Dr. Sozdar Mîdî : الهويّة السوريّة: عربية أم مستعرَبة؟ (دراسة تاريخية) الحلقة (3) هل ثمّة علاقة لاسم (سوريا) بالسُّريان والآشوريين؟

2013-09-18

في الحلقة السابقة توصّلنا بشأن اسم (سوريا) إلى ثلاثة محاور رئيسة: 

- سوريا اسم لشمالي سوريا الحالية وصولاً إلى الأناضول.
- اسم (سوريا) مستمدّ من اسم الآشوريين (آشور= آسور).
- اسم سوريا مستمدّ من اسم السُّريان (الآراميين).
ودعونا نناقش كل محور على حِدة، بدءاً من آخرها.
السُّريان واسم (سوريا):
الحديث عن الآراميين متشعّب جداً، وليس هنا مجال التوسّع فيه، وإنما نبدأ بالأصل الآرامي الغامض، فيقول خَزْعَل الماجدي: " لا أحد يستطيع، على وجه الدقّة، أن يؤكّد لنا أصل الآراميين، ومن أين جاؤوا؟ وذلك بسبب الغموض الشديد الذي يحيط بدايةَ ظهورهم في التاريخ" [خَزْعَل الماجدي: المعتقدات الآرامية، ص 14]. 
وذكر الدكتور أحمد ارحيّم هُبّو بشأن الآراميين، وهو مؤرخ ومختص في اللغة السريانية، أن الآشوريين سمّوا الآراميين (أَخْلامو/أَحْلامو)  Akhlamu، وأنهم عُرفوا بهذا الاسم في النصوص المصرية، ثم حملوا بعدئذ اسم (آرامي) نسبةً إلى إحدى قبائلهم (أرامو)، ومالوا إلى حياة الاستقرار بدءاً من القرن (11 ق.م)، بعد زوال دولة الميتانيين ودولة الحثّيين [أحمد ارحَيِّم هُبُّو: تاريخ الشرق القديم (سوريا)، ص 106]. 
ويقول د. عبد الحميد زايد: " يبدو أن بداية تاريخ الآراميين غامضة جداً، ففي أيّ عصر استطاع هؤلاء أن يدخلوا في أقطار الهلال الخصيب؟ ومن أيّ مكان وَفَدوا؟ لا نستطيع أن نضع القارئ الكريم أمام إجابة واضحة وصريحة عن هذين السؤالين؛ إذ لا نملك حتى ولا أيَّ أسطورة عن أصل هذه الجماعة" [د. عبد الحميد زايد: الشرق الخالد، ص 342]. وأضاف أن "الآراميين كانوا من صُلب الأحلامو"، ثم فرضوا اسمهم على العنصر الأحلامي، "ومُحي الاسمُ الأول تاركاً مكانه للاسم الثاني وهو (الآرامي)". [د. عبد الحميد زايد: الشرق الخالد، ص 345].
وكغيره من الباحثين، ولحلّ إشكالية غموض أصل الآراميين، لجأ د. عبد الحميد زايد إلى أسلوب الفرضية، فقال: "يمكننا من جانب آخر أن نفترض أنهم اتخذوا صحراء سورية العربية سكناً لهم في الحقبة الأولى لتاريخهم"[عبد الحميد زايد: الشرق الخالد، ص 342].
إذاً فالآراميون شعب غامض الهويّة، ولم يكونوا في الأصل من سكان شمالي سوريا  (Su - Ri)، ولم يكونوا سوريين وفقاً للدلالة الأصلية لاسم (سوريا)، وإنما خرجوا من البادية التي عُرفت بعد قرون بـ (البادية السورية)، واحتلّوا بلاد حُوري/ميتاني (أسلاف الكُرد)، بعد أن قضى الآشوريون والحثيون على مملكة ميتاني، وذكر المؤرخ البريطاني أرنولد تُوينْبي أنه بين عامي (1250 – 950 ق.م) استقر الآراميون في منطقة ميتّاني، بين نهري دجلة والفرات [أرنولد توينبي: تاريخ البشرية، 1/196]. والحقيقة أن غزو الآراميين لبلاد ميتاني الحورية، وإقامة بعض الممالك هناك، أمر متّفَق عليه بين المؤرخين [انظر: د. عبد الحميد زايد: الشرق الخالد، ص 335، 346. د. أحمد ارحَيِّم هُبُّو: تاريخ الشرق القديم (سوريا)، ص 106].
وبعد أن احتلّ الآراميون بلاد حوري (ميتاني) بين دجلة والفرات (الجزيرة حالياً)، غزوا شمالي سوريا حتى كيليكيا، وغزوا الداخلَ السوري غربي نهر الفرات، وصولاً إلى دمشق جنوباً. وقد سمّاهم اليونان ثم الرومان باسم (سُريان= سوريان)، نسبة إلى استيطانهم في (سوريا)، ثم شاع الاسم عليهم بعد أن اعتنقوا المسيحية، وحلّ اسم (سُرياني) محل اسم (آرامي) [انظر عزّ الدين المَناصرة: الهُويّات والتعدّديات اللغوية، ص 88]. وبتعبير آخر: إن اسم (سوريا) أقدم من استيطان الآراميين في بلاد ميتاني (Su - Ri)، ولم يُستمَدّ اسم (سوريا) من اسم (سُريان)، وإنما اسم (سُريان) مستمَدّ من اسم (سوريا) بعد أن استوطنوها وأقاموا فيها الممالك.
الآشوريون واسم (سوريا):
ورد اسم آشور في المصادر بصيغة (أسهور، وأسشور، وأسور، آثور، وآتور، وآزور). [هاري ساغز: عَظَمة آشور، ص 11. د. عبد الحميد زايد: الشرق الخالد، ص 434]. وآشور (أسور) هو اسم الإله القومي للآشوريين وكبير آلهتهم حتى نهاية إمبراطوريتهم، وكانوا ينطقون اسمه بسين مشدّدة  Assur، وكان إلهاً محلّياً، أُطلِق اسمه على العاصمة الدينية مدينة (آشور) [د. عبد الحميد زايد: الشرق الخالد، ص 148].
وثمّة من يرجّح أن الآشوريين فرع من الأكّاديين أو الآموريين (البابليين) [د. محمد بَيُّومي مهران: تاريخ العراق القديم، ص 324]، لكن لكثير من كبار المؤرخين رأي آخر، ومنهم هاري ساغز، فقد ذكر أن قبائل الآشوريين ما كانت تنحدر من أب واحد [هاري ساغز: عظمة آشور، ص 170]، وأضاف قائلاً: " كان الآشوريون شعباً هجيناً، وهم يعرفون ذلك،... ومنذ أقدم الأزمنة كان لديهم تاريخ عنصري [= إثني] خليط، ... وهذا مذكور مراراً في النقوش الملكية". [هاري ساغز: عظمة آشور، ص 173]. 
الآشوريون لأشخاصهم أنهم كانوا يشكّلون خليطاً من البؤر البشرية المحلّية في بلاد ما بين النهرين، ومن البؤر البشرية التي تعود بأصولها إلى الأرض الأرمينية" [د. توفيق سليمان: دراسات في حضارات غرب آسية القديمة، ص 161]، والمقصود بـ (الأرض الأرمينية) بلاد شعب (حوري) وورثته شعب (خَلْدي/أُورارتي)؛ أي أن الآشوريين مزيج من إثنيات ساميّة (قد تكون آمورية أو أكادية) وسوبارتية وحورية.
وجدير بالذكر أنه لم يكن يوجد في غرب آسيا شعب أرمني حينما ظهر الآشوريون كقوة إقليمية في القرن (18 ق.م)، وقد ذكر هيرودوت أن الأرمن شعب هندو أوربي (آري غربي)، غادروا البلقان في القرن (12 ق.م) إلى آسيا الصغرى عبر البوسفور والدَّردنيل، ثم توغّلوا شرقاً على مراحل، حتى وصلوا إلى أرارات (آغِري داغ) في أواخر القرن (7 ق.م)، ووصلوا إلى أرمينيا بُعيد زوال دولة أورارتو (خَلْدي) [مروان المدوَّر: الأرمن عبر التاريخ، ص 102]. ويضيف مروان المدوَّر: " في الواقع لم تكن أرمينيا تُعرَف بهذا الاسم، ... إذ لم يتشكّل اسم أرمينيا كما نعرفه اليوم إلا اعتباراً من أعوام (550 – 521 ق. م)" مروان المدوَّر، الأرمن عبر التاريخ، ص 82 ، هامش (2)]. 
ولنعد إلى تتبّع أصل الآشوريين، يقول جين بوترو وزملاؤه: "إن مصطلح سوبارتو Subartu هو المصطلح الذي ورد في المصادر البابلية للدلالة على منطقة بلاد آشور، وقد استُخدم للدلالة على كلّ من السكان الساميين (أي الآشوريين) وغير الساميين هناك". [جين بوترو وآخرون: الشرق الأدنى، ص 188].
ويفيد د. عبد الحميد زايد أن اسم (سوبارتو) كان يُطلَق على المنطقة الممتدة من دجلة إلى جبال زاغروس، وأن السوبارتيين شعب جبلي غير ساميّ، كوّن مملكةً في الشمال، كانت تشتمل على المنطقة التي عُرفت بعدئذ باسم (بلاد آشور، ثم بدأ الآشوريون أنفسهم بتأسيس مملكة قوية هناك [د. عبد الحميد زايد: الشرق الخالد، ص 81]. ويقول باحث آخر: "نعتقد أن الحوريين هم الذين أعطوا الآشوريين تلك الملامحَ التي كانت تميّزهم عن الساميين في الجنوب" [إبراهيم الفني: التوراة، ص 101].
والحقيقة أن القوم الذي عُرفوا باسم (سوبارتي) هم أنفسهم الذين عُرفوا بعدئذ باسم (حوري= هوري)، بل كان اسم (سوبارتي) يشمل أحياناً جميع أسلاف الكُرد الزاغروسيين (گوتي، لوللوبي، حوري)، وقد غزا الآشوريون مركز بلاد سوبارتو (مثلث دجلة والزاب الأعلى والزاب الأسفل) واستوطنوها، وأقاموا فيها مملكتهم، بعد أن اندمجوا مع شعب سوبارتي الأصلي، ولذلك كان د. جمال رشيد أحمد محقّاً حينما ذكر أن الآشوريين انحدروا عِرقياً من الحوريين أو الگوتيين أو اللولوبيين [د. جمال رشيد أحمد: ظهور الكُرد في التاريخ، 1/31. وانظر محمد بَيّومي مهران: تاريخ العراق القديم، ص 344]. 
وبتعبير آخر: الآشوريون مزيج إثني ساميّ زاغروسي آري، غلبت عليهم الثقافة الأكّادية البابلية السامية، باعتبارها كانت الثقافة السائدة في بلاد النهرين، ولم يكن الإله آشور (آسور) غريباً عن إله الشمس الآري (سورياش= سوريا= سورا= آسور= آهورا)، إنه جسّد بعض خصائص هذا الإله الآري، ودُمجت في منظومته الميثولوجية بُنًى من ميثولوجيا الإله السومري (إنليل)، وميثولوجيا الإله البابلي (مَرْدُوخ = مَرْدُوك)[هاري ساغز: عظمة آشور، ص 298].
لذا، ثمة احتمال أن يكون اسم (سوريا) على صلة بالإله (آشور= آسّور)، لكن ليس ضمن الميثولوجيا السامية (الصحراوية)، وإنما ضمن ميثولوجيا إله الشمس الآري العريقة في تراث الآريين بما فيهم أسلاف الكُرد. 
وهذا هو موضوعنا في الحلقة التالية.
17 – 9 - 2013
 


ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.