ابراهيم اليوسف : الشاعرروائياً

2012-07-02

مالاشك فيه،أن للشاعراستراتيجياته الخاصة في كتابة قصيدته،كما أن للروائي استراتيجياته الخاصة في كتابة روايته، وإن لكل منهما مخياله الذاتي، ولغته الفارقة، وأدواته ذات الصلة الوثيقة بعالمه الإبداعي، كما أن لكلا فني الشعروالرواية رونقهما، وسحرهما، وألقهما، وجمالياتهما، وسوى ذلك من الخصائص التي تدلُّ على كلٍّ منهماعلى حدة…!.

وانطلاقاً من جملة الصفات التي  يتمتع بها كل فن منهما،  من دون الآخر، بما يسجل لهما الاختلاف الشكلي المطلوب الذي يكفل تحديد شخصيتيهما،  فإنه ليترتب على عالمي الشعروالرواية أن تكون لهما-في المقابل- علاماتهما الفارقة،  ذلك لأن هناك ما يميز كلَّ فن منهما، دون الآخر، ليكون من عداد مفردات هويته، غيرالقابلة للاستنساخ، ولعل في إجراء أية مقارنة بين تناول كل منهما ل"الحدث"أو "الفكرة" ما يبين أن البون بينهما جدّ شاسع، لأن القصيدة لاتحتمل إلا مقاربة الحدث، أو الفكرة،على  نحوسريع، بل واعتمادالدوال بطريقة مختلفة، بينما تنهمك الرواية في سرد الوقائع، والتفاصيل الصغيرة، إلى الدرجة التي تكون من عداد أدواتها التي لاغنى عنها، مهما اختلف تكنيك الكتابة،بين روائي وآخر.

وإذا كانت هناك قواسم مشتركة، بين عالمي الشعروالرواية، فإن اللغة، تعدُّ الأداة الأولى المعتمد عليها، فيهما، إلى الدرجة التي لاغنى عنها البتة، بل لايمكننا تصورهما، من دون لبنة اللغة، كمفردة بنائية، وركيزة كبرى، باتت تغوي الشاعرليدخل في مختبرالكتابة الروائية،لاسيما عندمابات يرى بأم عينيه، مزاحمة الروائي له، على شعرية لغته، واعتمادها عليه، وكأنه يريد من نصِّه أن يكون"سيِّد الفنون" قاطبة، حيث فيه ملامح القصِّ، والشعر،والرسم، والتشكيل، والموسيقا، والغناء، والرقص، والسينما، والمسرح، على اعتبارأن هذا الفن قادرعلى هضم، واستيعاب كل هاتيك الفنون، ضمن هندسة خاصة، ماجعل الرواية تلفت الانتباه، على مستوى كوني، كحاضنة للفنون، بل وربما ك"ديوان"عالمي، ربما يسعى إلى إلغاء سواه من الإبداعات..!.

إن مثل هذه الغواية-تحديداً-كانت مدعاة لإقدام-الشاعر-على كتابة الرواية، لاسيما وأن الأدوات الأولى في المختبرالروائي متوافرة بين يديه، وإن الرواية لم تعد قفصاً ذهبياً مغلقاً على شكل واحد، دون سواه،لأنَّ الإبداعات المتعددة التي باتت تصبُّ في حوجلة الرواية، أعطتها دفعاً شديداًلتخرج عن الإطارالواحد، وتمارس جماليات التجريب الذي كسرسطوة الشكل الأحادي الذي كان لابدَّ من الاقتداء به، لذلك فإن محاولة الشاعر،هذه، تكللت بالنجاح،مادام أنه-هو الآخر-قادرعلى كتابة نمط روائي، إما أن تكون اللغة عموده الفقري، كما فعل الروائي سليم بركات في سلسلة رواياته،بعد تجربته الروائية الأولى "فقهاء الظلام"أو أن يزاوج بين الأحداث واللغة، مخلصاً لأدوات الشاعروالروائي، في آن واحد، كما هوحال جبرا إبراهيم جبرا وغادة السمان وعادل محمود، وآخرون كثيرون..!.

لقد استطاع الشاعر،أن يردَّ على محاولات الروائي، في استنفاذ شعرية القصيدة روائياً، من خلال إجراء نقلة مقابلة، من جهته، عبر الاشتغال على الرواية،شعرياً، وهوما فتح فضاءات أوسع، أمام النصين الشعري والروائي، ليكون ناصَّاهما-معاً-في  مواجهات مفتوحة، مع الذات، والآخرالفني الإبداعي، وهي –في النهاية- مواجهات في صالح هذين الفنين، على حد سواء-شريطة ألا نخسرأحدهما وهو الشاعر احتمالاً- ناهيك عن أن ذلك ليثري العلاقة بين الفنون،عامة، من خلال تزاوجها، بما يمدّ ها بشرايين دموية،إضافية، جديدة، تدخل في خدمة رسالة الإبداع الإنساني…..!.
إبراهيم اليوسف
elyousef@gmail.com