محمود خليل : المثقف الكوردي و"الثورات العربية"

2012-08-23

الحديث عن الثقافة والمثقف في المجتمع الكوردي له شجون و قد يحتاج إلى تسليط الأضواء عليه كثيرا من قبل الكتاب والباحثين والنقاد في الشأن الكوردي العام والسياسي بشكل خاص.

سوف لا ندخل في تعريف الثقافة والمثقف ,لأنهما تُعرفان بأكثر من وجه, فلهما تعريفات عديدة وتتغير هذه التعاريف بشكل تناسبي مع تطور المجتمعات  من الناحية المادية وبالتالي القيمية والحضارية  المنبثقة منها.
رغم هذا التوصيف, يبقى هناك أمرا ثابتا وأساسيا وهو العلاقة الجدلية بين الثقافة -وبالتالي المثقف- مع السياسة والسياسي الشخص.
بيد إن هذه العلاقة لازمت المجتمعات عبر التاريخ  وحتى وقتنا الحاضر, أريد أن انوه هنا إلى الدور السلبي الكبير الذي لعبه المثقف أو الثقافة في معظم العهود القديمة على شكل" الاّله - الكهنة" وكانت تقف إلى جانب المستبد وأحيانا كان  يشغل مكان الحاكم نفسه بالتالي سبب أذى واضطهاد الشعوب واستعبادها,ولا يزال هذا الدور مستمرا في كثير من المجتمعات والدول إلى يومنا.
منذ منتصف القرن السادس عشر بدأت بزوغ طلائع الفكر التنويري يظهر في أوربا ورويدا رويدا أخذت تلوح في الأفق ولأول مرة أن تصبح العلم والثقافة والاكتشافات العلمية المذهلة في خدمة البشرية والتحرر الفكري للإنسان,فقد نتج عنها بالإضافة إلى الصراعات الفكرية في ذلك الوقت - أنتجت- الثورة الفرنسية -1789- 1799 وبعدها-أدت-  إلى تغيرات هامة في معظم أوربا, وامتد أيضا إلى أمريكا وروسيا القيصرية فيما بعد.
نقول بحق إن الثورة الفرنسية كانت ثورة حقيقة حيث قلبت فرنسا رأسا على عقب والسبب على ما ذهبنا إليه -هو-إن الثورة الفرنسية-  جاءت تالٍ لثورة فكرية مفصلية سبقها ثورة فكرية تحررية قامت بها فلاسفة وعلماء أفذاذ أمثال: كانت و فور باخ ويغل و كوبرنيكوس وغاليلي1564-1642وبيكون1561-1626وديكارت1596-1660 وكبلر ونيوتن وهارفي ولفنهوك وغيرهم من أدباء وعباقرة عظام, الذين دحضوا من خلال إبداعاتهم العلمية والفلسفية الفكر اللاهوتي والفلسفة "المبنية على" الميتافيزيقيا "الجهل المقدس" في ذلك الوقت  والذي كانت قد أصبحت عائقا أمام تطور البشرية.
إن أي حراك جماهيري أو انتفاضة شعبية وفي أي مكان وزمان في العالم ,إذا لم تسبقه وتتقدمه رؤية فلسفية فكرية تحررية, تقتنع نه تلك الجماهير, و تضع هذه الفلسفة حدا نهائيا لاستعباد الإنسان للإنسان, سرعان ما تتدحرج تلك الانتفاضة أو ذلك الحراك إلى الوراء وسرعان ما تتبني الفلسفة القديمة الأكثر رجعية,لكونها لا تملك رؤية مستقبلية من جهة ولأنها قامت بوجه أنظمة  لها فلسفتها المتجاوزة للماضي وفلسفتها من جهة أخرى وهذا ما نراه في كل "الثورات العربية" التي حصلت وتحصل الآن .
الحالة التقهقرية التي نشهدها اليوم من وصول الإسلام السياسي إلى سدة الحكم في كلا من تونس ومصر, وتقاسم المتشددين الإسلاميين مع بعض الليبراليين في ليبيا للحكم, والتحول السريع الذي حصل في الحراك  السلمي السوري إلى حرب"عسكرة" ذو الطابع الديني جعل مستقبل هذا الحراك  مبهما ويسيرفي نفق مظلم .
أمام هذه المعادلة وهذه اللوحة, ماذا يستطيع المثقف الكوردي تقديمه للأطر السياسية والحراك الكوردي السلمي والمواكب- بحكم الشراكة والجغرافية.وماذا تستطيع الأطر السياسية الكوردية ومثقفيها أن تقدم حلولا لقضايا شعبهم.
 أمامهم بصيص الحكمة,شراقات "التحرر الفكري" المكتسبة نتيجة للحالة المجتمعية التي تعيشها الكورد عموما في ظل أنظمة وقوميات حاكمة بعيدة جدا عن الفكر التحرري وحقوق الإنسان, وآفاق التحرر الفكري للقوميات الحاكمة لا زالت مجهولة وبالتالي  إن ربط قضية التحرر الوطني الكوردي مع الطرح السياسي لتلك القوميات على أساس"دولة المواطنة والقانون والعدالة والتعددية" هي ضروب من الوهم وقصرفي تحليل الاموروالتقهقر مع المتقهقرين.

السماع لصوت الحكمة ,وربط مجمل الأمور مع بعضها البعض يمكننا استخلاص ما هو مفيد.
المجتمع الكوردي الشبه المؤطر"سياسيا" قد اخذ المنحى الحضاري الديمقراطي البعيد عن الإسلام السياسي, فماعليه سوى الاستمرار بهذا المنحى,وعدم الالتفاف إلى الوراء ,وان لا ينخرط مطلقا مع" شركائه في الجغرافية" في النزاعات والصراعات ذات الطابع الديني والعرقي أو المذهبي والحفاظ على الوحدة الوطنية"الكوردايتي" وفق آلية توافقية, تلك الضمانة الوحيدة في هذه المرحلة
وفتح قنوات اتصال وتعاون مع المتعايش المختلف"العرب والسريان والأرمن والأشوريين" معه وفق آلية الاحترام المتبادل والحفاظ على السلم الاهلى.
كلمة أخيرة :أدعو جميع الأحزاب الكوردية في غرب كوردستان -على الأقل- أن تعطي إجازة مؤقتة لعملها الحزبي الضيق وتتجه إلى العمل الوحدايتي"الجبهوي".
كما أدعو إلى طرح  مشروع  عقد مؤتمر كوردستاني عام ,لأن المنطقة مقبلة على استقطابات إقليمية ذو طابع ديني المظهر ومصالحي الجوهر وكي يكون للكورد المكانة اللائقة التي يستحقونها.