Dr. Sozdar Mîdî (E. Xelîl) : سلسلة تاريخ إقليم غرب كُردستان- دراسات تاريخية الحلقة ( 13 ) التنافس الحُوري– الأَموري على سوريا

2013-12-09

صراع أقوم الجبال وأقوام الصحارى:
منطقتان اثنتان في غرب آسيا كانتا أكثر عُرضة للصراع بين أقوام الجبال من الشمال وأقوام الصحارى من الجنوب؛ هما ميزوپوتاميا (العراق)، وشرق المتوسط (سوريا، لبنان، فلسطين)؛ والحقيقة أن الصراع لمّا ينتهِ بعدُ، إنه ما يزال مستمرّاً، وها نحن نعيش الآن واحداً من مشاهده المثيرة والخطيرة في غرب كُردستان.

ودائماً كانت الجغرافيا هي الهدف، فمنذ فجر التاريخ كانت منطقتا ميزوپوتاميا وشرقي المتوسط (بلاد الشام) مجالاً حيوياً لأقوام الجبال في الشمال ولأقوام الصحارى في الجنوب؛ أولاً بسبب توافر السهول الزراعية، وثانياً لأن طرق التجارة الرابطة بين آسيا وأوربا كانت تمر بهاتين المنطقتين، فكان (طريق الحرير) القادم من الصين عبر وسط آسيا يمرّ بكُردستان وميزوپوتاميا، وينتهي إلى موانئ سوريا ولبنان وفلسطين. وكان (طريق البخور والتوابل) القادم من اليمن، يمرّ عبر غرب الجزيرة العربية، وينتهي إلى الموانئ نفسها، لذا كان من مصلحة أقوام الجبال وأقوام الصحارى أن يستقرّوا على شرقي المتوسط خاصةً، ويستفيدوا من مواردها.
وجدير بالذكر أن أقوام زاغروس (من أسلاف الكرد) كانوا سبّاقين إلى الانتشار في ميزوپوتاميا والنصف الشمالي من سوريا، وقد بدأ السومريون ذلك السباق حوالي بدايات الألف (4 ق.م) على أقلّ تقدير، ثم تلاهم السُّوباريون، والگُوتيون، والكاشيون، والحوريون. ومنذ أوائل الألف (2 ق.م) انضمّت الأقوام الآرية إلى أقوام زاغروس، واندمجوا معاً، وأنتجوا التكوين الآري- زاغروسي (أصل الأمّة الكُردية)، وأصبحت الريادة والقيادة في أيدي الفرع الآري باعتباره الأقوى، وربما لأنهم استخدموا أسلوباً قتالياً جديداً هو القتال بالفرسان.
أمّا أقوام صحارى شمال الجزيرة العربية- يسّمون (الساميين)- فالأكاديون أوّل من بدأ السباق حوالي القرن (25 ق.م)، ثم تلاهم الكَنعانيون والأَموريون (العَموريون) الغربيون، والأَموريون الشرقيون (البابليون)، والعبران (أصلهم غامض، ولعلهم مزيج سامي- آري بما فيهم الحوريون)، والآشوريون (مزيج سامي- آري زاغروسي)، ثم الآراميون (السريان)، ثم العرب في القرن (7 م).
وكان الصراع الحوري- الأموري على سوريا، في الألف (2 ق.م)، أحد فصول الصراع بين أقوام الجبال وأقوام الصحارى، فماذا عن ذلك؟
الانتشار الحوري في سوريا:
كان السوباريون (من أوائل أسلاف الكُرد بعد السومريين) أقدم مَن استقر في غرب كُردستان، وعندما أقام الحوريون ممالكهم هناك، منذ حوالي (2200 ق.م) إنما كانوا يقيمونها على جزء من أرض سوبارتو الكبرى، ولم يغتصبوها من أيّ شعب آخر بما فيهم الساميون. وكانت الأهداف الجيوسياسية والتجارية سبب إقامة الحوريين في غرب كُردستان، وكان من المهم أن تكون طرق التجارة الحورية سالكة نحو غرب آسيا الصغرى (غرب تركيا حالياً) في الشمال الغربي، حيث تقع الموانئ الرابطة بين آسيا وأوربا، ونحو الجنوب الغربي (سوريا، لبنان، فلسطين) حيث الموانئ الرابطة أيضاً بين شرقي المتوسط وأوربا ومصر.
وعلى ضوء ذلك نفهم أسباب وجود عاصمتَي الحوريتين (أُورْكيش Urkish، ونَوارNawar)، والعاصمة الحوري- ميتانية (واشُوكانّي Washukkanni)، في مناطق روافد نهرَي الخابور والبليخ، وهي المناطق ذاتها التي توجد فيها (قامشلو، وعامودا، وسَرَى كانيه = رأس العين)، وعلى ضوء ذلك أيضاً تتضح أسباب قيام الممالك الحورية خابوراتوم، ومارْدِنام (ماردين)، وأُوشوم (قرب أُورْفَه)، وخاشوم (قرب كَرْكَميش)، وإيلاخوت (بين كَرْكَميش والبحر الأبيض المتوسط)، وبوروندوم (قرب عَينْتاب)( )؛ ممتدةً من نهر دجلة شرقاً إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط غرباً.
ولم يقتصر وجود الحوريين على غرب كُردستان (شمال سوريا وجنوب تركيا)، وإنما انتشروا جنوباً حتى (بلاد مُوكيش) الواصلة إلى البحر الأبيض المتوسط، وكانت عاصمتها (أَلالاخ) تقع على نهر العاصي بين حلب وأنطاكيا( )، واستقرّ حوريون كثيرون في مدينة أُوغاريت (رأس شَمْرا) شمال مدينة اللاذقية على الساحل السوري)( )، واستقرّ حوريون كثيرون في مدينة يَبُوس (أورشليم= القدس)( )، وفي (جبل سَعِير) بوادي عَرَبة قرب خليج العَقَبَة جنوب الأردن( ) (نفصّل ذلك لاحقاً).
الانتشار الكنعاني والأموري في سوريا:
في الوقت الذي كان فيه الحوريون قد هيمنوا على القسم الأكبر من شمال سوريا؛ كان ثمّة شعبان بدويان يقيمان في البادية التي عُرفت بـ (البادية السورية)، وأصلهما غامض، وصنّفهما المؤرخون ضمن الأقوام السامية؛ عُرف الأول بـ (الكَنعانيين)، والثاني بـ (الأَموريين= العَموريين)، وكانت ظروف البيئة السهبية الصحراوية تدفعهما إلى البحث عن جغرافيا تتميّز بالخصب ووفرة الأمطار، وكانت ميزوپوتاميا في الشرق وسهول سوريا في الغرب هي الهدف.

أمّا الكنعانيون فاستقرّوا في غرب سوريا وفي فلسطين بعد سنة (2500 ق.م)( ). وجاء في رواية أخرى أن هجرة الكنعانيين إلى سوريا كانت حوالي سنة (2200 ق.م)( ). وذكر فراس السوّاح "أنّ الكنعانيين لم يتعوّدوا استخدامَ اسم كَنْعان في الإشارة إلى أنفسهم أو أرضهم؛ ذلك أنّ أرض كنعان لم تَعرف عبر تاريخها الوحدةَ السياسية أو السلطة المركزية، من هنا كانت الانتماءات دوماً لدولة المدينة، وانتسبت كلّ فريق إلى مدينته، وتسمّى باسمها"( ).
ومن المؤرخين من يرجّح أن اسم (كنعان) مشتق من صيغة (كَنَعَ) السامية التي تعني (انخفض)، باعتبار أن أراضي بلاد كنعان في سوريا وفلسطين كانت منخفضة عمّا جاورها. لكنّ أحدث الآراء تذكر أن أصل كلمة (كنعان) غير سامي، والاشتقاق الجديد يجعلها حورية الأصل (Knaggi)، بمعنى الصباغ الأَرْجُواني، ومن هذه الصيغة الحورية جاءت الصيغة الأكادية (كِناخي - Kinakhi)، والصيغة الفينيقية (كنع - Kena)، والصيغة العبرية (كنعان) التي تعني (بلاد الأَرْجُوان)( ).

واستقرّ الفينيقيون في الساحل السوري واللبناني، بدءاً من مدينة صُور جنوباً إلى مدينة أُوغاريت في شمال اللاذقية على الساحل السوري، ويعدّهم بعض المؤرخين فرعاً من الكنعانيين على أساس لغوي( ). في حين يقول ول ديورانت بشأنهم: "إن المؤرخ لَيستحي إذا سُئل عن أصلهم، فهو لا يرى بُدّاً من الاعتراف بأنه لا يكاد يَعرف شيئاً من التاريخ الباكر؛ أو التاريخ المتأخَر لهذا الشعب الذي نراه في كل مكان، ولكنه يَفلت منا إذا أردنا أن نمسك به لنَخبِره وندرسه. فلسنا نعرف من أين جاء الفينيقيون؟ أو متى جاءوا؟ ولسنا واثقين من أنهم ساميون"( ).
أما الأَموريون (العَموريون) فشعب بدوي مجهول الهوية، صنّفه المؤرخون ضمن الأقوام السامية، وكان يقيم في البادية التي سُمّيت لاحقاً باسم (بادية الشام)، وظهر في عصر سلالة أُور الثالثة (2112 – 2004 ق.م) السومرية الهوية، وسمّاه السومريون (مار- تو)Martu ، أيْ (الغربيون)، أو الشمال الغربي، باعتبار أن مواطن سكنه (البادية الشامية) تقع غرب ميزوپوتاميا موطن السومريين، والمصطلح المقابل له بالأكادية هو (أَمورّوم) Amurrum( ).
وقد تحرّك الأموريون في هجراتهم على محورين:
1 - محور شرقي: توجّه الأموريون نحو ميزوپوتاميا، وانتهزوا النزاع بين زعماء دولة- مدينة إيسن ودولة مدينة لارْسا من سلالة أُور الثالثة السومرية، وقضوا عليها، وأسّسوا الدولة البابلية الأولى التي دامت بين (1830 – 1580 ق.م)، ومن أبرز ملوكهم حَمُورابي (عَمُّورابي= أمُّورابي Hammurapet)( ).
2 - محور غربي: توجّه الأموريون نحو سوريا، وأسّسوا فيها ممالك صغيرة؛ أبرزها مملكة ماري في الجنوب الشرقي على الفرات قرب (البُوكمال)، وقد انتزعوها من السومريين. ومن ممالكهم الصغيرة في الشمال مملكة يَمْحاض (يَمْحَد= يَمْخَد) وعاصمتُها حلب، إنها كانت أقوى الممالك الأمورية السورية في القرن (18 ق.م)، وكان نفوذهم ينحصر في مناطق سوريا الواقعة غرب نهر الفرات( )، ولم يستطيعوا احتلال المنطقة التي تسمّى الآن (الجزيرة السورية)، والتي كانت مركز الحوريين، وهي تشكّل القسم الشرقي من غرب كُردستان (انظر خريطة الانتشار الأموري في سوريا).
وأطلق البابليون اسم (أًمورو) على سوريا كلها، وأطلقوا على البحر المتوسط اسم (بحرَ أمورو العظيم)، مع العلم أن مناطق شرق الفرات، وخاصةً منطقة الجزيرة السورية (القسم الشرقي من غرب كُردستان) لم تكن جزءاً من سوريا حينذاك( ).

وذكر فِراس السَّوّاح أنه حوالي عام (1990 ق.م) جاء العَموريون (الأموريون) من السهوب السورية، واجتاحوا سومر وأكاد، وأسّسوا الأسرة العَمورية التي اشتهر من ملوكها حَمورابي، وتعرّضت فلسطين لموجة من العَموريين، فقضت بشكل كامل على مدن عصر البرونز المبكِّر، ولم يُقِم العموريون مدناً، ولم يعمّروا المدن المدمَّرة، وإنما عادوا إلى أطراف سوريا، وتابعوا حياتهم البدوية ذات التنظيم القبلي( ).
وكان من الطبيعي والحال هذه أن يحصل تنافس بين الحوريين الجبليين في الشمال وجيرانهم الأَموريين الصحراويين في الجنوب، للسيطرة على الجغرافيا السورية، والوصول إلى موانئ شرقي المتوسط، والوصول إلى ميناء العَقَبَة على البحر الأحمر، والهيمنة على طريق التجارة البرّي (طريق البخور والتوابل) القادم من اليمن، وعلى طريق التجارة البحري عبر البحر الأحمر.
وصحيح أن النفوذ الأَموري وصل إلى حلب شمالاً، لكنه لم يستطع أن يدخل إلى المعقل الحوري أبعد من حلب، وسنجد في دراسة لاحقة أن الحوريين- بقيادة الميتانيين- استعادوا زمام المبادرة، وسيطروا على نصف سوريا الشمالي بأجمعه.
حبّذا إرسال هذه الحلقات إلى السادة ساسة الكُرد في إقليم غرب كُردستان.
8 – 12 - 2013
المراجع:



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.