دلوفان سلو : الكُرد وأزمة التفاوض

2016-01-18

        لا يستطيع أحد من السوريين أن ينكر أن الكُرد السوريين كانوا يعانون أضعافا مضاعفة من سياسات النظام البعثي من باقي أقرانهم السوريين, وتجلى ذلك في العديد من الإجراءات القمعية تجاههم كالاستيطان العربي بالحزام العربي على مناطقهم وذلك بناء على توصيات أحد منظريهم محمد طلب هلال في ستينيات القرن الفائت, وكذلك سحب الجنسية السورية من الآلاف منهم وكان بينهم حينذاك وزراء كُرد في الحكومة السورية سحبت منهم الجنسية,
وأيضا عدم تبوء أي أحد منهم لمناصب قيادية في الدولة السورية بمختلف مؤسساتها وخاصة العسكرية والأمنية, وهذا ما خلق نتائج سلبية جدا بحق هذا المكون السوري الأصيل ومنها جهل غالبية السوريين لإخوتهم الكرد السوريين وتاريخهم وثقافتهم ووزنهم السكاني والاجتماعي, كما خلق نوعاً من الطبقية في المواطنة السورية, وهذا تماما ماكان يخطط له النظام بمعرفة ودراية ومنهجية مسبقة فحقق نتائج مذهلة قد تكون فاقت تصوراته, كما نجح النظام أيضاً في تشتيت القوى السياسية الكردية السورية بحيث لم يبقى لها أي تأثير على الشارع الكردي الذي افتقد إلى المرشد والدليل والقائد – على المستوى الكردي السوري – لذا أصبح الشارع الكُردي دون قوة سياسية فاعلة على الصعيد السوري مثلهم مثل بقية السوريين وذلك كنتيجة حتمية لسياسات الإقصاء والاستبعاد والتهميش والتفرد إلى أن بدأت الأحداث السورية في ربيع عام 2011 كامتداد لما سُمي آنذاك بالربيع العربي, فكان من الطبيعي أن يكون الكُرد نتيجة لأوضاعهم المزرية أن يكونوا في الطليعة, وهذا ما حصل بالضبط فنادوا بالحرية وغنوا للكرامة وهللوا للوحدة الوطنية السورية, وبفضل السياسات الكُردية التي اتبعت في المناطق الكُردية لم ينزلق الكُرد لعسكرة ولا لأسلمة الثورة إلا فيما يخص الدفاع الذاتي وخاصة من الجماعات الراديكالية التكفيرية التي ظهرت فيما بعد كخطر حقيقي للوجود الكُردي والهوية الكُردية السورية, ونادى الكُرد بمختلف تياراتهم السياسية بالحل السياسي للأزمة السورية وناضلوا في سبيل ذلك على شتى المنابر وبمختلف المؤتمرات. 
وبعد مضي قرابة خمس سنوات على الأزمة السورية يعود الجميع ليتحدثوا عن المفاوضات والحل السياسي, والكُرد السوريون موجودون في مختلف تكتلات المعارضة من ائتلاف وهيئة تنسيق ومجلس سورية الديمقراطية ....الخ, ولكن حتى الآن لم يستطيعوا إزاحة الموقف العربي السوري المتراكم عبر السنين تجاه القضية الكُردية إلا بالشيء القليل الذي لا يذكر, ولم يستطع الطرف العربي المعارض أن يتقبل القضية الكُردية كقضية محورية في الوطن السوري, وهذا الموقف من دون أدنى شك لا يختلف كثيراً عن موقف النظام, وهذا الموقف لا يتحمل أسبابه فقط الطرف العربي المعارض بل يتحمله الطرف الكردي المفاوض أيضاً, حيث يتحمل هذا الطرف وزر ضعفه في التفاوض وعدم ترتيبه لأولوياته وكذلك تشتته الذي لم يستطع التخلص منه بالرغم من الفرص العديدة التي سنحت له, أضف لما سبق ارتهان موقف الكثير من هذه الوفود الكُردية التفاوضية للغير وخاصة بعض الدول الإقليمية التي لا تريد حلاً سياسياً للأزمة السورية وإنما تريد دولة سورية ضعيفة ليس لها وزن إقليمي, كما أن طرح القضية الكُردية كقضية مجتزأة وغير مرتبطة مع القضية السورية الكلية أفقدها بعضاً من قوتها وأعطى للبعض من الطرف الآخر حجةً ومبرراً لتحييد القضية الكردية متهمين الكُرد بالانفصال وماشابه من غيرها من التهم التي كانت تلفق للكرد أيام النظام كاقتطاع جزء من الأراضي السورية ووهن الشعور القومي!
إذاً نحن أمام مشاكل تفاوضية – ليست تقنية بل أساسية ومبدئية –  بين المعارضتين الكُردية والعربية قبل أن تكون بين المعارضة والنظام, لذا على الكُرد المفاوضين على شتى الجبهات أن يرتبوا الأوراق من جديد على أسس وطنية وقومية وأن لا يبادلوا بين خطواتهم, بل يجب أن تكون خطواتهم متسلسلة ومتزنة مع الظروف المحلية والإقليمية والدولية, وعلى الجميع أن يدرك أن أي اتفاق يتم توقيعه لن يكون قابلاً للتطبيق الجيد على أرض الوطن السوري ما لم يسبق ذاك الاتفاق بنية تحتية متينة من الثقة وتقبل الآخر, أياً كان قومية ذاك الآخر أو دينه أو مذهبه.