هـــدف مشتـــرك بيـــن الأســـد وأردوغـــان… الكـــرد أكبر الخاسرين من التدخل التـــركي وموسكو قررت التخلي عنهم

2016-08-29

بعد أكثر من عامين ونصف العام على سقوط بلدة جرابلس السورية قرب الحدود التركية بيد تنظيم داعش انتهت سيطرة الإرهابيين على البلدة في غضون ساعات بعملية نفذتها قوات خاصة من الجيش التركي ومئات من مقاتلي الجيش السوري الحر.
 
وقالت الأرملة أم خالد من سكان البلدة ان عناصر داعش “كلهم تقريبا هربوا قبل ثلاثة ايام على عملية تحريرها باستثناء بعض الأتباع واثنين من الأجانب”، واضافت “كنا نعرف ان شيئاً سيحدث”.
 
واعتبر مراقبون ان توغل القوات التركية في شمال سوريا ينبئ بانعطاف في الحرب وحدوث تغيرات مفاجئة في التحالفات المعقدة في المنطقة حيث أصبح حلفاء الأمس خصوماً فيما اكتشف أعداء الداء ان مصالح مشتركة تجمع بينهم.
 
وحين اتخذت الدبابات التركية مواقعها على مرتفع غرب جرابلس بدأت اطلاق النار على فلول داعش ، وفي الوقت نفسه على مقاتلين آخرين كانوا هم ايضاً يحاولون تحرير البلدة من داعش، أي القوات الكردية التي كانت تتقدم على البلدة من الجنوب، وكان نجاح الاتراك مزدوجا بنظرهم، فهم استهدفوا داعش الذي كان وراء مقتل أكثر من 50 شخصاً في هجوم انتحاري استهدف حفل زفاف في غازي عنتاب ، ومن الجهة الأخرى تمكنوا من ضرب الاكراد لمنعهم من بسط سيطرتهم على رقعة ارض متصلة جغرافياً على امتداد شمال سوريا.
 
بين روسيا وأميركا وتتمثل المفارقة هنا في ان تركيا، عضو حلف الأطلسي تركز على محاربة الاكراد فيما يريد حلفاؤها الاميركيون محاربة داعش بدعم هؤلاء الأكراد أنفسهم الذين تحاربهم حليفتهم الأطلسية، من جهة أخرى انهار التحالف الذي كان قائماً بين القيادات الكردية ونظام الأسد في الحسكة حيث قصفت طائرات النظام مواقع الأكراد لأول مرة منذ خمس سنوات.
 
وفي هذه الاثناء تريد روسيا بدعمها نظام الأسد أن تثبت للغرب انها قوة دولية ذات نفوذ في منطقة استراتيجية، وما الاحتياج التركي إلا الدليل الأحدث على تغير التحالفات المصلحية التي يستخدمها الجميع لخدمة مآربهم، واسفر هذا كله عن تحويل سوريا الى ساحة قتال لا يمكن التنبؤ بمآلاته.
 
لم تحدث الضربات الجوية التي نفذها الطيران الحربي السوري على الأكراد في الحسكة تغيرا يُذكر على الأرض ولكنها قلبت موزاين كانت قائمة. فرغم العداء المستحكم بين انقرة والنظام السوري وجد الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ان الضربات الجوية السورية ضد الأكراد تجمعه مع الأسد على هدف مشترك. ونقلت مجلة شبيغل عن قيادي في حزب العدالة والتنمية بزعامة اردوغان قوله “ان الأسد في النهاية سفاح ويعذب شعبه ولكنه لا يؤيد منح الأكراد حكماً ذاتياً. فنحن نمقت احدنا الآخر ولكننا في هذا الشأن ننتهج سياسات متشابهة”.
 
هجمات الأسد ومهدت هجمات الأسد على الأكراد طريق التقارب بين القيادتين التركية والروسية حول القضية السورية. وأسهم البرود بين اردوغان والغرب بقسطه في جعل روسيا حليفة محتملة لتركيا، وخاصة بعد المحاولة الانقلابية واتهام اردوغان للولايات المتحدة بالضلوع فيها.
 
ويهدف دعم روسيا للأسد وتصوير بقائه على انه دليل نجاح استراتيجيتها التدخلية في النزاع السوري، الى دفع تركيا لقبول حكومة انتقالية بقيادة الأسد الذي يريد البقاء رغم كل شيء. وبذلك ستكون روسيا في موقع يتيح لها الاستعاضة عنه بجنرال يسمع كلمتها. وسيفتح هذا طريق التوصل الى اتفاق دولي يتضمن تحميل الغرب كلفة إعادة بناء ما دمرته الحرب ورحيل روسيا عن سوريا.
 
وسيكون تنفيذ هذه الخطة أسهل بدعم تركيا لها ويبدو ان مثل هذا الدعم لن يتأخر.
 
إذ اعلن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم ان تركيا ستقبل بحكومة انتقالية يكون للأسد دور فيها. وتتضمن الصفقة تنازلات تُقدَّم الى تركيا مقابل موافقة انقرة على بقاء الأسد في المرحلة الانتقالية.
 
وكان الأكراد يراهنون على ان يكونوا اللاعب الأذكى في التحالفات التكتيكية المتغيرة، ولكن رهانهم كان على ما يبدو خاسرا. إضافة الى ان علاقاتهم تردت مع الولايات المتحدة رغم كونهم أقوى حلفاء واشنطن في المعركة ضد داعش، فالأكراد بعد طرد داعش من معاقل له شمال سوريا لم يوجهوا اهتمامهم ، حسب الاتفاق مع الاميركيين ، نحو مدينة الرقة عاصمة داعش بل اختاروا التقدم في الاتجاه المعاكس لطرد داعش من منبج العربية ومواصلة التقدم شمالا نحو جرابلس ذات الأغلبية العربية ايضاً. وترى تركيا ان مواصلة الأكراد تقدمهم غرب الفرات خط احمر ومن هنا اسم “درع الفرات” الذي اطلقه الجيش التركي على عملية توغل دباباته شمال سوريا.
 
وعلى الغرار نفسه فإن الولايات المتحدة لا تريد ان يستمر الأكراد في السيطرة على بلدات عربية. وقال مسؤول اميركي لصحيفة وول ستريت جورنال “اننا وضعنا حدا لتقدم الأكراد شمالا أو على الأقل توقفهم إذا كانوا يريدون أي دعم منا ، واعتقد ان هذه ورقة ضغط قوية”.
 
كما تلقت العملية التركية في جرابلس اسناداً جوياً اميركياً ، ويُعتقد ان قوات خاصة اميركية شاركت فيها. والأكثر من ذلك ان نائب الرئيس الاميركي جو بايدن هبط في انقرة بعد ساعات على العملية لتخفيف حدة التوتر بينهما.
 
ولكن ما حدث ان الاميركيين وجدوا أنفسهم يدعمون طرفين يتبادلان اطلاق النار على احدهما الآخر. حسابات خاطئة ويبدو ان الطرف الكردي وتحديدا حزب العمال الكردستاني ، اخطأ الحساب بعد ان راهن على استغلال معركة الاميركيين والروس ضد داعش لاقامة كيان كردي في شمال سوريا.
 
وكانت روسيا سعيدة بإستخدام الأكراد ضد الاتراك ولكن بعدما حققت موسكو هدفها بالتقارب مع انقرة يبدو انها قررت الآن التخلي عن الأكراد، كما يتضح من الضربات الجوية التي نفذها طيران النظام السوري ضدهم.
 
وجه المتحدث باسم القيادة العسكرية الكردية في منبج شيروان درويش تهديدا الى تركيا حين قال في مقابلة مع مجلة شبيغل “اننا اقمنا خطوطاً دفاعية على نهر الفرات وسندافع عن أنفسنا ضد كل من يقترب من هذا الخط الذي رُسم بدم شهدائنا”.
 
ولكن غالبية السكان الذين نزحوا من جرابلس العربية ينظرون الى الوضع نظرة مغايرة، وقال السياسي المحلي درويش خليفة ان من يحرر منطقة لا يعني انها تصبح ملكه لاحقاً. واضاف لمجلة شبيغل “ان غالبية السكان هنا مع الجيش السوري الحر ضد الأسد ونأمل بأن يفهم اخوتنا الأكراد ذلك ولا يبدأون القتال ضدنا”.
 
وقال احمد عبد الحسيني عضو مجلس مدينة جرابلس السابق ان سكان البلدة يريدون العودة الى بيوتهم ما ان يهدأ الوضع. واضاف ان اول خطوة سيقوم بها المجلس هي تقييم الأضرار ثم اللقاء مع منظمات انسانية دولية لتحديد الاحتياجات.
 
يبدو في ضوء التطورات الأخيرة ان الروس أكبر الرابحين والأكراد أكبر الخاسرين.
 
توقف القتال في الحسكة حيث بدأت المواجهة واتفق ممثلو النظام السوري ووحدات حماية الشعب الكردية على انهاء الاشتباكات. والأكثر من ذلك سيُعاد فتح الطريق الوحيد المؤدي الى القامشلي.
 
وما زال جيش النظام السوري يسيطر على جزء من المدينة بالاضافة الى مطارها، وجرت المفاوضات لوقف القتال في قاعدة خميميم الجوية الروسية. وفي هذه القاعدة يجري نظام الأسد محادثات مع مجموعات سورية من كل صنف، تحت رقابة الروس الشديدة
.
ايلاف/ مجلة شبيغل الألمانية