جان كورد : الكورد والخيارات المطروحة لهم في سوريا

2016-08-11

لن أطيل عليكم هذه المرة، حيث هناك الكثير مما يجب أن نقرأه جميعاً، من الدراسات والمقابلات والبحوث التي يكتبها الخبراء والعالمون ببواطن الأمور، حتى نفهم جيداً أين نقف نحن الكورد وسط هذه الزوبعة العظيمة في سوريا. وقد يستغرب بعض السوريين ويقولون: "لماذا أنت تقزّم المسألة في الخاص الكورديفي معظم الأحيان ولا تتحدث عن العام السوري فيما تكتبه"،
فأقول لهؤلاء الأصدقاء والمعارف بأنه لو اعتبرتم قضية الشعب الكوردي جزءاً من قضاياكم الوطنية لما حصرنا أنفسنا في هذه الزاوية من البيت السوري، بل حتى الديموقراطيون منكم لا يزالون ينظرون لقضية الشعب الكورديك"إسرائيل ثانية" في المنطقة، وهذا ما نراه جلياً في تصريحات العديد من "زعماء المعارضة السورية"... والموضوع يحتاج لمقالات ولقاءات لتوضيح ما نقصده هنا... والآن إلى خيارات الكورد السوريين المطروحة:
أولاً -يقول السياسي الكوردي العريق الأستاذ عبد الحميد حاج درويش (أقدم أمين عام لحزب سياسي "ديموقراطي" في العالم) في مقابلة له مع محطة تلفزيون "سورويو" للمكون المسيحي في سوريا (تبث من السويد) بأنه نادم لعدم قبوله دعوة الرئيس السوري بشار الأسد في بداية اندلاع الثورة السورية للقائه، وأن نائب الرئيس قد قال له بأن معلمه كان يأمل منه قبول الدعوة. 
حقاً، لو لم تتعثر الثورة السورية في السنوات الأخيرة، لما ذكر الأستاذ عبد الحميد حاج درويش-حسب رأيي- أنه "نادم"، بل لسجّل رفضه في دفتر ذكرياته السياسية للقاء الأسد كخطوة صحيحة في اتجاه انتصار الديموقراطية على الدكتاتورية، وأظن أن كثيرين من قادة الحركة الوطنية الكوردية في غرب كوردستان لا يختلفون في موقفهم الآن عن موقف الأستاذ عبد الحميد، إلاّ أنهم لا يذكرون لنا عما إذا كان الأسد أو نائبه أو أحد أفراد بطانته قد دعاهم أيضاً للقاءٍ يتباحثون فيه معهم حول الأوضاع العامة في سوريا التي بدأت تغلي كالمرجل وموقف الكورد، وقد تظهر لنا الحقيقة مستقبلاً وسنعلم أو قد سيعلم أحفادنا عما إذا كانت هناك لقاءات بين زعمائنا والسلطة الأسدية في المرحلة الأولى من الثورة. 
ولكن... المتتبع لمجريات الأحداث والوقائع السورية يدرك تماماً أن العلاقة مع النظام، ومنها علاقة الأستاذ عبد الحميد حاج درويش وحزبه، بشكل خاص، وكذلك علاقة بعض الأحزاب الأخرى، لم تثمر مطلقاً ولم تحقق أهداف الحركة الوطنية الكوردية، بل ساهمت في استمرارية سياسة قمع واضطهاد شعبنا، منذ أن أرسل السيد رئيس الدولة (لفترة انتقالية مدة 4 شهور) أحمد الحسن الخطيب في عام 1970 مبعوثاً كوردياًله من جبل الأكراد إلى بغداد لإقناع السيدين، المرحوم رشيد حمو وعبد الحميد درويش بالعودة إلى سوريا، حيث كانا يقضيان فترةً من الزمن هناك، بعد انتهاء المؤتمر الوطني الأوّل للحركة الكوردية السورية الذي انعقد في إقليم جنوب كوردستان في (ناوبردان) برعاية القائد الخالد مصطفى البارزاني، وتضمنت دعوة العودة إلى سوريا الاتصال بنظام الحركة التصحيحية للتباحث حول "المطالب القومية الكوردية"، وذلك بهدف عدم استغلال تواجدهما في العراق من قبل بعث العراق ونظام صدام حسين المعادي للأسد، ثم تخلت عنهما "الحركة التصحيحية" بعد عودتهما وكأن أحداً لم يرجو مجيئهما إلى البلاد. ورغم ذلك، فإن خيار التواصل مع نظام الأسد كان "السهل الممتع" للعديد من قيادات أحزابنا القومية الكوردية، منذ عام 1970 وإلى اندلاع الثورة السورية قبل 5 سنوات.
واليوم، نجد قادة حزب العمال الكوردستاني يشيدون بالتنسيق علناً، في معارك منبج وحلب، بين الفرع السوري لحزبهم (حزب الاتحاد الديموقراطي) و"العلويين" والنظام الأسدي، ويظهر هذا جيداً في تصريحات القادة العماليين الأخيرة، وبخاصة صبري أوك ورضا آلتون، كما أن ما يجري في ساحات القتال يثبت أنه لم يعد ثمة خط ثالث في سوريا كما كان يزعم السيدان صالح مسلم وآلدار خليل، وإنما هناك خط النظام وخط الثورة السورية، والسوريون يعلمون جيداً أن علاقة متينة بين ما يسمى ب"قوات سوريا الديموقراطية" و"قوات الأسد + المليشيات الشيعية المختلفة" في شمال سوريا موجودة حقاً. 
هذا يعني أن أحد الخيارات المطروحة أمام السياسيين الكورد، هو التعاون والتنسيق والعمل مع النظام الدموي الذي تسبب حتى الآن بنسف البنية التحتية للبلاد وتدمر القدرات الدفاعية للجيش السوري في معارك داخلية وضرب الوحدة الوطنية للشعب السوري، وتعذّيب وقتل أكثر من نصف مليون مواطن، في أغلبهم النساء والأطفال وكبار السن، وتشريد وتهجير أكثر من ثلث الشعب السوري. وأعاد البلاد 50 عاماً إلى الوراء وإرهاق كاهل الشعب بالديون لأجيالٍ عديدة، وخاصةً بعد أن ظهر التنسيق العلني بين حزب "الخط الثالث!" ونظام "الخط الأوّل"، فهل يقبل الشعب الكورديبأن تسوقه زعاماته السياسية مثل قطيع من الغنم صوب الحظيرة الأسدية من جديد؟ 
ثانياً –الخيار المطروح هنا، هو الالتحام بقوى الثورة والمعارضة السورية، التي تتشابك فيها أحياناً مصالح وعلاقات وجبهات البعثيين المنشقين عن نظام الأسد والإسلاميين المتطرفين "قومياً" والإرهابيين المعادين للكورد جملةً وتفصيلاً، بل منهم من يعتبر الشعب الكوردي، المسلم السني في غالبيته العظمى، "مرتداً" عن الإسلام... وقد انضمت أحزاب "المجلس الوطني الكوردي" إلى هذا الحلف من مدخل ما يسمى بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، على أمل التنسيق مع القوى الديموقراطية والوطنية السورية والمساهمة في ما تنجزه لسوريا المستقبل دستورياً وعملياً، وتغض قيادات أحزابنا النظر عن كثير من التصريحات العنصرية العلنية التي تصدر من شخصيات وفئات تحارب الشعب الكوردي أكثر من حربها على نظام الأسد، وتبرير "غض النظر" هذا في بيانات المجلس وتصريحات رؤسائه ونوابه في "الائتلاف" لا يقنع حتى حمار الطاحون كما يقال.
بالتأكيد، إن حل القضية الكوردية في سوريا لن يتم دون التعامل والتفاعل المتين بين الحراك السياسي – الثقافي الكوردي والقوى الديموقراطية والوطنية السورية، وهذا يحتاج إلى زمن وإلى مرحلة بناء الثقة المتبادلة والاعتراف بالمخالف ديموقراطياً وتعزيز التفاهم بين المكونات القومية والدينية والطائفية المختلفة في البلاد والسعي لإيجاد قاعدة صلدة للتعاون المستقبلي والتوافق الوطني يمكن صياغة دستورٍ سوري حديث عليها. 
إلاّ أن هذا الخيار يضعف أيضاً كالخيار الأوّل بسبب أن معظم القوى الديموقراطية والوطنية والإسلامية السورية لا تستطيع الخروج من إطار تبعيتها للدول الإقليمية، وفي مقدمتها حكومة "حزب العدالة والتنمية" التركية التي تسعى لفرض هيمنتها السياسية على كل الحراك السياسي السوري، من خلال افساح المجال له بالعمل في تركيا وتقديم بعض المساعدات البسيطة له بهدف احتوائه جميعاً واخضاعه لمخططها التنافسي مع إيران، وهذا يتم بالتنسيق مع دول عربية سنية بلا شك. بمعنى أن أي اقتراب للقوى الديموقراطية والوطنية السورية من حلٍ (ولو جزئي) للقضية الكوردية في سوريا سيتم نسفه من قبل المرتبطين من أعناقهم بالحكومة التركية التي تعتبر أي حراكٍ قومي كوردي وأي سياسةٍ كوردية"تنظيماً إرهابياً"، مهما كانت معتدلة، بل إن البعض من القادة السوريين في المعارضة يبدي رأيه السلبي تجاه الكورد إرضاءً لأسياده في أنقره وليس عن قناعة شخصية بما يقوله.
ثالثاً – ولذا، لا بد من اللجوء إلى الخيار الثالث، وبخاصة فإن أعداء الكورد مستعدين لتدمير المدن الكوردية كما حدث في (كوباني) ونسفها بالمتفجرات كما حدث في (قامشلو)، أو في انكار كونها "كوردية" كما يزعم بعض الزعماء في "فيدرالية شمال سوريا" ومن وراءها، ومحاولة تعريبها بالكامل من خلال دفع الآلاف من العوائل العربية للسكن فيها كما يحدث في (عفرين) بذريعة الهروب من قوات الأسد... وهذا الخيار الثالث هو في اتحاد قوى الشعب الكوردي مستقلةً عن (خط النظام) و عن (خط التبعية الإقليمية)، بأن يبني الكورد جبهتهم الداخلية ويعززوها بوحدة قواهم القتالية، حيث سقطت خرافة أن وجود قوتين عسكريتين في غرب كوردستان سيؤدي إلى صراعات مسلحة كما جرى في جنوب كوردستان سابقاً، وعلى هذا الأساس يرفض الآبوجيون عودة بيشمركة غرب كوردستان إلى مواطنهم، وهم بالآلاف، فلماذا شكّل حزب الاتحاد الديموقراطي "قوات سوريا الديموقراطية" وهناك "الجيش السوري الحر" المتشكل قبل هذه القوات بسنوات؟ لماذا لا تحدث مجابهات عسكرية بينهما؟ بل كان بينهما تعاون في (كوباني) ضد تنظيم الدولة (داعش)، ولماذا لم تنضم "وحدات حماية الشعب" (و.ح.ش.) إلى الجيش السوري الحر الذي يسعى لبناء "سوريا ديموقراطية" أيضاً، عوضاً عن تشكيل "قوات سوريا الديموقراطية"؟ 
هذا الخيار الثالث يفتح الباب أمام علاقة "سياسية" جادة ومتينة وقوية مع العالم الخارجي، ولا يهمل التنسيق والتعاون مع الفصائل الديموقراطية والوطنية السورية، ولا يرتمي في أحضان النظام الذي هلك الحرث والنسل في سوريا، ويمكن تطوير هذه العلاقة من خلال التواجد الزخم للناشطين الكورد في شتى أنحاء العالم الحر الديموقراطي، وذلك بأن ندفعهم ونشجعهم على عقد مؤتمر وطني لناشطي غرب كوردستان في إحدى الدول الأوروبية، يفرض على محتكري السياسة الكورديةوالمتأرجحين بين النظام وقوى الثورة السورية خيار العمل الديموقراطي الكوردستاني الذي لا يقصي أي طرف من السياسات الكوردية المتواجدة في الداخل والخارج ويسعى لبناء القدرات القومية المختلفة وفق جدول زمني محدد، ومن البديهي أن يسعى أصحاب هذا الخيار إلى الاستفادة من خبرات القوى الكوردستانية ومساهماتها في تقريب وجهات نظر الحركات والأحزاب والشخصيات الكوردية في غرب كوردستان، وبخاصة الجهود المشكورة والدعم التام من قبل رئاسة إقليم جنوب كوردستان المتواصلة وقيادتي الحزب الديموقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني الكوردستاني في السنوات الأخيرة.