Dr. Sozdar Mîdî : الهويّة السوريّة: عربية أم مستعرَبة؟ (دراسة تاريخية) الحلقة (2) ما حقيقة اسم (سوريا) في المصادر التاريخية؟

2013-09-13

 تناولنا في الحلقة السابقة هويّةَ سوريا جغرافياً وديموغرافياً، واتضح بالأدلة أن سوريا الأصلية (سوريا قبل التعريب) كانت- جغرافياً وديموغرافياً- على صلة وثيقة بالحوريين/الميتانيين وبالميديين (من أبرز أسلاف الكرد). 

والآن، ماذا جاء بشأن اسم (سوريا) في المصادر التاريخية؟ وهل لاسم (سوريا) علاقة بأسلاف الكُرد؟ دعونا نبحث عن ذلك معاً في عمق التاريخ.
ماذا عن اسم (سوريا) في المصادر؟  
قبل هيمنة اليونان ثم الرومان على شرقي البحر الأبيض المتوسط، كان كل مَن يسيطر على تلك المنطقة يطلق عليها اسماً بلغته، وعلى سبيل المثال كان المصريون يطلقون اسم (نَهارِين) "على المنطقة من حوض نهر العاصي إلى الفرات، وليس على المنطقة بين دجلة والفرات"، وهذا الاسم محرَّف من الاسم السامي (الكنعاني العبراني) "نَهاريم" أيْ (الأنهار) [ جورج رو: العراق القديم، ص 612، هامش 3]. وجاء في الوثائق المصرية أيضاً أنه كان يُطلَق على فلسطين وسوريا اسمُ "بلاد ريتينو". [فراس السوّاح: الحدث التوراتي والشرق الأدنى القديم، ص 47].   
وحينما غزا الملك الكلداني (البابلي) نَبُوخَذ نَصّر الثاني سوريا، حوالي عام (604 ق.م)، سمّاها (بلاد خاتّي) Mát Hatti، [هديب غزالة: الدولة البابلية الحديثة، ص 71]. وبما أن الحثيين كانوا يهيمنون في فترات مختلفة على منطقة شمالي سوريا الواقعة غربي نهر الفرات، فالأرجح أن لهذا الاسم علاقة بالحثيين Hittite، وحينما احتلّها الفرس عام (546 ق.م) سمّوها مَرْزَبانية عَبْر نهرا (= عبر نهر الفرات) [إبراهيم الفني: التوراة، ص 298]؛ وهذا يعني أن حدود سوريا شرقاً في القرن (6 ق.م) كان ينتهي عند شاطئ نهر الفرات، ولم تكن منطقة ميتاني الحورية بين دجلة والفرات (الجزيرة) جزءاً من دولة سوريا الحالية.
وذكر وليام لانجر أن اليونان اقتبسوا اسم (سوريا) من اسم (آسور = آشور)، وكان يُطلَق على مناطق شمالي سوريا المحتلة من قِبل الدولة الآشورية، ثم أطلقه اليونان على جميع سوريا من باب إطلاق اسم الجزء على الكل. [وليام لانجر: موسوعة تاريخ العالم، 1/78]، وجدير بالذكر أن منطقة (شمالي سوريا) التي احتلّها الآشوريون بدءاً من حوال منتصف القرن (13 ق.م)؛ لم تكن سوى مملكة ميتاني الحورية التي مر ذكرها قبل قليل [انظر جرنوت فيلهلم: الحوريون، ص 79. د. عبد الحميد زايد: الشرق الخالد، ص 82. توفيق]. 
وذكر د. سيّد القِمني أن هيرودوت (توفّي حوالي 425 ق. م، وهو من سكان آسيا الصغرى)  كان يعبّر بكلمة السوريين عن البدو الآسيويين. والحقيقة أن اسم (البدو الآسيويين) كان يُطلَق قديماً على القبائل الآرية التي وصلت إلى غربي آسيا منذ حوالي (2000) سنة قبل الميلاد، واندمجت في شعوب زاغروس والأناضول وشرقي المتوسط، وكان أسلاف الكرد (كاشو، وحوري/ميتاني، وخَلْدي/أُورارتي، وميدي) من نتاج ذلك الاندماج. [د. سيّد القمني: النبي موسى وأيام تل العَمارنة، 2/361].
ويقول د. عبد الحميد زايد: " واسم (سوريا) يوناني الأصل، وفي أوائل القرن (14 ق.م) ظهر في آداب أوغاريت بصيغة (شرَين) Shryn، وفي العبرية أُطلق على لبنان الشرقي اسم (سيريوس) Syrus، وعُرفت إحدى المناطق الواقعة شمالي الفرات باسم (Su - Ri)". [د. عبد الحميد زايد: الشرق الخالد، ص 235]. 
وذكر د. عبد الحميد زايد أيضاً أن اسم سيروس Syrus (سوري) هو روماني، ومعناه الشخص الذي يتكلم السريانية (الآرامية)، وكانت ولاية سورية الرومانية تمتد من الفرات إلى مصر. [د. عبد الحميد زايد: الشرق الخالد، ص 235].
ويتفق المؤرخون الذي بحثوا في تاريخ سوريا على أن اسم (سوريا) ورد لأول مرة في كتابات المؤرخ الإغريقي هيرودوت، وأنه هو القائل: "كان الإغريق يسمّون الكبادوكيين بالسوريين، وقد عرفنا من أمرهم أنهم كانوا يخضعون للميديين قبل اتّساع إمبراطورية الفرس". [هيرودوت: تاريخ هيرودوت، ص 62]. وذكر جورج مرعي حدّاد أن الفرس كانوا يطلقون على أهل كبادوكيا اسم (السوريون البيض) [جورج مرعي حدّاد: فتح العرب للشام، ص 6].
وذكر إ. م دياكونوف أن الآشوريين أجبروا الميديين على الاستيطان في سوريا، وكانت سوريا تسمّى بسوريا الميدية (سورميد). [إ. م. دياكونوف: ميديا، ص 192.]. وأضاف أنه في عام (700 ق.م) أفرغ الآشوريون غربي البلاد التي سُمّيت ميديا فيما بعد من مواطنيها الأصليين، وأسكنوا فيها مواطنين من سكان سوريا وفلسطين وبابل، وكانت اللغة المشتركة في هذا القسم من الإمبراطورية الآشورية هي الآرامية، " وفيما بعد سمّيت هذه المنطقة بسوريا – الميدية، وبمعنى أصحّ (سورميد) أي آشور الميدية" [إ. م. دياكونوف: ميديا، ص 215].
خلاصة ونتائج:
هذه أهم المعلومات التي وردت في المصادر بشأن اسم (سوريا)، وهي توصلنا إلى النتائج التالية:
1 – لا علاقة مطلقاً لاسم (سوريا) بالعرب والعروبة، ولا يوجد في معاجم اللغة العربية معنى لكلمة (سوريا) بهذه الصيغة الأصلية، ولا بالصيغة المعرَّبة (سورية).
2 – كان اسم (سوريا) يُطلَق على شمالي سوريا الحالية والمناطق المتاخمة لها في تركيا شمالاً، وصولاً إلى كبدوكيا (في وسط تركيا حالياً)، ولا يخفى أن معظم هذه المناطق كانت موطن الحوريين/الميتانيين (من أسلاف الكرد) والحثّيين.
3 – ورد اسم (سوريا) بهذه الصيغة عند هيرودوت وغيره من اليونان؛ لأن شمالي سوريا والمناطق المتاخمة لها شمالاً كانت معروفة بهذا الاسم قبل عصر هيرودوت وغيره من المؤرخين اليونان.
4 – عُرفت إحدى المناطق الواقعة شمالي الفرات باسم (Su - Ri).
5 – اسم (سوريا) مستمدّ من اسم الآراميين الذين عُرفوا باسم (سُريان).
6 – اسم سوريا مستمدّ من اسم الآشوريين الذين احتلوا سوريا بعض الوقت، باعتبار أن اسم (آشور) يأتي بصيغة (آسور) أيضاً.
7 – كانت سوريا تسمّى في القرن (8 ق.م) باسم (سورميد).
هذه هي النتائج التي يخرج بها الباحث من المصادر التاريخية، لكن أين هي الحقيقة بشأن اسم (سوريا)؟ هل هو اسم وثيق الصلة بالتراث الحوري الميتاني (أسلاف الكرد)؟ أم أنه وثيق الصلة بالتراث الآشوري والآرامي (السرياني)؟
ذلك هو موضوع البحث في الحلقة القادمة.
توضيح: هذه الحلقات مدخل للبحث في (الوجود الكُردي في سوريا الحالية؛ ترى أهو حضور قديم وأصيل أم وجود طارئ ودخيل؟)، وحبّذا إرسال هذه الحلقات إلى السادة ساسة الكُرد في غرب كُردستان خاصة.
13 – 9 - 2013
 


ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.