مقابلة جديدة: السياسي والناشط عبد السلام عثمان: »خبات ديركي إختطفني ووضع المسدّس في رأسي

2012-12-26

كردووتش، 25 كانون الأول (ديسمبر) 2012 – عبد السلام عثمان (مواليد 1977) عضو مؤسس في إتحاد تنسيقيات الشباب الكرد في سوريا وفي تيار المستقبل الكردي في سوريا. والناشط الذي يعاني من شلل أطفال مذ كان في الخامسة من عمره إضطرّ إلى الهرب على إثر تهديدات تلقاها من ال(PKK). وبعد شهور من الإقامة في اسطنبول حصل أخيراً على حق اللجوء السياسي في ألمانيا. في لقاء إجرته معه الـ كردووتش يتحدث عثمان عن الوضع الراهن للتنسيقيات في المناطق الكردية وعن إختطافه من قبل ال(PKK).

كردووتش: تأسست العديد من التنسيقيات في المناطق الكردية منذ إندلاع الثورة السورية. هل يمكن لك أن تقدّم لنا أهمها وأن تروي لنا شيئا عن تاريخ نشوئها؟
عبد السلام عثمان: أولى التنسيقيات التي تأُسست هي تنسيقية شباب الإنتفاضة. هذه التنسيقية نظمت مظاهرتها الأولى في القامشلي في 1 نيسان (أبريل) 2011. آنذاك بدأنا مظاهرتنا أمام مسجد قاسمو وطالبنا بالحرية للشعب السوري كافّة. بعد أسبوعين تأسس تحالف حركة الشباب الكرد ، وفي ذات الوقت ظهرت مجموعة أخرى سمّت نفسها شباب الجزيرة وأرادت الإلتحاق بالثورة. بعد ثلاثة أسابيع وقع إنشقاق في التحالف ونشأ عنه تحالف آخر اسمه تحالف »شباب سوا«. فيما بعد تم تنظيم لقاء كان هدفه عمل جميع هذه التنسيقيات تحت سقف واحد. تقرر في هذا الإجتماع تأسيس المجلس العام لحركات الشباب الكردية حيث مُثّل فيه كل من شباب الإنتفاضة إئتلاف حركة الشباب الكرد و إئتلاف شباب سوا وشباب الجزيرة. من المؤسف أن هذا التجمع تفكك، فإئتلاف شباب سوا و إئتلاف حركة شباب الكرد انسحبا من هذا التجمع. أما في الفترة الأخيرة فقد تم تأسيس الكثير من التنسيقيات، وعلى ذلك أرسلنا نشطاء إلى المالكية ورأس العين وعين العرب وعفرين وحلب والرقة وتل أبيض وأسسنا إتحاد تنسيقيات الشباب الكرد في سوريا في 7 تموز (يوليو) 2011.

كردووتش: في البداية إنحصرت المظاهرات في القامشلي فقط . هل كان لديكم آنذاك إتصالات مع الناشطين في المدن الأخرى؟ ومن أسّس التنسيقيات والمجموعات في تلك المدن؟
عبد السلام عثمان: لقد أقمنا إتصالات مع الناشطين في المدن الأخرى والذين قاموا بدورهم بتأسيس تنسيقياتهم. وعلى إثر ذلك خرجت مظاهرات في تلك المدن. فقط في عامودا كان الوضع مختلفا. فشباب المدينة كانوا قد بدؤوا بالتظاهر قبلنا. كما أنهم نشطوا وقتا طويلا تحت اسم مشترك هو شباب عامودا.

كردووتش: أي التنسيقيات اليوم ذات أهمية ؟
عبد السلام عثمان: هناك إتحاد تنسيقيات الشباب الكرد وأفاهي وشباب ولادة الحرية وحركة ثوار الكرد السوريين والحركة الشبابية الكردية وسوا. تلك هي أهم التنسيقيات الموجودة حاليا.

كردووتش: هل يمكن لك أن تشرح بإقتضاب أوضاع هذه التنسيقيات؟ وما هي برامجها السياسية ، وبماذا تتمايز فيما بينها؟
عبد السلام عثمان: تفتقد جميع التنسيقيات التصور عن المستقبل السياسي لسوريا. وليس هناك تمايزات جوهرية بينها على المستوى السياسي. يستثنى منها حركة الثوار الكورد السوريين والتي تملك برنامجا يشمل كل سوريا. أغلب التنسيقيات الأخرى تتبع سياسيات ذات طابع كردي واضح، وعادة ما تطالب بحصول الأكراد على حقوقهم داخل سوريا.

كردووتش: هل يمكنك أن تذكر عدد أعضاء هذه التنسيقيات وأماكن نشاطها؟
عبد السلام عثمان: التنسيقيات التي ذكرتها تنشط جميعها بشكل رئيسي في الجزيرة،و تعيش أكثرية أعضائها هناك. وفي بداية الأمر كان هناك عدد كبير ممن إنضم إلى هذه التنسيقيات، بيد أن عدد الأعضاء أخذ بالتراجع فيما بعد. فالناس أدركوا أن سياسة التنسيقيات لا تختلف عن سياسة الأحزاب الكردية. في الوقت الراهن أصاب هذه التنسيقيات الضعف والوهن وفقدت القدرة على إحداث تغيير في المجتمع.

كردووتش: عندما بدأ الشباب في المناطق الكردية بتشكيل التنسيقيات وتنظيم المظاهرات عُلّقت آمال كبيرة على الناشطين. توقع الكثيرون آنذاك أن تحمل هذه التنسيقيات أفكار سياسة جديدة إلى المجتمع وأن توقظ الأحزاب الكردية من سباتها وأن تلعب بنفسها دورا سياسيا قياديا. لكن واقع الحال الآن هو أن هذه التنسيقيات تكاد تكون عديمة الأثر بعد سنتين على الثورة. لماذا؟
عبد السلام عثمان: بدا الأمر في البداية وكأن التنسيقيات ستتمكن من لعب دور مهم. حيث كان لدى الشباب الذين نظموا المظاهرات حماس كبير لإسقاط النظام ولفتح آفاق جديدة للمجتمع الكردي. إلا أنهم فشلوا في وضع برنامج لمستقبل سوريا. وبذلك تمكّنت الأحزاب الكردية من التأثير عليهم بسهولة حيث أصبح الشبه كبيرا بينهما. لقد إنتقل مرض الأحزاب الكردية إلى التنسيقيات أيضاً. أحدثت هذه الأحزاب إنشقاقات داخل صفوف التنسيقيات. هذه التنسيقيات لم تعد تنشط بشكل موازٍ للأحزاب فقط ، بل أصبحت تعمل تحت مظلتها، وهو ما أعتبره أكثر سوءً. والمشكلة الأخرى تكمن في أن بعض الأشخاص القياديين في التنسيقيات لم يولوا إهتماما بالقاعدة الأساسية لها ، هم لم ينظموا مظاهرة قطّ.

كردووتش: هل يمكن لك أن توضح لنا أية علاقة تربط بين التنسيقيات و الأحزاب الكردية؟
عبد السلام عثمان: تعاطفت حركة الشباب الكرد في البداية مع حزب الوحدة الكردي في سوريا (يكيتي) لاسماعيل حمي. فحزب (يكيتي) كان يدعم فعليا الثورة السورية وهذا ما قرّبنا منه سياسيا.أما الآن يقوم الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (بارتي عبد الحكيم بشار) بفرض سيطرته تدريجيا على هذه المجموعة وهو ما يبين مقدار انتهازيتها. أما حركة كردستان سوريا فهي قريبة من عبد الحميد حجي درويش. وبعد إنضمام تحالف حركة الشباب الكرد إلى المجلس الوطني الكردي إقتربت بدورها من الأحزاب الكردية. حيث لم يقم هذا التحالف بالدور المنتظر منه في المجلس الوطني الكردي. ائتلاف أفاهي لم تنضم إلى المجلس الوطتي الكردي، ويُعزا ذلك برأيي إلى أنها عضو في المجلس الأعلى لقيادة الثورة السورية. إذ أن هذا المجلس يسيطر عليه الأخوان المسلمين. إلا أنه لا يملك حضوراً يُذكر إلا في عامودا، كما أن لديهم عدد قليل من الناشطين في القامشلي الذين إبتعدوا عنهم في الفترة الأخيرة.

كردووتش: لنأتي إليك الآن. كنت من أوائل ناشطي الثورة السورية في المناطق الكردية. ما هي الصعوبات التي واجهتك شخصيا؟
عبد السلام عثمان: تلقيت مرارا تهديدات من أجهزة الأمن الأمن بالاعتقال و التصفية الجسدية، وخاصة من جهاز أمن الدولة. كما أنني أثرت إهتمام إدارة الأمن السياسي. وتم الإدعاء علي 12 مرة أمام محكمة الجزاء في القامشلي، حيث كانت التُهم تتراوح بين المشاركة في تظاهرات غير مرخّصة وإقلاق راحة والإعتداء على عناصر الأمن. و في نفس الوقت أُرسل إلي بعض المسؤولين الكرد بهدف إقناعي بالعدول عن العمل السياسي أو الوقوف إلى جانب النظام. في 10 آب (أغسطس) 2011 تم إختطافي مساء أثناء عودتي من مظاهرة إلى البيت. اختطفني ال(PKK) واحتجزني ثلاثة أيام. وفي اليوم الأخير قالوا لي: »نريدك أن تعمل لصالحنا. نريد كسب الشارع الكردي ويمكنك أن تساعدنا في ذلك. هدفنا أن يتقبلنا الشارع الكردي.« كما أنهم هددوني وقالوا: »لا تظن أننا لا نقدر على الوصول إليك في أي لحظة. أينما كنت نستطيع إيجادك واحتجازك.«

كردووتش: أين وكيف تم إختطافك؟
عبد السلام عثمان: اختطفوني في العنترية. وتم تنظيم عملية الأختطاف من قبل امن الدولة و الامن السياسي عبر رجل اسمه عبد العزيز يونس ومعروف عنه بعمله مع المخابرات السورية. اتصل بي وأراد المجيء إلى بيتي ،و لكنني رفضت ذلك. فإلتقينا في أحد المطاعم وقال لي إن النظام لا يريد منا أن ندعم الثورة. كان يريد إقناعي بالعمل مع النظام ، فرفضتُ ذلك و قلت له إنني لا أستطيع ذلك وإن كل الشعب يدعم الثورة. في ذلك اليوم كانت هناك مظاهرة شاركت فيها. و عند عودتي من المظاهرة طلب مني يونس أن أتوجه معه إلى بعض المتظاهرين الذين ينوون إتمام المظاهرة نحو مركز المدينة, يونس أراد أخذي إلى مكان التظاهرة بسيارته التي استقليتها مع شخص آخر من العنترية أردنا إيصاله إلى بيته. بعد ذلك أكمل يونس قيادة السيارة وأصبحنا في طريق مسدود، حيث توقف هناك. وعندما استدرت إلى اليمين فتح أحدهم باب السيارة ووضع مسدسا في رأسي وأخرجني من السيارة وجرني وراءه ووضعني في سيارة أخرى.

كردووتش: إلى أين أخذوك؟
عبد السلام عثمان: لا أعرف بدقة ! ولكن كنا قريبين من المالكية.

كردووتش: من أين تعرف أن ال(PKK) هي الجهة التي إختطفتك؟
عبد السلام عثمان: خبات ديركي [مسؤول معروف في ال(PKK)، قُتل في إشتباكات في مدينة القامشلي عام 2012 – لمزيد من المعلومات] هو من خطفني ووضع المسدس في رأسي. كما أنهم أخبروني بنفسهم أنهم من ال(PKK).

كردووتش: هل كان هذا سبب مغادرتك البلاد في كانون الأول (ديسمبر) 2012؟
عبد السلام عثمان: لم أرد أن أفعل ما طلبوه مني. كان واضحا لي أن ال(PKK) سيقتلني إن لم يفعل ذلك النظام. لذا هربت من البلاد.

كردووتش: لماذا هربت إلى تركيا؟
عبد السلام عثمان: لقد كانت تركيا هي الإمكانية الوحيدة للهروب آنذاك. كنت أقف بين جبهتين كما يقال. كنت مُجبرا على الهروب بإتجاه تركيا. في البداية أقمتُ في ماردين عند أقرباء لي هناك. ثم كان كان هناك دلائل على أن ال(PKK) يبحث عني مما إضطرني إلى الذهاب إلى اسطنبول.

كردووتش: الكثير من الناشطين الرواد غادروا البلاد وتوجهوا إلى تركيا، وهو ما كان محل إنتقادات وجِّهت لهم. هل تعتقد أن تلك الإنتقادات محقّة؟
عبد السلام عثمان: لا أجد هذه الإنتقادات محقّة كما أنني لم أواجه هنا أية مشكلة. الكثير من الناشطين يعيشون في تركيا وبعضهم هرب إلى كردستان العراق. أولئك الذين يعيشون في تركيا يستطيعون مواصلة عملهم السياسي بحرية أكبر من تلك التي يتمتع بها النشطاء في كردستان العراق والذين أصبحت فعاليتهم أقل بكثير من نظرائهم في تركيا. إنهم يتعرضون للمراقبة ولا يتمتعون بالحريات التي تتوفر هنا في تركيا.

كردووتش: ما سبب ذلك؟
عبد السلام عثمان: للبلدين مصالحهما. وبناء على وضع المصالح يسمح بلدٌ بمقدار من الحرية لا يسمح به الآخر.

كردووتش: أنت وصلت أمس إلى ألمانيا. وكانت الحكومة الإتحادية قد اعترفت بك كلاجئ سياسي مذ كنت في تركيا. ما هي آمالك الآن؟
عبد السلام عثمان: لقد بدأنا بهذه الثورة لنعيش حياة حرة . وعلى الرغم من أنني لم أعد أعيش في سوريا فإنني أعلق آمالا كبيرة على هذه الثورة. أصبحنا بعيدين لكن ما زلنا ثوريين ناشطين. في منطقتنا لم تتطور الثورة كما في مناطق أخرى من البلاد. نعمل على تعزيز الثورة لدينا. بالنسبة لي شخصيا بدأت حياة جديدة لي في ألمانيا. وكمُقعَد على الكرسي المتحرك تتيح لي ألمانيا إمكانيات أخرى لا تتوفر في سوريا أو تركيا، وهو ما يسعدني كثيرا ، و أريد أن أستثمر هذه الفرصة لأزيد من نشاطي السياسي.

كردووتش: تحولت الثورة من ثورة سلمية إلى ثورة دموية للغاية. المعارضة أصبحت مع الوقت أشد عنفا. وبات السلفيون ومجموعات القاعدة يلعبون دورا متعاظما إلى جانب المعارضة. ما هو سبب ذلك؟
عبد السلام عثمان: كان المتظاهرون المطالبون بالمزيد من الحريات سلميين. إلا أنّ طريقة تعامل النظام الوحشية أجبرت الناس على حمل السلاح. ولو لم يتسلح الناس لأفناهم النظام.هم حملوا السلاح لحماية أنفسهم والآخرين. أصبحنا اليوم أمام ثورة مسلحة. وكان على الكرد التجهز لهذا الإحتمال، وهو ما لم يفعلوه للأسف. فهم لم يتسلحوا.

كردووتش: وهل ال(PYD) مستعدة لذلك؟
عبد السلام عثمان: نعم. لكن مهما فعل ال(PYD) فإنه لا يفعله لمصلحة الكرد أو الثورة السورية، بل لمصلحة ال(PKK) فقط.

كردووتش: ماذا يريد ال(PYD) وال(PKK) في سوريا؟
عبد السلام عثمان: مناطقنا هي بمثابة بقرة حلوب لل(PKK).حيث يكسب ال(PKK) الكثير من الأموال من وراء سيطرته على الحدود وبيعه للبنزين والغاز وقيامه بنشاطات تجارية أخرى.جميع معتقلي ال(PKK) على الأغلب تم الإفراج عنهم . و ال(PKK) استرجع الصواريخ التي كان النظام السوري قد صادرها منه. هدفهم هو تحويل سوريا إلى منطقة انسحاب وتدريب لمقاتليهم كما كان الوضع في منتصف الثمانينات حتى أواخر التسعينات القرن الماضي . هناك شبه كبير يجمع بين نظام بشار الأسد وال(PKK). بشار الأسد لا يهمّه الشعب السوري، بل يهمّه نفسه وعائلته فقط. ولا يهُم ال(PKK) أيضاً إلا مصالحه الحزبية.

 1 كانون الأول (ديسمبر) 2012



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.