Feqî Kurdan : هل الغفلة السياسية ماركة كردية ؟!

2012-11-21

لنا- نحن الكرد- تراث ضخم في الغفلة، حتى إنها صارت ماركة مسجّلة باسمنا في التاريخ، وصرنا معروفين بمقولة "هل تَسْتَكْرِدُني"؟! أي هل تعتبرني مغفَّلاً كالكردي؟!

وقد لاحظ عدد من الكردلوجيين ظاهرة الغفلة عندنا، ومنهم أرشاك سافراستيان في قوله: "إن بساطة تفكيرهم، وقلوبَهم الطيبة ورجولتَهم، استُغلّت من قبل الترك، فاستخدموهم كقذائف لمدافعهم في حروبهم" (أرشاك سافراستيان: الكرد وكردستان، ص 130). وقال جوناثان راندل: " لم يُظهر الكرد سوى مؤشِّرات نادرة على أنهم تعلّموا من أخطاء الماضي". (جوناثان راندل: أمة في شقاق، ص 24).
وقد سبّبت الغفلة السياسية لنا كوارث هائلة طوال تاريخنا، وكان المحتلون- فرساً وتركاً ومستعربين- يلوّحون لنا ببعض المكاسب المحدودة والمؤقتة (أموال، مناصب)، ويصطادوننا بها، ويوظّفون قدراتنا لخدمة أجنداتهم القومية والدينية والطائفية، وبمجرد تحقيق أجنداتهم كانوا ينقلبون علينا، ويفتكون بنا فتكاً ذريعاً.
والأدلة كثيرة على الكوارث والآلام التي جرّتها علينا الغفلة.
في أوائل القرن العشرين استغل مصطفى كمال (آتاتورك) غفلتنا، وسلّم مهام حفظ الأمن في مقرّه لفيلق كردي، وسمح لعناصره بارتداء الزي الكردي التقليدي، واصطحب معه طفلين كرديين يتيمين بزي كردي، وارتدى هو نفسه الزي الإسلامي، وظهر برفقة العلماء المسلمين الكرد، فانطلت الخديعة على الكرد، حتى إن بعضهم أشاع أن مصطفى كمال كردي الأصل، وتنافس زعماء القبائل في وضْع قواتهم تحت إمرته، ثم مارس مصطفى كمال أبشع ألوان القهر والصهر ضد الكرد. (زنار سلوبي: في سبيل كردستان، ص 52، 53، 58، 60، 61).
وفي سوريا، ومع أن الكردي مُحو إيبو شاشو أطلق أول رصاصة ضد المستعمر الفرنسي في منطقة (جُومَه) بعفرين، وقاد الكردي إبراهيم هنانو ثورة الشمال، وثار الكرد في عفرين والجزيرة ودمشق، لكن ماذا كانت النتيجة؟ استغفل الشوفينيون بعد الاستقلال زعماءنا، ومارسوا ضدّنا أسوأ مشاريع القهر والصهر والإفقار والتجهيل.
ثم جاء دور النظام البعثي الشوفيني في استغفالنا، فالكردي البوطي يدافع عنه على المنابر، والكردي محمود قُول آغاسي (أبو القَعقاع) جنّد له الانتحاريين، لتنفيذ العمليات في العراق، والكردي هُسام هُسام فكّ رقبة النظام من تهمة مقتْل الحريري في لبنان.
وكان المتوقَّع أن يكون جيلنا المعاصر متحرراً من (الغفلة)، وصار أكثر فهماً لما يحدث في الشرق الأوسط وفي العالم، وأكثر قدرة على قراءة المستقبل، وأكثر حذراً من مكر الشوفينيين الفرس والترك والمستعربين، لكن المؤسف أن ما يجري الآن في كردستان عامة، وفي غربي كردستان خاصة، لا يبشّر بخير، ويؤكد أن الغفلة تترك آثارها البشعة على مواقفنا وسياساتنا، وأنها ما تزال راسخة في ذهنيتنا حتى الصميم.
فبمجرد بدء الأزمة في سوريا بين المستعربين السنّة والعلويين، كان من المفروض قومياً ومنطقياً أن تبادر أحزابنا ويبادر مثقفونا إلى تأسيس ما يلي:
-    جبهة موحَّدة، لها موقف مؤسَّس على الحقوق القومية.
-    قيادة موحَّدة، تقود مشروع التحرير في غربي كردستان.
-    قوة قتالية قادرة على الدفاع عنا عند الضرورة.
-    خطاب إعلامي موحَّد، يخدم قضيتنا داخلياً وإقليمياً وعالمياً.
لكن ما حدث هو العكس تماماً:
-    فريق انضمّ إلى المجلس الوطني السوري، مع أن هذا المجلس أسير في قبضة تركيا من جهة، وفي قبضة الإخوان المسلمين من جهة أخرى.
-    فريق ثانٍ انضمّ إلى هيئة التنسيق، مع أن أعضاءها لا ينظرون إلى الحقوق القومية الكردية أبعد من حق (الإدارة المحلية).
-    وفريق ثالث بقي مدافعاً عن النظام البعثي المستمر في شوفينيته وفاشيته.
-    وفريق رابع أصبح هواه الظلاميين الذي قال أحد قادتهم (عبد القادر الصالح، قائد لواء التوحيد في حلب) للكرد في حلب: " من دخل بيته فهو آمن"، وكأن الكرد مثل مشركي قريش حينما غزا النبي محمد مكة سنة (8 هـ/630م).
ثم راح كل فريق يوجّه سهام التهمة والتجريم إلى الفريق الآخر، ويبرّى ذمته من أيّ تقصير، فأية غفلة أسوأ وأخطر من هذه؟! وأية غفلة أسوأ من أن يثق الكردي بالغزاة والمحتلين واللاميين، وبخرّيجي ثقافة القهر والصهر، ولا يثق بالكردي الآخر؟ أيّة غفلة أسوأ من أن يلملم كل حزب الجماهير حوله، لتحقيق الانتصار على الحزب الآخر؟ هل الآن وقت المكاسب الحزبية والسروكاتية، أم وقت توحيد الصفوف، وإعداد المجتمع الكردي في غربي كردستان للمخاطر التي تهدّده من كل جانب؟
يا ساستنا، إن تركيا تقرع طبول الحرب ضدنا، والانتحاريون ينتظرون الفرصة للانقضاض علينا، وما (غزوة Serê Kaniyê) إلا البداية، وستجدون العجائب في الأشهر القادمة، أما المستعربون فسينقلبون علينا عند أول فرصة ممكنة، ولن تفيدكم والعهود والمواثيق، فقاعدتهم الذهبية هي "وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" (سورة الأنفال، آية 30)، والنظام البعثي شوفيني حتى النخاع، ولن يستطيع الخروج من جلده.
أفما حان لنا أن نتحرر من هذه الغفلة المقيتة؟
أما حان أن نكون عقلاء ويقظين ولو مرة واحدة؟
أما حان أن نجعل الآخرين ينسون مقولة "هل تستكردني"؟!
ومهما يكن، فلا بد من تحرير كردستان!
22 – 11 – 2012

 



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.