Sozdar Mîdî : لماذا يجب حظر الأحزاب الدينية عالمياً؟

2013-12-25

حينما يستعرض المرء تاريخ العالم- قديمه وحديثه- يجد أن الحروب التي اشتعلت لأسباب دينية ومذهبية؛ كانت لا تقلّ بشاعة وسفكاً للدماء وانتهاكاً لحقوق الإنسان من الحروب الاستعمارية والقومية، وها نحن نعيش الآن في الشرق الأوسط فصلاً آخر من فصول الحروب المذهبية بين السُنّة والشيعة المسلمين، وارتكب فيها الفريقان باسم الله- وما زالوا يرتكبون- أكثر الجرائم قبحاً وتوحّشاً ونذالة.

ونعتقد من جانبنا أنه لا يوجد أيّ مبرّر ديني أو منطقي أو حضاري لتأسيس أحزاب دينية في أيّ بلد من بلدان العالم، ونؤكّد أن موضوعنا هو حظر (الأحزاب الدينية)، وليس حظر (الدِّين) في حدّ ذاته، نقول هذا كي لا يسرع المتحزّبون الإسلاميون كعادتهم إلى تنصيب أنفسهم ممثّلين لله وللإسلام، واتخاذ هذ التمثيل سلاحاً لأبلسة كلّ من يعارضهم، تمهيداً للقضاء عليه.
ونبني رؤيتنا بشأن ضرورة حظر الأحزاب الدينية عالمياً على الأسباب التالية:

1 – السبب الحقوقي: الدِّينُ السائد في مجتمعٍ ما هو مُلْكٌ لجميع أتباع ذلك الدين، مهما كانت درجة تمسّكهم بشعائره وضوابطه وطقوسه، ولا يجوز- من وجهة النظر الحقوقية- أن يختطفه بعض أتباع ذلك الدين مهما كانت الأسباب، إنّ اختطافه واحتكاره من قِبل فئة تنتمي إلى ذلك الدين؛ يعني ضمناً أن الله اختار أعضاء هذه الفئة ليكونوا الناطقين الوحيدين باسمه، وأنهم أوصياء على الدين الذي شرّعه، ولا شك في أن ذلك اعتداء صريحاً ومباشراً على حقوق بقيّة أتباع ذلك الدين.
2 – السبب الشرعي: تأسيسُ حزب ديني في مجتمع ما، تحت عنوان (إسلامي) مثلاً، يعني ضمناً وضعَ بقيّة مسلمي ذلك المجتمع في قفص الاتهام شرعاً، والإيحاء بأن إسلامهم منقوص بقدْرٍ ما وبكيفية ما، وهذا يعني ضمناً أنهم إما فاسقون، أو منافقون، أو مفسِدون، أو مغضوبٌ عليهم، أو ضالّون، أو مشركون، أو ملحدون، وتترتّب على كل واحدة من هذه التصنيفات الاتهامية عقوبةٌ شرعية تصل أحياناً إلى درجة القتل.

3 – السبب البنيوي: كلُّ حزب ديني- مهما تظاهر بالاعتدال- يُخفي في بنيته جينات التطرّف، ولنأخذ تنظيم (الإخوان المسلمين) مثلاً، فهو أكثر الأحزاب الدينية انتشاراً في الشرق الأوسط وأقدمها، وقد أسّسه حسن البَنّا عام (1928) على أنه حركة دَعَوية لا سياسية، وجعل شعارَها القرآن في الأعلى، لكنه لم يستطع إخفاء نزعة العنف المتأصّلة في فكره، فجعل القرآن محاطاً بسيفين متقاطعين لا بزهرتين، وكُتبت بين مقبضَي السيفين كلمة "وأعدّوا"، وهذه الكلمة شيفرة جهادية تشير إلى الآية {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ} (سورة الأنفال: آية 60).
إن الجينات الأصولية في حركة (الإخوان المسلمين) المصرية كشّرت عن أنيابها في فكر سيّد قُطب ( أُعدم 1966)، ومنذ السبعينيات دخل خرّيجو ثقافة التكفير حقلَ النشاط الإرهابي، ومن ذلك النشاط مطالبة الأقباط بدفع الجِزية عام 1974، واغتيال الشيخ الذَّهَبي وزير الأوقاف عام 1977، واغتيال الرئيس أنور السادات عام 1981، واغتيال المفكر فَرَج فُودَه عام 1992). وقد أفتى رئيس (تنظيم الجهاد) الشيخ حسين الغزالي بأن فرج فوده (مرتدّ) يجب قتله، وسئل القاتلُ في المحكمة:
- لماذا اغتلتَ فرج فوده؟
- لأنه كافر.
- ومن أيِّ كتبه عرفتَ أنه كافر؟
- لم أقرأ كتبه، أنا لا أقرأ ولا أكتب.
وقام محمد ناجي محمد مصطفى بمحاولة اغتيال الأديب المصري نجيب محفوظ عام (1994)، وذكر أنه لا يقرأ رواياته، وقام بالمحاولة لأن الشيخ عمر عبد الرحمن زعيم الجماعة الإسلامية أباح قتل نجيب محفوظ باعتباره مسيئاً للإسلام، وصرّح أن الجماعة شرّفته بأن كلّفته بتنفيذ حكم الإعدام.
4 – السبب الاجتماعي: كلُّ حزب ديني، وبسبب بنيته الأصولية المتطرفة، يصبحُ مصدرَ تهديد للسلم الاجتماعي، ويعطّلُ تقدّم المجتمع، ويفتح الباب لصراعات متشعّبة (دينية، ومذهبية، وسياسية) تكاد لا تنتهي، وتدمّر المجتمع ثقافياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، ولاحظوا على سبيل المثال ما يجري في أفغانستان والعراق منذ سنوات من اغتيالات وتفجيرات وتدمير، ولا حظوا الآن ما يجري في تونس وليبيا وسوريا ومصر من صراعات شاملة وسفك للدماء، وفقدان للأمن، وتدمير لمنظومات القيم والعلاقات الاجتماعية.
5 – السبب الوطني: الأحزابُ الدينية لا تعتبر الوطن أولوية، وإنما الوطن عندها منصّة انطلاق لتحقيق مشروعها العولمي، وحينما قال مرشد (الإخوان المسلمين) محمد مَهدي عاكف عام (2006)، في حواره مع مجلة (روزا اليوسف) المصرية: "طُز في مصر، وأبو مصر، واللي في مصر"؛ إنما كان يعبّر عن فكره الأصولي. وجدير بالذكر أن المصريين فخورون جداً بانتمائهم الوطني، ويقولون: "مصر أمّ الدينا"، باعتبارها أقدم دولة منذ خمسة آلاف عام، وإذا كان (الحزب الديني) يجعل المصريَّ محمد مَهدي عاكف يستخفّ بالوطنية المصرية وبالمصريين بهذا الأسلوب الرديء، فماذا نتوقّع من بقية أتباع الأحزاب الدينية الأخرى؟
6 – السبب المعرفي: الأحزابُ الدينية، وبسبب تفسيرها الطوباوي للعالَم، ورؤيتِها المتعصّبة، وفكرِها الإقصائي المتخشّب، غيرُ صالحة لإيجاد بيئة تزدهر فيها حرية التفكير، وكيف يمكن للمعرفة أن تتطوّر في غياب حرية التفكير؟ وكيف يمكن للحضارة أن تتأسّس وتثمر في غياب المعرفة؟ ألم يكن الفكر الديني المسيحي المتخشّب سبباً في الحكمَ على الراهب والمفكر الإيطالي جوردانو برونو بالحرق عام (1600 م)؛ لأنه اعتنق نظرية كوبرنيكوس بشأن دوران الأرض حول الشمس؟
7 – السبب العالمي: الأحزابُ الدينية تهدّد السِّلم العالمي بإشعال الحروب الدينية، كتلك التي أشعلها السلاجقة الترك في القرن (11 م)، حينما هدّدوا القسطنطينية عاصمة الأرثوذكسية، وأدّى ذلك إلى اشتعال (الحروب الصليبية) بين الشرق الأوسط المسلم وأوربا المسيحية حوالي 200 عام. وها قد نقل جهاديو تنظيم (القاعدة) نشاطهم الإرهابي من الشرق الأوسط إلى النطاق العالمي، مع أن إمكانياتهم اللوجستية محدودة، فكيف تكون الأمور إذا سيطروا على دولة أو أكثر لها إمكانات لوجستية كبيرة (صواريخ بعيدة المدى، أسلحة كيميائية، أسلحة نووية)؟ هل سيتردّدون في إعلان الحرب الدينية على الشعوب المختلفة معهم؟
إن الأحزاب الدينية وباء فكري فتّاك، وينبغي حظرُها بكل وسيلة، ويجب أن تسنّ هيئة الأمم المتحدة قانوناً يمنع تأسيسها، ويُلزِم بتفكيك الموجود منها، إذ ليس من الحكمة تمكينُها- باسم الديمقراطية- من تخريب المجتمعات وتدمير الأوطان، وأيّة حكمة في إطلاق مجموعة من المتوحّشين المتخلّفين في هذا العالم، يعيثون فيه تخريباً وتدميراً وتقتيلاً، ويتخذون دماء الناس وجثثهم جسراً إلى الجنّة؟
ومن هذا المنظور ينبغي تقييم الأحزاب الدينية في كُردستان أيضاً.
وهذا ما سنبحث فيه مستقبلاً.
ومهما يكن، فلا بدّ من تحرير كُردستان!
26 – 12 – 2013



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.