د . محمود عباس : هدنة الأمل والنفاق

2016-02-28

 الهدنة في سوريا طموح كل أنسان نبيل، وهدف كل وطني، والمعلنة عنها رغم أنها محشوة بالنفاق، تتقبلها الأغلبية وساكتة عليها، وذلك لما آلت إليها حياتهم، الوضع الذي أراده نظام بشار الأسد، للديمومة والبقاء، دون الاكتراث بالأنقاض والأشلاء. الهدنة تعكس حقائق مؤلمة، ليست بالصعوبة ملاحظتها، وهي واضحة بين خطوط البيان الصادر،
والتي تعيد الشعب والحركة الوطنية إلى المربع الأمني في ظل سلطة بشار الأسد قبل الثورة، وتضيف عليها لوثة المنظمات التكفيرية الإسلامية، كاتهام لكل من لا يقبل بسلطة بشار الأسد وطغيانه، فمن خلال ثقوب البيان سيكون من السهل أدراج كل وطني تحت مظلة الإرهاب ليس فقط من قبل روسيا بل ومن أمريكا أيضا، وهنا تكمن الطامة، لأن الكل يجب أن يجند ذاته لخدمة أجنداتها،  والتي لا علاقة لها بأسقاط النظام، أو السكوت وقبول نظام بشار الأسد، تحت المظلات المتنوعة، حكومة انتقالية، أو وطنية، أو انتخابات قادمة، وغيرها.
 
 ولا يستبعد أن تقوم بعض أطراف المعارضة الوطنية بالوقوف ضدها، وسيستغلها الانتهازيون وأدوات السلطة لإثبات صفة الإرهاب عليهم، وتعود سوريا إلى نفس مرحلة الخباثة الأولى، حينما أسقطت سلطة بشار الأسد على سوريا الكوارث بدعم الأشرار، وساعدت جحافل التكفيريين المسلمين السياسيين، لخلق الصراع الملائم لأهدافها. المؤامرة التي على عتباتها تصاعدت شرور الطرفين، إلى أن أصبح الشعب السوري يبحث عن النجاة مع الأباليس، ولذلك فالهدنة اسمها كافية لتؤثر على مشاعر الناس وترضيهم، وتحصل على موافقة الجميع بدون اعتراض، علما أن القوى التي لا تريد الخير لسوريا وشعوبها ستمر من خلال الثقوب والأبواب الفاضحة فيها، للعبث بها وديمومة الصراع، والاقتتال، والتي سوف لن تنتهي ببقاء طرف دون آخر، الأسد والتكفيريين، والجميع يدرك أن الثاني أوسع من منظمتي داعش والنصرة، والثاني تتجاوز الشخصيات الظاهرة على الإعلام، فالطرفان يمثلان النظام الفاسد الذي طالب رواد الثورة السورية بإسقاطها.
 
   تتوضح للولايات المتحدة الأمريكية، على خلفية المباحثات الطويلة مع روسيا، استراتيجية طالما عملت على لم شذراتها، ساعدتها ظهور داعش وتوسعها، وسلطة بشار الأسد وجرائمه، وتعاملت على بنيتها مع القوى الإقليمية، ليبلغ وروسيا إلى اتفاق، علما أن روسيا أجنداتها كانت واضحة منذ السنة الأولى للثورة السورية، ولهذا كانت تصريحات الأخيرة أكثر ثباتا من الأولى، والمهم هنا بالنسبة للشعب السوري هو اتفاقهما الأخير، إصدار بيان الهدنة، مستندين على القرارات الصادرة من بيان ميونيخ في أل 11 من شهر شباط، لمجموعة الدول الصديقة للشعب السوري، والتي يجب تنفيذها بدءً من منتصف أل 27 من الشهر نفسه، والتي يتنمى نجاحها الأغلبية من الشعب السوري.
 
 لا شك أن الهدنة حلم السوريين، منذ انتقال الثورة إلى حرب أهلية وطائفية، رغم ما تتضمنه من توجه واضح وفاضح لمساعدة بشار الأسد، ولا تضع خطة واسعة للقضاء على داعش والنصرة، فالهدنة وبناءً على بند (استمرار الضربات الجوية) وفقرات أخرى ملثومه بهيكليتها وشروطها.
 
1-   تمكنت روسيا على أسسها من الحفاظ على سلطة بشار الأسد، وبكل هيئتها ومواليها والذين يساندونها من الجوار، ولم تسمح بفرز القوى الوطنية من المنظمات الإرهابية، وخرج بشار الأسد نقيا، يصارع الإرهاب، وغيب عن التاريخ بشائعه بحق الشعب السوري.
 
2-    والأمريكيون استطاعوا توجيه الجميع إلى حيث ترغب، وهي محاربة داعش دون السلطة، بدءً من المعارضة السياسية الخارجية والتي أغلبيتها انتهازية، أو نابعة من حضن السلطة ذاتها، ، بسكوتهم على الأقل، إلى السعودية وبعض القوى السنية الأخرى، علما أن معظم المحللين والمراقبين يؤكدون أنه لا نهاية لداعش والنصرة مع بقاء سلطة بشار الأسد، فالطرفان يمثلان الإرهابين السني والشيعي السياسي، يلتقيان ويتناطحان ويدعمان بعضهم حسب الظروف والمصالح، وهنا غيبت أمريكا القوى الوطنية في سوريا، تماشيا مع أجنداتها ورغبة روسيا، حيث مصلحة بشار الأسد.
 
تحديد الحرب، على المنظمتين، مع بقاء بشار الأسد وحاشيته بدون محاكمة دولية، كارثة، لأنهما سيستمران في العبث بسوريا، وبالشعوب والطوائف، مادامت السلطة التي استفادت من وجودهما مثلما لم تسفد من قواتها المسلحة ولا من  حزب الله، ستحافظ على وجودهما لأي طارئ، إلى أن يستقر به المقام على السلطة ثانية، مع الحكومة الانتقالية أو الوطنية المطالبة بها، ومعظم المحللين والخبراء السياسيين والتابعين لتاريخ المنظمتين يؤكدان على أنه وإيران كانا وراء ظهورهما على الساحتين السورية والعراقية سابقاً، ودعمتهما بأشكال وطرق متنوعة، باقية وتستفيد من وجودهما، فغيابهما تعني العودة إلى المربع الأول من الثورة، أي السلطة والشعب، وهي ما لا تحبذه سلطة بشار الأسد ومن والاه. ولا يستبعد أن هذا التوجه قد توحدهما، وتؤدي إلى انضمام جماعات من المنظمات الأخرى والتي هي محسوبة على المعارضة، لكنها في عمقها إسلامية تكفيرية، وترفض أي تعامل مع غير السني، ونستثني هنا الإشكالية التي تتكون عليها أغلبية قاعدة هاتين المنظمتين المغرورين بهم، لجهالة وسذاجة وغيرها، والقيادات التي تسيرهما وتتبع الأجندات الدولية.
 
  المسيرة طويلة، والمشاكل عديدة، والكارثة اضخم من أن يتحملها شعب وحكومة بل ودول، تواجهها الشعب السوري، قبل الدول التي تراقب مسيرة الهدنة، والمراحل اللاحقة، وأولها، قضية العودة واللاجئين، ولا نتحدث عن البناء والسكن والمأوى والمساعدات الإنسانية، فهي من القضايا التي ستندرج ضمن الأروقة والمؤتمرات الدولية، وستحتاج إلى عقود ولربما قرن من الزمن لحلها، لكن العودة والثقة التي يجب أن يشعر بها المواطن، بأنه في أمان، هل ستخلقها هذه الهدنة خلال المرحلة الانتقالية وحتى في السنوات القادمة، خاصة والشرور المحيطة بكل سوريا، والأشرار العابثون فيها، وبقاء السلطة التي دمرت سوريا من أجل الديمومة؟ كلمة هل؟  ستتكرر على مدى العقود القادمة، فمن هو الذي يستطيع حل هذه الكارثة الإنسانية بصدق، وإخلاص، ومن هو القادر عليها فعلا؟
 
د. محمود عباس
 
الولايات المتحدة الأمريكية
 
mamokurda@gmail.com
 
2/24/2016