كانيوار برزان : اهمية ومفهوم الدولة ودلالاته

2013-04-04

احتلت الدولة على الدوام مكانة محورية في التحليل السياسي وصولا إلى المرادفة بين دراسة السياسة ودراسة الدولة في أغلب الأحيان. وتتجلى تلك المكانة في جدالين مهمين يتعلقان بأسس الالتزام السياسي وطبيعة القوة السياسية، كما يلي:

أولا: البحث في أسباب الاحتياج للدولة وأسس الالتزام السياسي: حيث تطرح نظرية العقد الاجتماعي التبرير الكلاسيكي لنشأة الدولة من خلال تصور شكل الحياة في مجتمع بلا دولة أي في حالة الفطرة أو الطبيعة. وتتسم هذه الحالة لدى بعض المفكرين (مثل هوبز ولوك) بحروب أهلية وصراعات مستمرة يخوضها كل فرد في مواجهة الكافة (أي حرب الكل ضد الكل)؛وهو ما يهيئ الناس للاتفاق على "عقد اجتماعي" - "Social Contract" يضحون بموجبه عن جزء من حريتهم من أجل إقامة كيان ذا سيادة يستحيل دونه حفظ النظام والاستقرار. أي ينبغي على الأفراد طاعة الدولة بوصفها الضمان الوحيد ضد الاضطراب والفوضى. وعلى النقيض، تقدم ال[لاسلطوية] أو الفوضوية رؤية متفائلة للطبيعة البشرية في ظل تأكيدها على النظام الطبيعي والتعاون التلقائي بين الأفراد.وعلى هذا الأساس تطرح الأناركية منظومة من المؤسسات الاجتماعية (مثل الملكية المشتركة أو آليات السوق) الكفيلة بتحقيق الاستقرار الاجتماعي في غياب الدولة.
ثانيا : طبيعة قوة الدولة : حيث تشكل النظريات المتنافسة حول الدولة القسم الأكبر من النظرية السياسية. ويمكن تلخيص أهم وجهات النظر السائدة في هذا المجال على النحو التالي : 1- الاتجاه الليبرالي : ينظر إلى الدولة كحكم محايد بين المصالح والجماعات المتنافسة في المجتمع، وهو ما يجعل الدولة ضمانة أساسية للنظام الاجتماعي، ومن ثم تضحي الدولة في أسوأ الاحتمالات "شرا لا بد منه".
2- الاتجاه الماركسي : يصور الدولة كأداة للقمع الطبقي بوصفها دولة "برجوازية"، أو أداة للحفاظ على نظام التفاوت الطبقي القائم حتى حال افتراض الاستقلال النسبي للدولة عن الطبقة الحاكمة.
3- الاتجاه الاشتراكي الديمقراطي : يعتبر الدولة عادة تجسيدا للخير العام أو المصالح المشتركة للمجتمع من خلال التركيز على قدرة الدولة على معالجة مظالم النظام الطبقي.
4- الاتجاه المحافظ : عادة ما يربط الدولة بالحاجة إلى السلطة والنظام لحماية المجتمع من بوادر الفوضي، وهو ما يفسر تفضيل المحافظين للدولة القوية.
5- اليمين الجديد : أبرز السمات غير الشرعية للدولة الناجمة عن توسعها في التعبير عن مصالحها بغض النظر عن المصالح الأوسع للمجتمع، وهو ما يؤدي غالبا إلى تدهور الأداء الاقتصادي.
6- الاتجاه النسوي :نظر إلى الدولة كأداة للهيمنة الذكورية حيث تُوظف الدولة الأبوية لإقصاء النساء من المجال العام أو السياسي أو استبقائهم مع إخضاعهم.
7- الأناركية : تذهب إلى أن الدولة لا تعدو أن تكون جهازا قمعيا أُضفيت عليه الصفة القانونية كي يخدم مصالح الأطراف الأكثر تمتعا بالمزايا والقوة والثراء.
و قد شهدت نهايات القرن العشرين ظهور اتجاهات ساعية لإفراغ الدولة من مضمونها نتيجة عدم تلاؤمها مع التطورات الجديدة مثل تزايد الاتجاه للخصخصة وتفضيل آليات السوق على التخطيط المركزي، وتأثيرات العولمة واندماج الاقتصاديات الوطنية في الاقتصاد العالمي غير الخاضع لسيطرة أية دولة منفردة. فضلا عن تنامي النزعات المحلية وما تولده من ضغوط على الدولة عبر تعزيز الولاءات والتفاعلات السياسية على مستويات مختلفة عن المستوى القومي (جمهورية أو قبلية)مع ظهور أنماط جديدة للقومية قد تمثل تهديدا للدول القائمة.
[عدل]الأشكال والصور المختلفة للدول حسب وظائفها وأدوارها

لا تنفي الخصائص الأساسية المشتركة بين الدول، حقيقة تنوع هذه الدول في أشكالها وأحجامها ووظائفها. فدول الحد الأدنى التي ينادي بها أنصار الليبرالية الكلاسيكية واليمين الجديد هي مجرد كيانات حمائية تتمثل وظيفتها الوحيدة في توفير إطار للسلام والنظام الاجتماعي على نحو يُمكّن المواطنين من ممارسة حياتهم على النحو الذي يعتقدون أنه الأفضل. بينما تعتمد الدول التنموية على العلاقات الوثيقة بين الدولة وجماعات المصالح الاقتصادية الأساسية (الشركات الكبرى تحديدا) لتطوير استراتيجيات للنمو بالاقتصاد القومي في سياق قائم على المنافسات عبر القومية. ويظهر هذا النموذج في اليابان ودول النمور الآسيوية في شرق وجنوب شرق آسيا. في حين تتدخل الدول الديمقراطية الاشتراكية على نحو واسع في الحياة الاقتصادية والاجتماعية لتعزيز النمو وضمان التشغيل الكامل وتخفيض معدلات البطالة والفقر وتأمين توزيع أكثر عدالة للقيم والموارد في المجتمع. وفي المقابل، اعتمدت الدول الجمعية أو الشيوعية على إلغاء القطاع الخاص كليّة وإقامة اقتصاديات مخططة مركزيا تديرها شبكات من الوزارات الحكومية ولجان التخطيط. وأخيرا فإن الدول الشمولية مثل ألمانيا في عهد هتلر أو الاتحاد السوفييتي في الحقبة الستالينية وبعض النظم المعاصرة ذات الخصائص المشابهة تتدخل في كافة مناحي الحياة عبر منظومة معقدة من آليات الرقابة والقمع البوليسي ونظام أيديولوجي مهيمن يستهدف إحكام سيطرة الدولة



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.