Dr. Sozdar mîdî (E. Xelîl) دراســــــــات في التاريخ الكُردي القــــــــديم ( الحلقة 30 ) شخصيات ورموز كُردستانية في عهد صلاح الدين الأيّوبي

2013-12-30

شخصيات كُردستانية:
شارك كثير من الشخصيات الكُردية القيـادية في المعارك التي خاضها صلاح الدين ضـد الفرنج، منهم:
 - شمس الدولة تَوْرانْشاه: أكبر إخوة صـلاح الدين، قـاد الجيش الأيوبي إلى فتح اليمـن، وضمّ معظمها إلى الدولة الأيوبية، وكان من أجـود الناس وأسخاهم كفّاً، يوزّع على الناس جميع ما يصل إليه من مال، توفّي سنة (576 هـ)( ).

 - نور الدولة شاهِنْشاه: أخو صلاح الدين، وكان أكبر عمراً منه، استشهد سنة (543 هـ) في معركة ضد الفرنج حينما حاصروا دمشق بجيش يقدّره المؤرخون بحوالي سبعمئة ألف مقاتل( ).
 - سيف الإسلام طُغْتِكين: أخو صلاح الدي، قال ابن خَلِّكان في ترجمته: " كان رجلاً شجاعاً كريماً، مشكورَ السيرة، حَسَنَ السياسة، مقصوداً من البلاد الشاسعة لإحسانه وبِرّه"( ). وكان صلاح الدين أرسله لحكم اليمن سنة (578 هـ)، فحكمها ستَّ عشرة سنة، وتوفّي سنة (593 هـ) ( ).
 - الملك العادل سيف الدين بن أيوب: أخو صلاح الدين، كان نبيلاً حازماً، سديد الآراء، حسن التدبير، حليماً صَفوحاً، آمراً بالمعروف ناهياً عن المنكر، شارك مع صلاح الدين في ميادين القتال ومجالات الإدارة، وكان ينوب عنه في حكم مصر عند غيابه، وحينما تفاقم الخلاف بين أبناء صلاح الدين على السلطة بعد وفاته، وكادت الدولة الأيوبية تنهار، تدخّل وأزاحهم جانباً، وأصبح السلطان على البلاد، وأعاد للدولة وحدتها وهيبتها ومكانتها، توفّي سنة (615 هـ)( ).
 - تاج الملوك بُوري: أصغر إخوة صلاح الدين، كان فارساً شجاعاً كريماً حليماً، جامعاً لخصال الخير ومحاسن الأخلاق، وكان شاعراً وله ديوان شعر بالعربية، توفّي على أثر جرح أصيب به حينما كان صلاح الدين يحاصر مدينة حلب سنة (579 هـ)( ).
 - عزّ الدين فَرُّوخْشاه بن شاهِنْشاه: ابن أخي صلاح الدين، كان ينوب عنه في حكم دمشق، وله مواقف مجيدة ضد الفرنج، وكان اعتماد صلاح الدين عليه أكثر من جميع أهله وأمرائه، وكان شجاعاً يشارك في الحروب بنفسه، ولا يَكِلها إلى أحد غيره، ولا يهاب الموت، وكان كريماً فاضلاً عالِماً بالأدب، وله شعر جيّد، توفّي سنة (578 هـ).
 - المظفّر تَقِيّ الدين عمر بن شاهِنْشاه: ابن أخي صلاح الدين، كان يقود جنود صلاح الدين في كثير من المعارك، إلى جانب اهتمامه ببناء المدارس، وله شِعر حسن، قال ابن خَلِّكان في ترجمته: " كان شجاعاً مِقداماً، منصوراً في الحروب، مؤيَّداً في الوقائع، ومواقفُه مشهورة مع الفرنج،... وكان كثير الإحسان إلى العلماء والفقراء وأرباب الخير"( ). وكان حاكم مدينة حَماه، وتوفّي حينما كان يحاصر قلعة مَنازْكُرد في نواحي مدينة خِلاط بشمالي كُردستان سنة (587 هـ) ( ).
 - ناصر الدين محمد بن شَيركُوه: ابن أسد الدين شَيركُوه (عمّ صلاح الدين)، شارك في الحروب التي قادها صلاح الدين، وعيّنه حاكماً على حمص، لأن حِمص كانت تحت حكم والده شَيركُوه في عهد السلطان نور الدين زَنكي، وتوفّي ناصر الدين في حمص سنة (637 هـ) ( ).
وثمّة كُرد آخرون برزوا في عهد صلاح الدين، وشاركوا في الحروب بشكل فعّال، نذكر منهم شهاب الدين محمود الحارمي خال صلاح الدين، والأمير حسام الدين عمر بن لاجِين، وهو زوج أخت صلاح الدين، والأمير علي بن أحمد المَشْطوب الهَكّاري، والأمير حسام الدين إبراهيم المِهْراني، والأمير أبو الهَيْجاء السَّمين (من الكُرد الحَكَمية في منطقة أربيل)، والأمير مُجاهِد الدّين بُزان (بُوزان) بن مامِين، والفقيه عيسى الهَكّاري، وأخوه ظَهير الدين الهَكّاري( ).
رمزيات كُردستانية:
إن الحضور الكُردستاني في عهد صلاح الدين لم يقتصر على جغرافيا كُردستان، وعلى المقاتلين والعلماء الكُرد، وإنما كان للتراث الكُردستاني أيضاً حضوره من خلال بعض الرموز الكُردستانية، نذكر منها رمزين:
1 – رمزية الشمس في راية صلاح الدين:
كانت الشمس رمزاً سماوياً مقدّساً عند أسلاف الكُرد الزاغروس-آريين، وكانت رمزيتها أكثر حضوراً في التراث الآري، وكان إله الشمس الآري يسمّى (سورْياش= سوريا= سورا= آسور= آهورا) ( ). ولا يوجد فرع من فروع اليَزدانية- وهي الدين الكُردي القديم، وتسمّى الأَزْدائية/الأَزْدَهائية أيضاً- إلا وللشمس مكانةٌ رمزية مرموقه فيه، ونذكر على سبيل المثال: الميثرائية، والزرادشتية، والأيزدية، والكاكائية.
وفي الديانة الزرادشتية بقيت الشمس رمزاً سماوياً مقدّساً، وكانت النار رمزاً أرضياً مقدّساً، واحتفظ بها الزرادشتيون مشتعلةً في معابدهم، وكان اللون الأصفر يرمز إلى الشمس، واللون الأحمر يرمز إلى النار. وصحيح أن الأيوبيين كانوا قد أسلموا، لكن لا ننس أنهم فرع من القبيلة الكُردية الكبيرة ( رَوادي)، وهذا الاسم معدَّل من الاسم الكُردي الأصلي (رُو- آدي) Ro -adî، ويعني (شمساني/من أتباع العقيدة الشمسانية).
وقد ذكرت بعض المصادر أن راية صلاح الدين كانت صفراء اللون( ). وجاء في خبر آخر أن العلم السلطاني الخاص بصلاح الدين كان أصفر اللون، وفي وسطه رسمُ نسرٍ أحمر( ). وليس من المستبعَد أن تكون صورة (النسر) في الرموز الوطنية في مصر وسوريا وبلدان عربية أخرى مستمدَّة من التراث الأيوبي.
1 – رمزية النَّوْرُوز السلطاني:
نُورُوژ Nû -roj رأس السنة الآرية عند الآريين الشرقيين، من أفغانستان شرقاً إلى كُردستان غرباً، وهو عيد قديم له بنية دينية، قبل أن يكتسب دلالة وطنية في صيغة ثورة كاوا الحدّاد على الملك الطاغية أزدَهاك، وثمة غموض حول هذه القصة، ويبدو أن الفرس- بعد أن سيطروا على مملكة ميديا سنة (550 ق.م)- شوّهوا تاريخ الملك الميدي الأخير أزدَهاك، وصوّروه ببشاعة من خلال قصة كاوا الحداد، وقد ناقشنا هذا الموضوع باختصار في كتاب (مملكة ميديا)، وهو بحاجة إلى وقفة تحليلية خاصة.
ولنعد إلى عيد (نُورُوژ)، فقد جاء في المصادر العربية بصيغة (نَوْرُوز) و(نَيْرُوز)، وبعد الفتح العربي للعراق وكُردستان وفارس، ظلّ الاحتفال بهذا العيد في عهد الخلافة الراشدة، ولم يكن محرَّماً كما يزعم بعض شيوخ الإسلام، متذرِّعين بأنه عيد مجوسي له علاقة بعبادة النار، واستمر الاحتفال به في عهد الخلافة الأُموية وعهد الخلافة العبّاسية، وفي العهود التالية، وكان أثرياء الشعب يقدّمون فيه الهدايا للخلفاء والولاة. وذكر الخطيب البغدادي أن النُّعْمان بن المَرْزُبان (جدّ أبي حنيفة النُّعمان إمام المذهب الحَنَفي) " أهدى لعليّ بن أبي طالب الفالوذَجَ في يوم النَّيروز، فقال: نَوْرِزُونا كلَّ يوم"( ). والفالوذَج حلوى لذيذة، يُصنَع من الدقيق والسَّمن والعسل أو السكّر، يسمّى في منطقة عفرين: Pelûl.
والجديد في الأمر أن هذا عيد نوروز سُمّي في عهد صلاح الدين باسم "النَّوْرُوز السُّلطاني"، وظلّ هذا الاسم في العهد المملوكي الذي تلا العهد الأيوبي؛ باعتبار أن المماليك الأتراك هم تلامذة الدولة الأيوبية، فيها نشأوا، وعلى أسسها أقاموا دولتهم. ولم أجد في المصادر أنه يوم النوروز سُمي "النوروز السلطاني" قبل عهد صلاح الدين. ويُفهَم من ذلك أنه اكتسب أهمّية خاصة في العهد الأيوبي، ولا عجب، فالكُرد ينقلون معهم ثقافتهم الكُردستانية- من أسماء وعادات وأعياد وأطعمة- حيثما ارتحلوا وحلّوا، ومرّ أن قسماً كبيراً من جيش صلاح الدين كانوا كُرداً، ومن الطبيعي أن يحتفلوا بمناسبة نوروز، ويكتسب هذا العيد أهمّية ربما فاقت أهمّيتها قبل ذلك.
والمهمّ أن تحوّل الكُرد الأيوبيين من اليَزدانية أو من فرعها الأحدث (الأيزدية/اليزيدية) إلى الإسلام لم يتمكّن من القضاء على الرموز الكردستانية العريقة في أعماق الوعي الجمعي الكُردي، إن بعض تلك الرموز أطلّت برؤوسها في العهد الأيوبي، وهذا دليل آخر، يضاف إلى أدلة أخرى كثيرة تؤكّد أن الأيوبيين كُرد أقحاح، وتفنّد مزاعم بعض الكتّاب الذين نسبوا الأسرة الأيوبية إلى الأصل العربي.
الدراسة مقتبسة من كتابنا (تاريخ الكُرد في الحضارة الإسلامية) مع إضافات جديدة
29 – 12 - 2013



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.