شفان ابراهيم : في ذكرى تأسيس أول حزب كوردي في سوريا

2016-06-17

ثمة سستمة سياسية وتنظيمية وفكرية تعيشها معظم شعوب الشرق قاطبة, وحتى بعد مئوية سايكس بيكو, وقبلها انهيار سور برلين, وتفكك الاتحاد السوفياتي, والموجة الثالثة للتحول الديمقراطي, وووصل رياح التحول والحرية  إلى  الشرق, إلا أن الضغط والقسر كسلوك ممنهج من قبل الأنظمة لا تزال هي هيّ, تتكرر وإن بلوحات تجميلية تارة,
أو بمسميات تشغيفية تارة أخرى. لكن ما تتشارك به الشعوب في الشرق إنها تتعرض للموجة ذاتها من محاولات الانفلات الخلقي  وخلخلة البنى السليمة للشعوب, وفرض حالة القلق والاكتئاب والخوف. 
كوردياً لا يفترق الوضع عن غيره, فلا النخب الحاكمة, ولا الفئات الأكثر تأثيرا في الوسط, ولا من يمتلك إمكانيات التغيير أو مجرد الإجهاد في سبيل التبديل, قد استلمت زمام مبادرة التغيير المطلوبة, فالحركة السياسية الكوردية بكل ثقلها وإرثها النضالي والتاريخي, وأصعب الظروف التي عملت بها للمطالبة بالحقوق المشروعة للكورد, لم تتنازل للتأسيس لمرحلة المأسسة الفكرية والمعرفية, لأسباب يعرفها جيداً من يمنعها.
ففي النُبذ الكثيرة التي نُشرت عن سيرة وتاريخ الحركة السياسية الكوردية في سوريا, كحركة طليعة تقود الشارع الكوردي في سوريا, كانت الهموم تتشابه, والآلام تتقاطع على الرغم من تباعد أطراف الحركة الكوردية حتى قبيل 2011, وبدأ التقارب الشكلي تارة والعملي تارة والبراغماتي تارة أخرى. على الرغم من كل شيء فقد بادر الكورد وكانوا السباقين على تشكيل تنظيمات كوردية مستقلة عن فكر وممارسات الأحزاب الحاكمة في سوريا, وبعيدة عن مصدر إلهام شيوعي أو غيره في تلك الفترات, فكانت تجمعات وأحزاب سياسية حزبية أو ثقافية  بعد أن فجر كوكبة من المناضلين الكورد مفاجئة من العيار الثقيل سنة1957, حيث كانت تلك الفترة بمثابة الانتحار السياسي لدى عموم الساسة والمثقفين السوريين في تلك الظروف والمواجهة مع الشراسة في ردة فعل النظام السوري آن ذاك على تأسيس التنظيم السياسي الكوردي. بعد تلك الفترة الموشومة بشعار تحرير وتوحيد كوردستان, اضطر الكورد  إلى  تغيير سياستهم والاتفاق على برنامج عمل سياسي جديد, خاصة بعد اعتقال جميع القيادات والكوادر المتقدمة في الحزب, وبعد تعرض الحزب الأم للانشقاق وتتالي الانشقاقات حتى اليوم.
اليوم تحتفل الأحزاب الكوردية في سوريا بذكرى تأسيس أول حزب كوردي في سوريا, ولا تزال أغلب شعارات وبنود وتطلعات ورغبات الأحزاب الكوردية غير مكتملة وغير مطبقة بالشكل المطلوب, الاحتفال يتم على عدة جبهات, وفي عدة أمكان, وبعدة شعارات, وبرسائل مختلفة, حول أول تنظيم سياسي, وعلى الرغم من أن المجلس الكوردي بجميع أحزابه ومنظماته الشبابية والنسائية ومستقليه قد قرر الاحتفال, إلا أنه ثمة احتفالات أخرى وفي مواقيت مختلفة. 
وبعد اقتراب الحلم الكوردي من تحقيقه كمخرج طبيعي لمخرجات الاتفاقيات الدولية, لا يزال  وللأسف هناك من لم يتعظ بعد من التاريخ ودروسه, عبر طرح مشاريع ذات عناوين وطنية مبهمة أكثر منها قومية, بحجة ضرورة انتفاء الحالة القومية والركون للنظريات العابرة للوطنية والمقصية للقومية.
بعد100 عام على بدء الحرب العالمية الأولى, اخذ الكوردي يتساءل كيف كانت تلك الحرب ترتبط بالكورد في الوقت الحالي على صعيد النتائج والمُستجدات؟ ولعل الإجابة تكمن في أن الكورد وخلال /30/ يوم من هذا العام مروا بمناسبتين منفصلتين من حيث الأهمية الإقليمية والدولية, ومتداخلتين لجهة دورهما في التراكم السياسي والمعرفي والتأثير المستقبلي,  لكن دون أي جديد, ودون أي دور هام أو تأثير محوري في المستجدات الدولية حتى اللحظة, وكأننا فعلاً ككورد في سوريا نعيش على الهامش, ونعيش ضمن حواشي متنّ الأخرين.
 هاتين المناسبتين منذ منتصف أيار الماضي حيث ذكرى مئوية سايكس بيكو, وفي حزيران الجاري الذكرى الـــ(59) لميلاد أول حزب كوردي في سوريا. للأسف بعد مئة عام على العزلة لم نستفد حتى اليوم من تجارب الماضي, فالاقتتال الكوردي /الكوردي مُنذر به في أي لحظة, خاصة إن لم يعد الاقتتال مقتصراً على الاقتتال بمعناه المباشر, وما نزال نموت في سبيل الآخرين, ولا يزال شعار "الشباب أمل المستقبل" دون أي تطبيق, دون أي مستقبل, والأجمل أنه بات شعاراً دون أي شباب, ولا يزال الهم الكوردي يكبر ليكون أكبر من حامله, ولا تزال الجماهير تنتظر من الحامل الجمعي للمشروع القومي في سوريا التحرك بمرونة أكثر, والخروج من عنق الزجاجة ولو تنظيمياً. 
أمضى الكورد100عام في ظل اتفاقية مشئومة قسمت كوردستان, واليوم يُحيون ذكرى ميلاد أول حزب سياسي كوردي في سوريا, ولا يزال حتى هذه اللحظة الاتفاق على ابسط آليات الخطاب الكوردي مفقودة, ثم يُفقَدّ الخطاب ذاته في متاهات التمييع والتصدير الأزماتي. لكن في كِلا المناسبتين فإن الكورد يُحيون المناسبات بطريقة الذكريات, دون الاستناد على نظام ديمقراطي وحقوق الإنسان كأساس للبنية السياسية, وللأسف فإن هذه النقائص لا تنحصر على المستوى التنظيمي السياسي فقط, بل تغلغلت في جميع مفاصل وأنحاء المجتمع الكوردي. لو أمتلك الكورد  اليوم, نقطة الانطلاقة الأولى لوضع أسس نظام حزبي رصين لربما كان لهم شأن أخر في الوسط السوري. 
لا يمكن إغفال ما صنعه البعث في سوريا عبر مراسيمه وقراراته وغيرها, وما عاناه ولاقاه الكورد جراء السياسات الشوفينية المطبقة بحقه, ومع أن معاناته كانت مزدوجة, إلا أن المُسلم به أيضاَ اليوم أن الزجَّ بكل النواقص الكوردية كانت أشبه بمتلازمة استكهولم. الساحة مفتوحة للجميع منذ 2011, لكن العقول المتفتحة باتت أزمة تصيب الوضعية الكوردية. فالحزب الحاكم في كوردستان سوريا, سيكون الحزب المالك للنخب والكفاءات والعقول الكوردية....