يوسف حمك : إنما الأمور تحسم بخواتمها
2016-08-29
شوقه للسلطة و عثمنة تركيا جعله يتفوق في التهور , و لاختلال التوازن يفوز بالدرجة الأولى . مما نال من حصة الأسد في المشاكل مع أغلب الدول .
ومن رحم عثمنته ولدت تخبطاته السياسية التي أوقعت بلاده في أزمة خانقة - في الداخل والخارج على السواء - و السير في نفق مظلم .....
مما جعلت أمواج الغرور تبتلعه , فأفقد وعيه . ولم يستفق إلا بضربة غدر قوية من صديق الأمس و خصم اليوم / فتح الله كولن / الذي استغل تعثراته الداخلية , و خيباته خارج الحدود . محاولاً اغتيال حكمه الطويل المستند لشرعية لعبة الديمقراطية .
فبادر مهرولاً مذعوراً إلى بوتين يقدم له اعتذاراً مهيناً, ومن ثم مسرعاً مربكاً لمعاودة احتضان نتانياهو من جديد .
بعد استعادة وعيه تذكر فشله الذر يع لمسيرته السياسية خلال نصف عقد أو أكثر بقليل .
( قطع العلاقات مع إسرائيل - التدخل السافر في الشأن المصري و مغازلة الإخوان - تورطه في الأزمة السورية حتى النخاع بتحريض من حلفائه الأمريكيين و الأوربيين الذين خذلوه مصدوماً حينما دعوه وحيداً لمواجهة روسيا , و عدم السماح له بإقامة منطقة عازلة على حدوده ,
ولأشد ما يحز في نفسه و يفقده الصواب هو مساندتهم للمقاتلين الكرد وتقديم الدعم السخي لهم في روج آفا , كما نفي تهمة الإرهاب عنهم .
وشبه تخليهم عن الجيش الحر , و إعطاء الأولوية لمحاربة داعش - لا إسقاط نظام بشار أو تنحيه عن السلطة - .)
وكان أول رد فعل صدر منه اتهام حليفته أمريكا بالوقوف خلف مؤامرة الانقلاب الفاشل و الغضب من الأوربيين لعدم إدانتهم لها , ثم مغازلة بشار الأسد بتفضيل موقفه إزاء المسألة ذاتها مقارنةً بمواقف حلفائه .
وهذا ما جعل بشار يرشق مواقع المقاتلين الكرد في مدينة الحسكة بقذائف طائراته تحرشاً بتلك المغازلة التي ثمنها البقاء في السلطة او المشاركة في الحكم لمرحلة انتقالية ولو إلى حين , أو لبعض الوقت .
لذا فماكان للمتسلطن بد سوى الهرع للحلف الآخر .
فالمنافع الاقتصادية المتبادلة بين تركيا وروسيا , وتطور علاقات الأخيرة مع طهران إلى حد السماح لها بطلعات طائراتها انطلاقاً من أراضيها .
أما لتركيا معهما فاقصى طموحها إيجاد صيغة للحد من نشاط المقاتلين الكرد , وإقامة كيان كردي على حدودها .
وهو مطلب أيراني أيضاً بعد خسارتها لمقاتليها في سورية إلى حد الصدمة , فضلاً عن خسارة حزب الله لمقاتليه ._ الذراع الأقوى لإيران .
فكان لأردوغان أن هدأ من روعه قليلاً بسماح واشنطن له دخول دباباته إلى داخل الأراضي السورية واسترداد جرابلس من داعش ومنحه لمقاتلين موالين له .
وآخذ تطمينات لانسحاب القوات الكردية إلى شرق الفرات .
و لو كان بمقدوره لابتلع المنطقة برمتها لمدة لا تقل عن أربعة قرون قادمة اقتداءاً بأسلافه .
و رغم ذلك لا زال أغلب أقطاب المعارضة العربية يصفقون له ابتهاجاً بكحل أعينهم لرؤية دباباته داخل أراضيهم , و شماتةً بانسحاب القوات الكردية إلى شرق الفرات .
و لا داعي لتذكيرهم بسلبه لواء اسكندرونة العربية .
نعم يعتقد أردوغان و الكثيرون معه أنه تخطى أزماته الخانقة , و نجح في كل خططه .
و كأن ذاكرته تخونه فنسي خدعة حلفائه الاستراتيجيين له , فكيف الوثوق بالجدد ؟
الجميع يخدع الآخر . فمن وراء الكواليس توافقات سرية للغاية بين العملاقين ,
و جهراً الروسي يقترح , و الأمريكي عليها يجري تعديلاً .
فمثلما تجمعهم المنافع , على النقيض تضارب المصالح تفرقهم .
و لا أحد يحترم قراره . الكل يفتقد المسؤولية الأخلاقية , و الثقة متآكلة بينهم , و المصداقية مهزوزة .
و قد يعتقد أردوغان أن معظم الحلول للأزمةالسورية يكمن في ضغطه على إخوان سوريا
, و إيران مع روسيا بالضغط على النظام .
متجاهلاً أو متناسياً إنشاء قواعد أمريكية في مناطق كردستان روج آفا , و اعتمادها على القوات الكردية لدحر مقاتلي داعش و غيرهم , لعدم توغل قواتها البرية نتيجة فشلها في إفغانستان و العراق .
وهذا ما تجعلها تلتفت لتطلعات الكرد انطلاقاً من التقاء مصالح الطرفين , و تنفيذاً لمشروعها الشرق أوسطي الذي آن أوانه .
أو قد يتناسى السلطان و من يوازيه في الحقد على الوجود الكردي على أرضه التاريخية أن الجميع لن ينعموا بالاستقرار , و استتباب الأمن مالم تحل قضية الكرد العادلة شاء ذلك السلطان أو أبى .
الكثير من المدح كاذب , و إطلاق الشعارات فيه العديد من الخدعة . وحدهاالحقيقة التي يستغفل عنها الكثيرون تتضمن : في كل حرب تمزق الحدود , و تقطع أوصال الدول , و الخرائط تعدل .
و بما أن الأمور تحسم بخواتمها فإن الإفراط في التفاؤل بالمقدمات مخيب للآمال غالباً , و للتوازن اختلال , و للنتائج مصدوم .....
فالكيان الكردي مطبوع برماد حرق خريطة سايكس بيكو .
حتى و إن لم يحب السلطان المتعثمن ذلك و يحزنه , أو يتألم محتجاً .
لكنه لاحقاً يتقبل الواقع على مضض كما سبق وأن اعترض على إنشاء إقليم كردستان العراق .
فلم يكتفي بالصمت بعدها فحسب بل عقد اتفاقات اقتصادية و دبلوماسية مع حكومة الإقليم باوسع أبوابها , و بشهوة لا تقل عن حبه للمفاخرة و الغرور .