غصة مغترب
غصة مغترب
وصل إلي منتصف الدرج وضع حقائبه على الأرض والتفت ليرى أمه شبه منهارة وأخته بجانبها تسندها ودموع الفراق تنسكب على وجنتيهما
تحطم قلبه أراد أن يبكي أحس أنه يتمزق من داخله لأنه السبب في ألام أمه, أمه التي كانت دائما قوية والتي كانت دائما تريه من الصلابة ما يقويه على تخطي الصعاب والتي قالت له عندما ودعها كن عند حسن ظني بك, ولا تخيب أملي, وكن رجلا, وعين الله ترعاك ودعائي لن يتوقف بعد رحيلك, لام نفسه, لام نفسه لأنه رأى الصخرة التي كانت تسنده دائما تتحطم فجأة تحت وقع ضربات معوله الذي لم يرحم ضعف أمومتها, ولكنه لم يستطع البكاء والتفت إلى الأمام وحمل حقائبه وتابع صعود الدرج أحس أن الممر الموصل إلى الطائرة طويلا وليس له نهاية ولكنه أخيرا وبعد طول مسير حاملا حقائبه الثقيلة والتي ملأتها له أمه بما تستطيع وصل إلى كرسيه في الطائرة نظر من النافذة لم يرى أمه ولكنه أحس بأنفاسها التي كانت دائما معه فتح كتيبا فيه أدعية السفر, التي قد أعطته إياه أمه, قرأها كلها وكررها ولم يدرك بما حوله حتى رأى أضواء دمشق حبيبته الأموية الصغيرة, الغافية بهدوء على سفح قاسيون والتي لم تكن تدري ماذا يحدث له بدأت تتلاشى شيئا فشيئا مع ارتفاع الطائرة وهنا لم يتمالك نفسه وانفجرت أول دمعة من عينيه معلنة اهتزاز رجولته, فهو تربى على أن الرجل لا يبكي وهو دائما أقوى من الأحداث المحيطة به ولكنه كان وحيدا ولم تكن أمه معه لتربت على كتفيه وهو كطفل صغير يبكي لوعة الفراق وخوفا من المجهول إنه ما يزال في منتصف العشرينات من عمره خطر في باله هل هذا ما يدعونه بربيع العمر أم أنه خريف العمر؟ هو لم يستطع الإجابة, ولكن ما كان متيقنا منه هو أن الطفل في وطنه يجب عليه أن يولد رجلا, وهاهو الفراق قد أخرج الطفل من داخله قسرا, كانت الصور الجميلة عن وطنه تتعاقب في مخيلته هو لم يستطع طوال رحلته الطويلة إلا أن يتذكر كل ما هو جميل في وطنه هو لم يعد يذكر حتى ما سبب قراره للرحيل ولكن الطائرة تابعت شق ظلام الليل الدامس الذي كان مع كل دقيقة يزيد رعبه من المجهول, ما الذي يخبئه له القدر؟ متى سيرى أمه وأبوه وإخوته ثانية؟........ وهل سيراهم ثانية؟ كان مشتتا حائرا ملوعا ترك أمه تبكي وهو ذاهب, إلى أين؟ لايدري وإذا ما حدث معه شيئ فأين سيكون من صدر أمه, وبين تقاذف الأفكار هذه, وفجأة, تذكر نقاشا كان قد جرى بينه وبين صديقه الأعز على قلبه وذلك قبل أيام من رحيله قال له صديقه لماذا أنت مشتت؟ قال له لا أدري لعلي كنت مخطئا حين قررت السفر قال له وما الذي تفعله هنا؟ قال ما يفعله غيري وآلاف هنا مثلي, قال له صديقه بغضب وما الذي تحزن على فراقه؟ حاضر منتج أم مستقبل واعد, قال له أنت لا تفهم أنا أحب وطني فقال له صديقه والأسى يملأ عينيه ومن لا يحب وطنه؟ وقال له كلمة بقي صداها في رأسه لسنوات تلت هو أحسها دائما في داخله ولكنه لم يعرف أن يعبر عنها، كلمة تمنى أن يسمعها معه كل مسؤول في وطنه, قال له يا صديقي صحيح أنك ذاهب إلى الغربة لكن الغربة الحقيقية هي غربة الوطن.