محمود خليل : اجراس الحرية -1-

2013-11-02

الشرق الأوسط والتي تستطيع تسميته بمعنى من المعاني الشرق الأكثر مرضاً في العالم, انه مصدر للآلام والأرض الخصبة لعذابات الناس.

في هذا الشرق: الناس تعيش أزمات ثقافية عميقة, بحيث يتراءى للمرء وكأنه يعيش قبل ألف عام حيث الأساطير والدين والمفاهيم القومية والقبلية والعلمانية والديمقراطية والشيوعية والاشتراكية, تختلط بعضها بالبعض وتتعايش في حالة تصادم وتناحر, تزهق أرواح البشر دون أي مبرر.
إن الفلسفة السائدة اليوم في الشرق الأوسط في عمومها بعيدة جداً عن كونها عاملاً لتحرر الإنسان الشرقي من العبودية وأن يكون عوناً له أن يسلك المسار الصحيح للحياة.
في الشرق الناس تتصارع من أجل المفاهيم أكثر مما تتصارع من أجل الحصول على الحرية والديمقراطية, والسبب الأساسي وراء تفاقم الأمور ووصولها إلى حدود اللاحل واللامعقول هو الجهل والذهنية العاطفية الطاغية المسيطرة رغم انتشار مظاهر المدنية والفلسفة السطحية التي تبحث أحيانا عن أنصاف الحلول ولا تخرج من كونها داعما لترسيخ التخلف والجهل, فالشرق تنام على قشرة رقيقة من المدنية الهشة هنا وهناك, هذا الماكياج وهذا المتخيل سرعان ما تنهار وتتصدع أمام اقل درجات «ريختر» للأزمات كما رأينا في العراق ونراه الآن في سوريا ومصر وغيرها.
إن الشرق وجميع مكوناته الأثنية والدينية لا تزال تستمد وتتغذى من الماضي دون تغير جذري بحيث تواكب و تلائم المرحلة لذلك تعيش حالة اغترابية شديدة وبالتالي ما زالت بعيدة عن إيجاد السبيل الصحيح لتدخل عصر الحرية العيش بأمان وسلام.
نحن أمام كم هائل من التراكم المذهل من تشابك الماضي الثقافي مع قشور الحضارة وخاصة استخدام المنتجات الجاهزة من الحضارة الرأسمالية.
إن استغلال الإنسان للإنسان يعود تاريخه إلى عمق التاريخ, في البداية عندما سيطر الرجل الذكوري على الأم الكونية الكبرى وبعدها بدأ -الرجل- يتزعم البطون البشرية بشتى الألاعيب والحيل كان ذلك بداية استغلال الإنسان للإنسان.
من خلال البحث والتقصي وعبر السبر في جميع مراحل التاريخ التي مرت البشرية فيها لاقت نوعين من الاستغلال.
- استغلال ناتج عن استعمال القوة والسيطرة المباشرة كحالة أسرى الحروب وبالتالي ظهور العبيد والمماليك والمساجين وكذلك الجيوش الإلزامية و أفراد الأسرة «البطريركية» المدعومة والمشرعة وفق الثقافة السائدة آنذاك.
- النوع الآخر من الاستغلال هو استغلال ناتج عن استعمال المكر والحيلة من خلال الميثولوجيا «الأساطير والخرافات» والدين و حديثا الفلسفة ويتجلى هذا الاستغلال قديما في ظهور المصلحين والأنبياء والديانات وفي العصر الحديث الفلسفة الشمولية كالشيوعية والاشتراكية ومجموع التيارات القومية والدينية السياسية وحديثاً البراديغما المرافق و(المشرع) للرأسمالية العالمية المتمثل في الثالوث الممغنط للشبيبة «الفن والرياضة والثقافة» والليبرالية والعلمية وكافة الفلسفات التي تدافع أو بالأحرى تشرعن عملية الاستغلال بحيث يجعل الفرد عبارة عن مادة حية منتجة مسحوب الإرادة, فردا ًمطاوعاً أليفاً, تستطيع أن تنعته بالعبد المعاصر وهذا النوع من الاستغلال يحمل ميزة وهي مشاركة المستغل مع المستَغل في عملية الاستغلال, الأول يمارس الحيلة والآخر يتصف بالجهل والتخلف, يشاركه ويمكنه من الاستغلال ويخلق له الأرضية المناسبة لصعوده نحو الدكتاتورية والتسلط المفرط .
إن المفاهيم الدينية والقومية والمذهبية والفلسفة الشمولية جميعها أصبحت وبالاً وكابحاً أمام تحرر الإنسان في المجتمعات الشرق أوسطية, ومن خلال هذه المفاهيم يستغل الإنسان الفرد أكثر من أي وقت مضى.
عاش الشرق الأوسط طوال مائة عام حالة أشباه دول «دول قومية» لم تستطع تخطي الماضي- فلم تكن تريد ذلك - لأن الفكر القومي في طبيعته مبني على الاستغلال من خلال أرباب السلطات المهيمنة على هرم الدولة وليس لديها أي مشروع أو برنامج تحرري للمجتمع وبالتالي جعلت هذه الدول حاضناً وحافظاً لجميع حمولات الماضي واستغلتها أشد الاستغلال لخدمة مصالحها الفئوية الجشعة عبر مبرراتها التسلطية واستغلال كدح أفرادها «قومها» باستثمارها التناقضات المجتمعية – الدينية- المذهبية- الطائفية- القومية.

بقلم : محمود خليل



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.