محمود خليل : بنوراما "الثورة" السورية و جنيف2

2014-01-04

إذا كان هناك ثمة نصر أو نجاح لمؤتمر جنيف2 المزمع عقده في نهاية الشهر الحالي سيكون للدبلوماسية الروسية بامتياز، وما جنيف2 سوى احتفاء بهذا الانتصار....
في خضم الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت المنطقة العربية قبل ثلاث سنوات، وسمي في ذلك الوقت بالربيع العربي، إلا انه أصبح خريفا، ومن ثم تحول إلى شتاءّ قارص في سوريا.

لم يكن عصيا على بعض المحللين الاستراتيجيين، ومنذ بداية الأزمة السورية، رؤية خارطة سورية المستقبلية ,وفقاَ للقراءات المتعمقة ودراسة المعطيات المتوفرة لديهم، تلك المعطيات التي تتعلق بالوضع السوري الجيوسياسي والجيوثقافي في المنطقة، وكذلك العلاقة الجدلية بين سوريا كنظام ومنظومته العقدية "حزب البعث" القوموية المتشددة الحاكمة والتي تعود فلسفتها إلى أيام الحرب الباردة كإحدى امتدادات السوفيت الداعمة للدولة القومية "الوطنية" في الشرق الأوسط.
العلاقة بين سوريا ودولة إسرائيل ذو التركيبة الدينية القومية، كأحد اكبرا المحميات الأمريكية قاطبةّ، هذه الإشكالية التي دامت قرابة نصف قرن في حروب ساخنة أحيانا، وباردة أحيانا أخرى، الجانب الأهم في هذه الاستدامة في الجدلية السورية الإسرائيلية تكمن في عاملين مهمين، العامل الأول هو استغلال الطبقة المتنفذة في سوريا ومن خلال السلطة القومية استثمار الحالة القومية الشعبوية- عبر الخطاب ألمشاعري- بشكل مفرط كوسيلة وحجة لاستدامة الصراع، الصراع، الذي راح ضحيته الآلاف، وقد عاش البلاد حالة طوارئ وأحكام عرفية طوال نصف قرن جراء ذلك، وتحول النظام إلى سلطة أمنية واضحة، تهيمن عبر أجهزتها تلك على جميع مفاصل الدولة ومن خلالها على المجتمع برمته، والعامل الآخر في هذا الأمر يعود إلى الارتباط المباشر للنظام بالقوى الفاعلة الرئيسة المتصارعة على اقتسام النفوذ في الشرق الأوسط.
هناك ناحية مهمة لا بد من الإشارة إليها في هذا السياق آلا وهو التحول الذي حصل في موازين القوى العالمية المهيمنة، وانهيار ثنائية القطب، واستفراد أمريكا قيادة العالم، طرأ تحول في حدود المناورة السياسية لدى الدول القومية الصغيرة في الشرق الأوسط بعد أن كانت تعتمد السياسات البعيدة المدى "شبه إستراتيجية" بارتهانها على السياسات الإستراتيجية للقوى العالمية، وقد لاحظنا استطالة فترة السلطات الدكتاتورية والشمولية والملكية في الحكم، وإفراطها في قمع شعوبها دون مسائلة تذكر من لدن العالم، إن الشعوب الشرق الأوسط والشعوب الإفريقية وكثير من شعوب أمريكا اللاتينية رزحت تحت الظلم في ظل أنظمة توليتارية ودكتاتوريات فردية في غالب الأحيان، فانعدمت الديمقراطية والعدالة الاجتماعية في ظل الثنائية القطبية هذه في تلك البلدان، وكما ذكرنا، وبعد التحول الحاصل "أحادية القطب" في العالم اثر انهيار الاتحاد السوفيتي في نهاية القرن المنصرم، تحول سياسات معظم الدول وخاصة دول الشرق الأوسط- سياساتها- إلى ما يشبه - انعدام التوازن- في السياسات الخارجية التي كانت تضمن السياسات الداخلية ذو الطبيعة التسلطية، وأخذت تعتمد على السياسات - القصيرة المدى- بعد أن كانت تعتمد السياسات الشبه الإستراتيجية - الطويلة المدى- الداخلية منها، في هيمنتها الفظة لشعوبها، والخارجية المعتمدة على تلك العلاقات التي ساندتها وساعدتها في حاكمتيها وقمعها لشعوبها.
عودة للوضع السوري، لقد لعبت تلك العوامل، بالإضافة إلى عوامل أخرى كالتركيبة المجتمعية المتنوعة الغير متجانسة، لعبت جميعها – الدور في إطالة عمر الأزمة بما فيها الكفاية.
إن معظم السوريين تضرروا من الحرب - اكتووا بنارها – فضاعت آمالهم أو خيبت...

هذه "الثورة" التي ابتلعت خيرة أبنائها- وحرقت بيوتها وبساتينها ومدارسها-وشردت – كمتسولين- في شتى بقاع العالم- ولا تزال السنة النار مشتعلة – والدوامة مستمرة- في هذا المنحى اللاإنساني- يعيش السوريين في محنتهم- كجسد خائر لا حول له ولا قوة.
في الأرض - ميدان المعركة- أضحت جحافل المسلحين الغرباء واقعا مضافا للهم السوري – وجوقة ما يسمى المعارضة الخارجية – التي باتت تعزف على الوتر الذي يحرض على المزيد من الدمار والحرب والقتل عبر ارتباطاتها الإقليمية " دولة قطر وفيما بعد السعودية" وتركيا والتي تبحث- تلك الدول- عن أية مصالح عدا مصالح الشعب السوري، لأن بنية وطبيعة أنظمة تلك الدول بعيدة جدا عن أن تكون داعمة للشعوب بطبيعة الحال، فهي تبحث عن مصالحها من خلال إدامة الحرب والاقتتال في سوريا.
لقد وضعت – الجماعات التكفيرية – وأجنحة تنظيم القاعدة مثل: داعش وجبهة النصرة خيرة قواتها وعتادها على الأرض السورية ووضعت نصب أعينها إقامة ما يسمى" دولة العراق والشام في سوريا"، بالإضافة إلى دخول المئات من الخلايا والمجموعات المرتزقة العابرة للقارات والدول- جميعها تفقسن في سوريا.
امتدت الأذرع القصيرة والطويلة لمعظم دول العالم إلى الذمة السورية بحثا عن مصالحها.

لقد أضحت وبشكل جلي – انه تجري على الخارطة السورية "الميدان السوري" معارك على عدة جبهات وفي أكثر من مكان، وليست على نسق واحد، وفق طريقة - الجميع يقتل الجميع- هذه المعارك تجري بطبيعة الحال بالنيابة، فالسعودية العربية "السنية" تقاتل إيران الإسلامية "الشيعية"، وإيران وتركيا ,فهذين الدولتين الإقليميتين لسوريا تشكلان الجسر الذي أوصلتا الوضع السوري إلى ما يشبه اليوم - بالحرب العالمية الثالثة الغير معلنة- فهما ومنذ بداية الذمة، تدخلتا في الوضع السوري، مستعرضتان قواهما خفية في البداية الأمر، وباتتا الآن بشكل معلن، روسيا وأمريكا، العدوان الصديقان تغازلان وتتجاذبان أحيانا وتتناحران أحيانا أخرى ولكنهما تتفقان على الخطوط الرئيسية في نهاية المطاف حول الذمة السورية.
لقد ابتعدت الولايات المتحدة الأمريكية في العشر السنوات الأخيرة عن فكرة إرسال قواتها إلى خارج الحدود، واحتلالها البلدان التي تقف حاجزا أمام مصالحها، إن تجربة العراق وأفغانستان أعطتها دروسا في ذلك، فلم يعد هذا الأسلوب ممكنا غلى المدى القريب، فاعتمدت سياسة تحقيق الأهداف عن طريق-ريمول كنترول- عن بعد وذلك بالاعتماد على قواعدها العسكرية و- عملائها – وشبكة استخباراتها – المنتشرة في كل مكان، وكذلك على حلفائها من الدول التي ترتبط معها كارتباط الرضيع بأمه.
أما روسيا التي استفادت من الإرث السوفييتي- التي شكلت ولعدة عقود- استقطاب نصف دول العالم، وصاحبة صناعة القرار العالمي - الفيتو- حق النقض في مجلس الأمن الدولي، روسيا اليوم تربعت بكل أريحية على ذلك الميراث، ونتيجة للتحول الذي حصل لروسيا - الاتحاد السوفيتي السابق- والانفتاح الداخلي – البروستوريكا- وانعكاسها الخارجي، والفراغ الذي تركه مجمل تجربة الاشتراكية المنهارة، كل ذلك جعلت من روسيا دولة - وحتى تترأسمل بشكل جيد وتلحق أو تتوازى مع الدول الصناعية الكبرى- وعبرا لطبقة الحاكمة الجديدة بزعامة الزمرة المافيوية الروسية المتمثلة في شخص فلاديمير بوتين وصديقه ماديتيف واللذين يتناوبان الأدوار كعضوين في حزب واحد، كما الحال في حكومة العدالة والتنمية في تركيا – حالة رجب طيب اردوغان وعبدا لله غول-.,تلعب روسيا اليوم مثل الرجل "الأزعر المفلس" التي تبحث عن النزاعات الإقليمية والقضايا التي تدخل في أورقة الأمم المتحدة – تبحث روسيا- عن حق "ثمن"حق النقض- الفيتو- كأتاوى - خوة -اعتمادا على حقها - في الاعتراض ضمن مؤسسة المسماة: مجلس الأمن الدولي، وغيرها من المؤسسات العالمية.
يقال بأن موعد توجيه الدعوات لعقد مؤتمر جنيف2 قد حدد في 22كانون الثاني من العام القادم، ربما توجه دعوات لحوالي ثلاثين دولة، إن حضور هذا العدد - فيما لو عقد مؤتمر جنيف2 من عدمه ألا يعني هذا: بأنه أصبح لكل تلك الدول مصالح –وحق- بطلب فاتورة الحساب مما صرفتها على "الثورة السورية"، ألا يعني: إن تلك الدول ستطلب من اذرعها - ديكها- على ما حققتها على الأرض في" الميدان السوري" طيلة السنتين من الاحتراب والذابح.
السوريون ينظرون اليوم إلى جنيف2 بعيون مرفرفة وقلوب جريحة وعقول مشوشة.
السوريين، ألمسلوبي الإرادة، والذين أصبحوا بفعل" الثورة" وغياب الرؤيا - الرؤية السياسية- لا يكترثون كثيرا بمؤتمر جنيف2 فربما ينتظرهم أكثر من مؤتمر.
محمود خليل
13/12/2013



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.