Sozdar Mîdî (Dr. E. Xelîl) : سلسلة تاريخ إقليم غرب كُردستان- دراسات تاريخية الحلقة ( 15 ) غربي آسيا جيوسياسياً قبيل نشأة مملكة ميتاني ( الآشوريون- الكاشِّيون- الحِثّيون )

2014-01-30

قُبيل ظهور مملكة ميتاني الحورية في غربي كُردستان، حوالي منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، تُرى كيف كانت الأوضاع السياسية في غربي آسيا؟ وما أبرز القوى الإقليمية المتنافسة هناك؟

الآشُوريّون في سوبارتو:
أكّد معظم المؤرخين أن الآشوريين لم يكونوا عِرقاً ساميّاً صِرفاً، قال وِل ديورانت: " كان الأهلون خليطاً من الساميين، الذين وفدوا إليها من بلاد الجنوب المتحضّرة (أمثال بابل وأكّاد)؛ ومن قبائل غير ساميّة جاءت من الغرب، ولعلهم من الحثّيين، أو من قبائل تَمُتّ بِصلة إلى قبائل ميتاني؛ ومن الكُرد سكان الجبال الآتين من القفقاس [الصواب: زاغروس]، وأخذ هؤلاء كلهم لغتَهم المشترَكة وفنونَهم من سومر، ولكنهم صاغوها فيما بعد صياغة جديدة، جعلتْها لا تكاد تفترق في شيء عن لغة أرض بابل وفنونها"( ).
وقال هاري ساغْز: "كان الآشوريون شعباً هَجِيناً، وهم يعرفون ذلك، وكان النَّقاء العِرقي ليس بذي قيمة بالنسبة إليهم، ومنذ أقدم الأزمنة كان لديهم تاريخ عنصري خليط"( ).
وقال الدكتور إبراهيم الفنّي: "من القراءة الأولى نعتقد أن الحوريين هم الذين أعطوا الأشوريين تلك الملامح التي كانت تميّزهم عن الساميين في الجنوب" . وقال الدكتور جمال رشيد أحمد: "انحدر الآشوريون عِرقياً من الحوريين أو الگوتيين أو اللولوبيين" .
وليس هذا فحسب، بل إن البلاد التي عُرفت باسم (بلاد آشور)- ومعظمها مثلّث واقع بين نهر دجلة ونهر الزاب الأعلى ونهر الزاب الأسفل- كانت تُعرَف قبل ظهور الآشوريين باسم (سوبارتو) Subartu، وسبق القول بأن السوباريين أقدم أسلاف الكُرد، وقد ذكر سپايزر في هذا الشأن خبراً، نعتقد أنه مهمّ جداً، وهو الآتي:"إن بلاد آشور... كانت في الحقيقة موطناً لسكّان زاغروسيين محلّيين، حَكَمهم ملوك لم ينحدروا من السلالات الساميّة") (.
 
ويقول الدكتور عامر سليمان وأحمد مالك الفِتْيان: "لم يكن اسم آشور معروفاً في القسم الشمالي من العراق قبل الألف الثالث قبل الميلاد، بل كان يُطلَق على السكان القاطنين في المنطقة اسم (سوباريين)، بينما أُطلق على البلاد اسم (سوبارتو). وعند مجيء الآشوريين إلى المنطقة غَلَب اسمُ الآشوريين وبلاد آشور، وانصهر السوباريون مع الآشوريين، بينما نزح البعض منهم إلى المناطق الجبلية") (.
وجدير بالذكر أن السومريين أنفسهم- قبل استقرارهم في جنوبي ميزوپوتاميا- كانوا من سكان سوبارتو، ولهذا يُعَدّون من أسلاف الكُرد، وينبغي أن نستردّهم ونضمّهم إلى تاريخنا. وها هو ذا الدكتور محمد بَيُّومي مَهْران يقول: "إن الآشوريين لم يحلّوا في أرض فضاء [فارغة]، وإنما سكنوا بقاعاً سبقهم إليها قوم آخرون، عرفنا منهم (سوبارتو) Subartu الذين كانوا يَشغلون من قبلُ الإقليمَ الواقع بين دجلة وزاغروس، وهم ليسوا بساميّين على أيّة حال، ... بل يرجّح البعض أن السومريين نزلوا في هذه النواحي قبل الساميّين الغربيين، وجعلوا منها مراكز لحضارتهم الشمالية"( ).
ونستنتج من هذه المعلومات أن الآشوريين هم في الأصل تكوين سامي زاغروسي (كُردستاني)، لكن بقيادة وثقافة سامية. ومثل بقية أقوام غربي آسيا اهتمّ حكّام آشور بتوسيع مناطق نفوذهم، ونتيجة لذلك دخلوا في صراعات حادّة ضد حكام المناطق المجاورة، وكانت منطقة نفوذهم تتوسّع وتتقلّص بحسب طموحات ملوك آشور، وبحسب قوة وضعف الممالك المجاورة. وقسّم المؤرخون التاريخ الآشوري السياسي إلى ثلاثة عصور، هي:
1 – العهد الآشوري القديم: حوالي (2000 – 1521 ق.م).
2 - العهد الآشوري الوسيط (1521 – 911 ق.م).
3 - العهد الآشوري الحديث (911 – 612 ق.م)( ).
وكانت المصالح الآشورية الإستراتيجية تتطلّب أن يسيطروا على الطريقين التجاريين العالميين (طريق الحرير، وطريق البخور والتوابل)، وعلى فروعهما في شرقي البحر الأبيض المتوسط وفي الأناضول؛ لذلك كانوا يغزون سوريا وفلسطين وشمالي بلاد العرب، بل غزوا مصر، وسيطروا عليها كي لا تكون منافساً لهم في شرقي المتوسط (سوريا- لبنان- فلسطين)، ومن الطبيعي- والحال هذه- أن تكون بلاد الحوريين- وفي مقدّمتها جغرافيا غربي كُردستان (مركز مملكة ميتاني بعدئذ) هدفاً للغزو الآشوري، وأن يكون الصراع بين الحوري- ميتانيين والآشوريين محتوماً.
الكَاشِّيُّونَ في بابِل:
الكاشّيون Kashshu من أسلاف الكُرد القدماء، ومن أقرباء الحوري- ميتانيين، وهم يسمّون (كاشّي، كوشّو، كاسّي، كاسّيت)، نسبةً إلى إلههم (كاش/كاشّو) أيْ (السيّد/الربّ)، وهم تكوين زاغروس- آري، وكانت الطبقة الحاكمة من الفرع الآري، وكانت مواطن الكاشّيين في الجزء الأوسط من جبال زاغروس، والمعروفة باسم (لُورِستان) Luristan. وهم أوّل من أدخل الخيول إلى بلاد بابل، واستخدموا العربات التي تجرّها الخيول في أيام السلم والحرب، وقد سيطروا على بلاد بابل بقيادة ملكهم أَگُوم (آغوم) الثاني حوالي سنة (1531 ق.م)، وضمّوا إليها بلاد سومر، واتخذوا مدينة (بابل) عاصمة لهم، وأطلقوا على بلاد بابل اسم (كارْدُونياش)؛ أيْ (بلد الرب دُونياش)( ).
 وكان الآشوريون يجاورون بابل من الشمال الشرقي، ويجاورهم الحوري- ميتانيون من الغرب، وكان ملوك الكاشّيين حريصين على سياسة التعايش السلمي مع البلدان المجاورة، وتجنّب الصراعات المسلّحة، وأقاموا علاقات صداقة مع فراعنة مصر، فكانت فترة حكمهم في ميزوپوتاميا فترة هدوء نسبي. واغتنم ملوك آشور نشوب النزاعات على السلطة في البلاط الكاشّي، فقضوا على مملكة كاشّو، وضمّوها إلى مملكتهم، كان ذلك في عهد آخر ملك كاشّي أنليل- نادين- أهى Enlil-   Nadin- Ahhe (1159 – 1157 ق.م)( ).
 
الحِثِّيُّونَ في الأناضُول:
الحِثّيون Hittites ليسوا من أسلاف الكُرد كما يُشاع أحياناً، وإنما هم شعب آري (هندو أوربي)، وهذا هو المشترَك بينهم وبين أسلاف الكُرد. وفي موطنهم الأصلي رأيان: الأول أنهم جاؤوا من تَراقْيا في البَلْقان إلى منطقة حوض منعطف نهر هاليس (قيزيل إرْماق) في وسط الأناضول. والثاني أنهم نزحوا إلى آسيا الصغرى من المناطق الشمالية الواقعة على سواحل البحر الأسود. وقسّم المؤرخون تاريخهم إلى عهدين:
1 - عهد المملكة الحثيّة القديمة (1600 – 1380 ق.م).
2  - المملكة الحثيّة الحديثة (1380 – 1190 ق.م).
وبدأ عهد المملكة الحثيّة القديمة بمؤسسها الملك لابارْنا (1600 – 1570 ق.م)، وأعاد بناء واتخذ ابنه خاتّوشيلي الأول  Hattushili I (1570 – 1530 ق.م) مدينةَ خاتّوشا (خاتّوسا/هاتوسا/بُوغاز كُوي على بعد 15 كم شرقي أنقرة) عاصمةً للمملكة، وقام مورشيلي الأول Murshili I (1530 – 1510 ق.م)  ابن خاتّوشيلي الأول باحتلال مدينة حلب (حَلْبا) سنة (1530 ق.م)، وقضى في السنة نفسها على حكم آخر ملوك الدولة البابلية القديمة، وهاجم الحوريين، ودمّر "كلَّ مدن الحوريين" حسبما جاء في الوثائق الحورية، ولعل المقصود المنطقة المحيطة بحلب، أو المدن الحورية الواقعة شرقي نهر الفرات.
وهكذا فإن مصالح الحِثّيين الجيوستراتيجية- بما فيها الاقتصادية- فرضت عليهم السيطرة على ميزوپوتاميا شرقاً، وعلى شرقي المتوسط غرباً. لكن بدءاً من عهد الملك خانتيلي الأول (1510 - 1490 ق.م) عديل مورشيلي الأول، ظهرت الصراعات على العرش، وعمّت الفوضى السياسية في  قلب الأراضي الحثية، واغتنم الحوري- ميتانيون الفرصة، فدعموا نفوذهم في شمالي المنطقة التي سُمّيت لاحقاً (سوريا)، ورسّخ أقرباؤهم الكاشّيون نفوذهم في بابل( ).
30 – 1 - 2014