إبراهيم اليوسف : كيف أكتب قصيدة؟

2012-08-03

لعل عنوان هذا العمود، يوحي للوهلة الأولى، بأن هناك وصفة ما، قد يتم تقديمها -هنا- حول كيفية كتابة القصيدة، بيد أن كتابة القصيدة تظل أكبر من معرفة مقومات كتابتها، لأن هناك شروطاً كثيرة، لابد من توافرها لدى من يرغب بكتابة الشعر، وتأتي أصالة الموهبة، وسعة الثقافة،

وامتلاك أدوات صناعة القصيدة ومنها: اللغة، والأذن الموسيقية المرهفة، والحساسية، وعمق التجربة، في أول قائمة هاتيك الشروط جميعها، إلا أنه يبقى هناك ما هو خفي، غير مبتذل، بل ويكاد يكون عصياً، بين هذه الشروط جميعها، لابد من توافره حتى تتم صناعة قصيدة، على يدي شاعرها .

 
وإذا كنا هنا، نتحدث عن تلك القصيدة الإبداعية، ذات السطوة والحضور، التي تمتلك مقومات شعريتها، فإن هناك -في المقابل- ذلك النص الذي يشبه القصيدة، ويكاد يتماهى معها، إلا أنه يفتقر روح الشعر الذي لا يخطئ المتلقي، الذواق، تشخيصها، من خلال سبره عوالم النص، لأن تلك الروح إنما هي امتداد لروح صانع الشعر، وهي لا تنجز خارج هذه العلاقة، الحميمية، بين النص والناص، لتكون -في التالي- أحد أسرار المعجزة الكبرى في كتابة النص الشعري الإبداعي .
 
وروح الشعر، آنفة الذكر،طالما حام النقاد، على امتداد تاريخ نقد الشاعر حولها، مطلقين عليها أسماء، ومصطلحات تكاد لا تنتهي، إلى يومنا هذا، بيد أن معرفة كنه هذه الروح، وكيفية خلقها، تظل عصية عليهم، لأنها تأتي ترجمة للنفحة الاستثنائية، غير ممكنة الاستنساخ، ما دامت قادرة على أن تحول معجماً صغيراً من مفردات النص، إلى كائن ينضح بالشعر، من خلال جملة أدوات عمارته: الصور، والأخيلة، والدهشة، والرؤية، هذه الأدوات التي لا يمكن تفاعلها البتة، خارج مختبر الشاعر، وهي روحه -تحديداً- حاضنة الشعر، والفضاء الذي تتجذر إليه مشيمة القصيدة .
 
ولعله، منذ أولى قصيدة أوجدت مصطلحها، وعلاقتها بمتلقيها، فإن سؤال “كيف أكتب قصيدة؟” لهج على لسان الكائن البشري، مساوراً نفسه، وإن بدرجات متفاوتة من الحماس، لتلي محاولة الكتابة لديه -غالباً- السؤال ذاته، بيد أن النجاح في كتابة هذا النص، لا يمكن أن يتحقق، خارج دائرة الشروط المشار إليها، سواء الملموس منها، أو الخفي الذي لا يمكن توصيف ماهيته، كاملة، كما هو، لذلك فما أكثر ما نجد أن هناك من يعيش وهم الشعرية، خلال مرحلة محددة من تأجج الطموح في نفسه، بل إن هذا الوهم قد يستمر عبر مساحة زمنية، تستغرق سنوات حياته كلها، من دون أن يقارب جوهر الشعر، وأعلى ذراريه، البتة، في الوقت الذي يكون هناك من يمتلك شروط كتابة القصيدة برمتها، من دون أن يكتشف ذلك في نفسه، في يوم ما .
 
ووفق، ما سبق من تصورات أولى لكتابة القصيدة، فإن الشاعرالذي يكتب قصيدة ناجحة، لا يمكنه أن يفلح في تبيان طريقة إبداعه الشعري، وذلك لأن الشرط الأكثر أهمية، هو كما تمت الإشارة إليه ب”روح الشعر” ليظل عصياً على التنظير، ومن هنا، فإن من يروم الإبحار في عوالم الشعر مطالب بتوفير ما يستلزم مختبره من أدوات أولى، ناهيك عن أن المراس، والدربة، والمعاناة، عوامل لابد منها عند كل من يريد كتابة قصيدة، تمتلك سحرها، وألقها، ودهشتها، لئلا تكون مجرد مصفوفة مفردات لا حياة فيها .
 
 
elyousef@gmail.com
 
جريدة الخليج-أفق-3-8-2012