Dr. Sozdar Mîdî : الهويّة السوريّة: عربية أم مستعرَبة؟ (دراسة تاريخية) الحلقة (8) جغرافيا إقليم غرب كُردستان في عمق التاريخ

2013-10-20

حينما تسقط الخرافة:
حينما يمتلك الكُرد سلطتهم الحقيقية في وطنهم، ويقومون بالحفريات في التلال والخرائب القديمة، وتنشط الدراسات الأركيولوجية في مؤسسات البحث العلمي الكُردستانية، ستظهر حقائق مغيَّبة مُذهِلة، وستسقط الخرافات التي دُسّت في تاريخ الشرق الأوسط، وصُوّرت على أنها حقائق مقدّسة لا يجوز المَساس بها.

وفي إطار ذهنية الخرافة والاختلاق والتحريف والتغييب، أُشيع أنه لا وجود للكُرد في دولة سوريا. ثم قيل تحت ضغط الواقع: نعم الكُرد موجودون في سوريا، لكنهم قلّة ومهاجرون جاؤوا من وراء الحدود. ولمّا تبيّن للقاصي والداني أن الكُرد ليسوا قلّة، قيل: وجود الكُرد في سوريا يعود فقط إلى العهد الأيّوبي في القرن (6 هـ = 13 م)، حينما جلب السلطان صلاح الدين قبائلَ كُردية لمحاربة الفرنج (الصليبيين)،أمّا قبل ذلك فلم يكون للكُرد وجود في هذه المنطقة.
وما قيل بشأن الكُرد وصلاح الدين هو نصف الحقيقة، أما النصف الآخر المغيَّب، فهو أن الوجود الكُردي في شرقي البحر الأبيض المتوسط عامّة، وفي إقليم غرب كُردستان خاصّة، يعود إلى العهد الحُوري، وإن التاريخ الحُوري هو المدخل الصائب لمعرفة تاريخ إقليم غرب كُردستان. وقبل ذلك دعونا نبحث في جغرافيا (غرب كُردستان)، تُرى ماذا تعني؟ وهل لها وجود في عمق التاريخ؟
مصطلح إقليم غرب كُردستان:
إقليم غرب كُردستان هو الجغرافيا الكُردية التي ضُمّت إلى دولة سوريا منذ عام (1921)، بموجب اتفاقية فرنسية- تركية، وكان ذلك من إفرازات اتفاقية سايكس- پيكو المعقودة بين إنكلترا وفرنسا عم (1916). ويقع إقليم غرب كُردستان في شمال سوريا المتاخم لدولة تركيا، ويمتد من (عين دِيوار) شرقاً إلى منطقة (عَفرين) المتاخمة للواء إسكندرون غرباً. وبسبب ظروف الاحتلال، لا توجد إحصاءات دقيقة لمساحة الإقليم ولعدد السكان، وتقدَّر مساحته بحوالي (18000) ثمانية عشر ألف كيلو متر مربع، ويُقدّر عدد سكانه بحوالي مليونين ونصف نسمة، وجدير بالذكر أن المناطق الكُردية تمتد عبر (لواء إسكندرون)، وتصل إلى ساحل البحر المتوسط.
وأبرز مدن الإقليم من الشرق إلى الغرب هي: دَيريك، ورميلان، وتِرْبَه سِبِيَه، وقامشلو، وعامودا، وحَسَكة، وسَرَى كانِيَه، وكُوباني، وعَفرين. ويتفاوت عرض الإقليم من حيث الضيق والاتساع، فيصل إلى جنوب مدينة الحَسَكة في الجزيرة، ويقترب من الضواحي الشمالية لمدينة حلب، وينحسر تارة ليقارب الحدود السورية- التركية، ويتألّف ديموغرافياً من أغلبية كُردية، ويقيم فيه السريان والآشوريون والأرمن والعرب أيضاً، وسنتناول وجود هذه الشعوب في الإقليم لاحقاً.
(انظر الشكل 1- إقليم غرب كردستان- إعداد مركز ياسا الكُردي للدراسات والاستشارات القانونية- بون- ألمانيا).

(الشكل 1)
وإقليم غرب كُردستان امتداد جغرافي وديموغرافي وثقافي لشمال كُردستان، فمنطقة ديريك امتداد لمنطقة بُوتان، ومنطقة قامشلو امتداد لمنطقة نِصيبين، ومنطقة سَرَى كانِيَه (رأس العين) امتداد لمنطقة ماردين، ومنطقة كُوباني (عين العرب) امتداد لمنطقة أُورْفَه (رُها)، والمناطق الكُردية في أقضية الباب وأَعْزاز وعَفرين امتداد لمنطقة كِلِّس التابعة لـ (عَينتاب)، وفي الغالب ينتمي الكُرد على طرفي الحدود إلى عشائر مشتركة، ويظهر ذلك في اللهجات التي يتكلّمون بها على طرفي الحدود السورية- التركية، وفي الأزياء التي يلبسونها. (انظر الشكل 2)

(الشكل 2- كُردستان الكبرى)
وينقسم إقليم غرب كُردستان جغرافياً إلى قسمين رئيسيين:
1 - القسم الواقع شرق نهر الفرات (يسمّى الجزيرة).
2 - القسم الواقع غرب نهر الفرات، والواصل إلى البحر المتوسط.
وقد مرّ في دراسة لنا سابقة أن اسم (سوريا) كان يُطلق منذ القرن (5 ق.م) على المنطقة الواقعة بين نهر الفرات والساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط من شمال سوريا الحالية، ثم أطلق الرومان هذا الاسم على المناطق الممتدة من كيليكيا شمالاً إلى جنوب فلسطين، ولم يكن لمنطقة الجزيرة الواقعة شرق نهر الفرات أية علاقة بهذه التسمية( ).
غرب كُردستان = غرب سوبارتو:
الحقيقة أن تاريخ إقليم كُردستان لا يبدأ مع القرن ( 5 ق.م)، ومع اسم (سوريا)، إن تاريخه أقدم من ذلك بكثير، وثمّة معلومات عديدة تفيد أن المنطقة الشرقية من إقليم غرب كُردستان (الجزيرة) كان يشكّل القسمَ الغربي من جغرافيا (سُوبارتو)، وجدير بالذكر أن اسم (سوبارتو) كان يشمل جغرافياً أغلب مناطق كُردستان الحالية، وقد ورد اسم (سوبير) أو (سوبار) SU. BIR, SU. BAR في كتابات ملك مدينة لگش السومري المدعو (إي أَناتُم - حكم حوالي 2470 – 2430 ق.م)، ولعل اسم السوباريين ما زال باقياً في اسم قبيلة زِيباري (سِيباري= سوباري) الكُردية الكبيرة والمقيمة في الجغرافيا العريقة للسوباريين الأوائل.
وفي عهد الملك الأكادي سَرْجُون الأول (شاروگين- حكم بين 2350 – 2294 ق.م) كان اسم (سُوبير) يشمل البلاد العليا (مناطق كُردستان الجنوبية والوسطى والغربية)، ويصل عبر شمال سوريا إلى مدينة أَلالاخ (تسمّى حالياً: تل عَطشانة)، وتقع أَلالاخ في شمال غرب سوريا بين أنطاكيا وحلب، وتحديداً على نهر العاصي في منطقة (عَمْق) التي هي امتداد لجنوب منخفَض (جُومَه) Cûme في منطقة عَفرين الكُردية. وكان اسم (سوبارتو= سوبير) يشمل مناطقَ الفرات العليا، ووديان نهر مراد صُو، ودياربكر، ودوّنها الملك البابلي حمورابي (1792 – 1750 ق.م) بصيغة ماتُوم إليتُوم matum elitum (البلاد العليا) ( ). (انظر الشكل 3).
وجدير بالملاحظة أن معظم أسماء الأماكن الواردة في الخريطة التالية، مثل (بادية الشام، جبال العلويين، جبل الدُّروز) لم تكن موجود حينذاك، وهذا نموذج من أساليب تغييب الأسماء السورية الأصلية القديمة في المراجع التاريخية الحديثة، وإحلال الأسماء العربية محلَّها، للإيهام بأن هذه الأماكن كانت عربية منذ الأزل.

(الشكل 3- سوريا في الألف 3 ق.م)
والسوباريون (السوبارتيين) هم من أقوام جبال زاغروس، وهم أقدم أسلاف الكُرد، ويقول الدكتور محمد بَيّومي مهران في هذا الشأن: " ويرجّح البعض أن السومريين نزلوا في هذه النواحي قبل الساميين الغربيين [ المقصود: أكادي- أموري- آشوري]، وجعلوا منها مراكز لحضارتهم الشمالية"( ).
وثمة أكثر من مؤرخ يرى أن السومريين جاؤوا في الأصل من جغرافيا سوبارتو، يقول الدكتور سامي سعيد الأسعد: " أسماءُ كثير من المدن السومرية لم تكن بأسماء سومرية، بل سوبارية (الفراتيون الأوائل)، أمثال مدن: أُور، أَرِيدو، أُورُوك، سِپار، لارْسا، لَگش، وما إلى ذلك، وإذا ما تصفّحنا الكثير من الكلمات السومرية نرى أن منها ما قد يكون كلمات سوبارية"( ).
وهذ يعزّز ما ذكرنا في دراسات سابقة بشأن أن السومريين هم في الأصل فرع من أسلاف الكُرد الزاغروسيين، انحدروا من جبال زاغروس في أواخر العصر الحجري الحديث إلى المناطق السهلية في سوبارتو، وخاصة المناطق الواقعة بين نهري الزاب الأسفل والزاب الأعلى، ثم انحدروا بعد ذلك إلى جنوب ميزوپوتاميا، وأقاموا هناك الحضارة وأسّسوا دول- المدن، وعُرفوا باسم (السومريين).
وثمّة أدلة كثيرة على أن الآشوريين دخلوا بلاد سوبارتو منذ حوالي عام (2000 ق.م)، وعاشوا في ظل الحكم السوبارتي، ثم تغلّبوا على السكان الأصليين، وسيطروا على البلاد، وأسّسوا فيها مملكة آشور، فعُرفت تلك المنطقة بعدئذ باسم (بلاد آشور)، وقد ذكر هاري ساغز أن سرجون الأول الأكادي (حكم بين 2350 – 2294 ق.م) هاجم منطقة تدعى سوبارتو، وكان هذا الاسم يُطلَق على الأراضي الشمالية في شرق سوريا، وكان الجزء الأوسط منها يدعى (آشور)، وكان هذا الجزء على هيئة مثلّث، ويقع بين نهر دجلة ونهر الزاب الأعلى ونهر الزاب الأسفل( ).
ويقول الدكتور عامر سليمان، والأستاذ أحمد مالك الفِتيان: " لم يكن اسم آشور معروفاً في القسم الشمالي من العراق قبل الألف الثالث قبل الميلاد، بل كان يُطلَق على السكان القاطنين في المنطقة اسم (سوباريين)، بينما أُطلق على البلاد اسمُ (سوبارتو)، وعند مجيء الآشوريين إلى المنطقة غَلَب اسمُ الآشوريين وبلاد آشور، وانصهر السوباريون مع الآشوريين، بينما نزح البعض منهم إلى المناطق الجبلية"( ). (انظر الشكل 4).

(الشكل 4- بلاد آشور قبل عهد الإمبراطورية)
والخلاصة أن القسم الأكبر من إقليم غرب كُردستان، ولا سيّما النصف الشرقي منه (منطقة الجزيرة)، منذ ما قبل الميلاد بلا أقل من 25 قرناً، كان امتداداً جغرافياً وديموغرافياً وثقافياً لبلاد أسلاف الكُرد الزاغروسيين، والتي كانت حينذاك تحمل اسم (سوبارتو)، وإن (غرب كُردستان) هو في الحقيقة (غرب سوبارتو). (انظر الشكل 5).

(الشكل 5)
وسنستعرض لاحقاً معلومات تاريخية موثّقة، تؤكّد الهوية الكُردية لإقليم غرب كُردستان، وتؤكد الترابط الوثيق بينه وبين أجزاء كُردستان المتاخمة له.
حبّذا إرسال هذه الحلقات إلى السادة ساسة الكُرد في إقليم غرب كُردستان.
21 – 10 - 2013



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.