سناء طباني : امي ... اقدم لك اعتذاري

رأيت حلما جميلا
اعادني للحظات الطفولة
لبيتي الصغير الذي يعبق برائحة امي
أهلي إخوتي شارعنا القديم
و فجأة وإذا بكل شيء يزول
لا رائحة امي ولا عبق عطرها

لا صوتها .. ولا صورتها
آه يا ليتني اعود صغيرا
فالحنين هدني والشوق سلب راحتي
وكبريائي يأبى العودة لصدر امي

جاءت تلك الام والليل قد بدء مشواره و تعابير وجهها تفصح عن ما تبحث عنه، لتبادر بالسؤال عن اسمي ؟؟؟
أجبتها انا من تبحثين عنها..
وإذا بها تبتسم مع ان التعب قد اخذ من ملامحها الشيء الكثير،وبلحظات امطرتني بباقة من الاسئلة
هل تعلمين اي شيء عن ابني هل تحدثت معه ؟؟؟ ماذا قال لك ؟؟؟
اجبتها بهدوء: نعم سبق وتحدثت معه.. وكان اول سؤاله عنك انتِ بالذات!!!
في تلك اللحظة اجتمعت كل عاطفة الامومة بداخلها لتذرفها دموعا تتساقط على خدها.. ولهفة للسؤال عن ذلك الابن الذي رحل دون ان يترك اي أثر
ـ ماذا قال لك؟؟؟ وكيف تعرف عليك ؟؟؟
لم يكن من بد في ان اسرد لها تلك القصة التي جعلتني طرفا في موضوع مثير وحزين
فقد دخل صفحتي بالفيس بوك احد الاشخاص وكان يحاول اخفاء شخصه عني، وكان الاشتياق واضح من أسلوبه.. تحدث عن منطقتي وعن جمالها، أشجارها جمال الوجوه فيها، وكان ينسى نفسه احيانا ويتحدث بلهجتي..
وعندما سألته ان كان من أهلها نفى ذلك بسرعة.
وما هي إلا دقائق قليلة، ليتضح لي الامر جليا فهو ذلك الشاب الذي هاجر منذ سنين عدة، بعد ان اخبر والدته ان تنظر لوجهه جيدا لأنها ستكون المرة الاخيرة التي تشاهد فيها ذلك الوجه..!!
وليقرر بعدها قطع كل تواصله مع اسرته وأمه بالذات وكان يعتقد انه طوى صفحة الماضي والى الابد، لكن حنينه لتلك الام الطيبة ولأهله كان اقوى من كل محاولاته.. وبدا يسألني: ما هي اخبار امي؟؟ هل ما زالت على قيد الحياة؟ أهي مريضة ؟؟؟ الم تسمعي عنها شيئا؟؟
ولكن للأسف لم اكن اعلم اي شيء عن أسرته وهنا اضطر ان يوضح لي اكثر ويكشف عن شخصيته ، شقيقاته، أقاربه

تحدث اكثر من مرة معي، وكان يطلب دائما وبإصرار ان اخفي ما يدور بيننا من حديث عن أسرته و ان لا اتصل بهم، ولا احدثهم عنه ، بالطبع احترمت رغبته، ولكن فضولي لمعرفة اسباب ما حدث معه كان يزيد من اسئلتي لاكتشف ان سبب خصامه وهجره المنزل شيء لا يستحق حتى الكلام وان العناد والكبرياء هما سبب عدم عودته.
وكل ما كان يطلبه فقط معرفة اخبارهم، وضعهم المادي، شقيقاته هل تزوجن؟؟؟ كم عدد اطفالهم ؟؟الم تشاهديهم ؟؟ اشقاءه ما هو عملهم ..
حدثته بما يطمئن نفسه وما يعيد له الاستقرار الوقتي، لكن كانت محاولاتي لإقناعه بالعودة لمنزله فاشلة.
ولانه دائم السؤال عن والدته فقد طلبت موافقته لإحضارها والحديث معها عالنت او حتى احضار صورة لها، لكن الرفض كان جوابه ، وحجته بذلك ان دموعه الان تتساقط ، لشدة حنينه لها فكيف به ان شاهدها.
لم احاول الاتصال به مجددا، او حتى الاتصال بأسرته لأطمئنهم عنه استنادا لرغبته تلك.

مرّت اشهر عدة لألتقي مصادفة بإحدى الامهات وكان تشابه الاسماء بين الاسرتين هو ما جعلني ابادرها بالسؤال ان كان لها ابن خارج العراق؟؟
نفت ذلك ولكنها كانت تعلم ان هناك أما تحمل نفس اللقب ولها ولد قد غادرها بدون سبب معقول، وهي متعبة جدا و تتحدث وعن ابنها الغائب منذ سنين عن انقطاع اخباره بشكل غريب.
وبشيء من التوسل طلبت مني ان تقوم هي بإخبار والدته لأجل الاطمئنان عليه.
اعود للقائي بوالدة ذلك الشاب، فقد طمأنتها وحدثتها عن ما جرى بيني وبين ابنها من حديث، واعتذرت لها عن احترامي لرغبته وتجاهل مشاعرها.. واثناء ذلك الحديث كانت هنالك شقيقته السمراء تبكي بحرقة.. لم تشاركنا الحديث بل كانت تستمع وتبكي الى ان استأذنوا بالرحيل وإذا بالشقيقة تاخذني جانبا لتخبرني عن اخبار تصلهم عنه بين فترة وأخرى وأخر الاخبار تقول بأنه مصاب بأحد الامراض  وكان رجاءها ان اتاكد من ذلك.
لم استطع طمأنتها ولا نفي الخبر لاني لم اتحدث معه منذ تلك الفترة.
وألان اعود وأترجى ان يجاوب على رسائلي لعلني بذلك اغفر ذلك الذنب الذي ارتكبته بإخفاء الحقائق عن تلك الام وبدون قصد مني تسببتُ بزيادة المها.
اناشده الان للعودة مع علمي بان ذلك شبه مستحيل.. ويبدو انه قرر الابتعاد أكثر لعله بذلك ينسى حنينه لأسرته، لكنه لو علم بمدى شغف امه به لعاد الى احضانها بأسرع وقت ممكن.

 



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.