شاهين بكر سوره كلي : أيها الطائر

  ترجمة: أحمد قطو

  تنهّد بحسرة و هو يسمع صوتاً من أعماق نفسه، ربما شفقة بحاله، أو لا قائلاً:
"دعك من هذا العمل، فقد وصلت إلى خريف العمر، و بدا الشيب يغزو شعرك أكثر فأكثر! لمن تكتب هذه المقالات الطويلة، لمن تنسج هذه الكلمات، لمن تؤلف هذه الجمل!
منذ ما يقارب الثلاثين عاماً و أنت تكتب المقالات بهذه اللغة، و ترسلها في مياه نهر لا أحد
 يعلم إلى أين يفضي مجراه، و في أية بحيرة مجهولة تصب مياهه!
ترى كم عدد الذين نهلوا من ماء ذاك النهر؟ و كم واحداً منهم على استعداد لأن يقول لك – قبل رحيلك- بأنّه شرب جرعة من ماء ذاك النهر و ارتوى منه ولو لمرة واحدة؟!
دعك من هذا "الإدمان" واستمتع بخريف عمرك قبل أن يحين شتاءه."
ضرب الكاتب كومبيوتره البائس بقبضة يده، و فرّ هارباً من كهف الكتابة باتجاه البحر.
لحسن الحظ أنّه في مدينة ساحلية، و ذلك يمكنّه أن يدفن آهاته و حسراته في أعماق البحر!
على شاطئ البحر، رأى طائراً فحاول أن يعقد صداقة معه :
 
يا طير، كم تبدو جميلاً و أنت تطير فوق أمواج البحر!
تعيش حياتك بلا قيود، حرّ أنت.... يا أيّها الطائر تطير فوق هذه المياه المنعشة الزرقاء هنا و هناك!
تعال والق التحية عليّ كي أخبرك عن طيور بلد أمي.
 حياة الطيور هناك ليست سهلة كحياتك يا طير، قاسية حياتهم  و قصيرة يا طير.
حقّاً يقترب الطائر منه شيئاً فشيئاً وينظر إليه بعينيه الصغيرتين وكأنّه يتشوق لسماع الحكاية، يقول: ارو لي الحكاية، أيّها الكاتب اروها!
يحاول الكاتب أن يتكلم بلغة الطيور: 
 
سأختصر لك الحكاية، أيّها الصديق: إنّها حكاية طويلة جداً، أيّها الطائر الجميل.
عاشق الطيور الحرّة أنا منذ زمن بعيد ... زمن بعيد جداً يا طير!
إنّ طيور المنطقة التي تحتضن قبر أمي ترتعب من الناس و تطير بعيدة عنهم!
العداوة و عدم الثقة بينها و بين " بني آدم" عميقة جداً، آه...أيّها الطائر، حقيقة إنّها عميقة. 
الحب و الكراهية يسيران في خط متواز لا نهاية و لا حدود لهما في موطن أمي.
فطيور تلك البقاع ليست سعيدة مثلك، بل دوماً تعاني من الرعب و الهموم.
في " مهد الأنبياء" ليس سهلا البقاء على قيد الحياة، فالأشقياء يسارعون إلى قتل الطيور و تعذيبها.
إنّهم قتلة الطيور و الحقيقة والإنسان والحياة ، قتلة الله، قتلة أنفسهم، قتلة كل شيء!
يدير طائر البحر وجهه عن الكاتب ويطير بعيداً، غير راغب بالرجوع إليه مرة أخرى 
الكاتب يبكي من بعده :
 
لا تعد أّيّها الطائر، ابتعد دوماً عن أمثالي، و أعذرني لأنني أسمعتك تلك الكلمات الجهنميّة...سامحني أيّها الطائر! 
يا أيّها الطائر ...يا أيّها الطائر: كم هو رائع طيرانك فوق أمواج البحر. آمل أن لا تصادف قتلة الطيور و الحياة و كل شيء، أيّها الطائر الجميل.
أيّها الربّ الرحيم! إذا أعدتني إلى الحياة بعد الموت مرة أخرى، 
أرجو أن تعيدني على شكل طائر، لكن في مكان بعيد عن قتلة كل شيء. 
 
سيدني 2006
   
 


ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.