دام الأمر يتعلق بتدمير المجتمع الكُردي، ورَمْي القضية الكُردية خارج التاريخ.
لذا من الضروري أن يتنبّه نُخَبنا- مثقفين وساسة خاصة- وعامّة جماهيرنا إلى هذه المخطّطات العنصرية الماكرة، وأن نحصّن مجتمعنا ضدها، ونتعامل بحكمة ممزوجة بالحزم مع كل مَن يتورّط في هذه الموبقات؛ فالأمم التي تخسر القيم الأخلاقية السامية مصيرُها التفسّخ فالضعف فالانهيار.
هذا إذا كانت الأمم أصحاب دول مستقلة، ولها مؤسسات ترعى شبابها، فكيف بنا ووطننا محتل، ومجتمعنا مخترَق ومشرْذَم؟! وكيف يمكننا أن نناضل كالجسد الواحد في سبيل تحرير وطننا، إذا لم نتصف بأقصى درجات الانضباط الأخلاقي، والرقابة الاجتماعية الرشيدة، والتماسك المجتمعي المتين؟!
ومهما يكن فلا بدّ من تحرير كُردستان!
31 – 1 - 2014