د . محمود عباس : مكانة الكرد ضمن الصراعات الإقليمية

2016-01-14

 في مجريات الحروب الجارية ضمن سوريا، بين داعش وأمريكا أو دول التحالف كما يقال، وبين روسيا أو السلطة والمعارضة وخلفهم تركيا، يظهر الكرد، كحلقة تثخن وتضعف حسب متطلبات اللحظة وليست المرحلة، في أغلبه كقوة عسكرية تنفذ الإملاءات، بدون أن تثار مرة وبشكل جدي الجانب السياسي القومي لقضيتهم الكردستانية،
إلا في الهوامش من التصريحات كالتي ظهرت مؤخرا من قادة روس غير رسميين، أو من بعض السياسيين الأمريكيين على سوية عضو مجلس الشعب أو سناتور، دون أحزابهم، وخارج الإطار السياسي الرسمي، وبدأت تغيب في جلسات المعارضة العروبية الإسلامية، ومعارضة السلطة للسلطة، اللتين تربطهما علاقات تكتيكية مع أحزاب كردية، في فترة كان الطرفان يتباريان على رفع شأن القضية الكردية في سوريا، أو غربي كردستان، كما كان البعض يسمونها روج آفا قبل أن تظهر التهم، ولا شك للحركة الكردية السياسية والثقافية الذنب الأكبر في هذا التقصير، والأسباب متعددة.
 
من سلبيات الديمقراطية أنها تحصر الصراعات في حلقات مغلقة، وتعود المجتمعات على الروتين في الحياة ، ومن أخطاء القوى والمنظمات الديمقراطية أنها تتكالب على السلطة كما هي، وتتناسى تغيير الأنظمة، الثقافية والاقتصادية والسياسية، بل كثيرا ما ترسخ الموجود، وتستمر على النهج الطاغي، وهذا ما تفعله الحركة الكردية السياسية والثقافية، ولا تحيد عنها الأحزاب الكردستانية، تنسى ولا تتناسى أن الأكثر أهمية في هذه المرحلة ليست الديمقراطية كمفهوم، بل شراكة في المواجهة، مبنية على دراسة الواقع، ومعرفة قدرات الذات والعدو معا، والعمل ضمن إطار موحد، لتهيئة الشعب، ومحاولة تحميل القوى الكبرى على الاعتراف بهم كممثلين عن ذاك الشعب القابل على تكوين دولة وإدارتها.
 
  بدون هذه الشراكة سنبقى ضعفاء ، أمام ذاتنا قبل العالم، وضعفنا ينبع من تشتتنا، وهي نتاج ثقافة غرزتها السلطات المتعاقبة في الحركة السياسية الكردية، فأثرت بدورها على شريحة واسعة من المجتمع، والخلافات الحزبية الجارية ثمرة تلك الثقافة، ولا تزال تلك القوى الإقليمية مهيمنة وتسخرهم وتغيب مطالبهم عن الأروقة السياسية، والأبشع منها والتي لا تقل عنها سلبية، سهولة تقبل وانجراف القواعد الحزبية الكردية ومؤيديهم إلى الخلافات الحزبية، والتي تدفع بالحركة عامة أن تعادي بعضها، وهؤلاء بدورهم يوسعون من هوة الصراع بين القيادات، خاصة وعندما يجدون من يقف خلفهم ويؤيدوهم في سلبياتهم وتناقضاتهم، وكل هذه الحالات تسهل للقوى الإقليمية استخدامهم كأدوات مطيعة، فيتقبلون بضعف فاضح كل قادم، انتهازي أو منافق، يدير وجهه عند بلوغ غايته. وتاريخ تعامل السلطات الشمولية مع القضية الكردية عامة ومع الأحزاب تثبت هذه الحقائق، وهي نفسها القوى التي لم تتخلى يوما في حالات السلم أو الصراع عن استخدام العنف أو الترهيب ضد المجتمع الكردي.
 
    لا شك الأعداء خططوا بخبث ودراية، على تشتيت الكرد وحركته، وعزلوهم عن العوامل الداخلية والخارجية التي قد تساعدهم على إظهار الذات، وأضعفوهم اقتصاديا وسياسيا إلى درجة انعدام القدرة على تغيير الواقع. والأحزاب الكردية أو الكردستانية لا تزال تعيش الحالة المرضية الماضية، وهي غير متمكنة على تغييره، والغريب أن بعضها غير مقتنعة على تغيير الدروب، وبشكل عام واهنة ومرتعبة إلى درجة عدم الجرأة في عرض شروطها على طاولات المباحثات مع القوى الإقليمية أو طاولة الدول الكبرى، وبسبب المسيرة المديدة تحت الهيمنة الاستعمارية والعزلة الدبلوماسية تغيب عنها الدراية في كيفية تسخير أهميتها البارزة فجأة للمصلحة الذاتية، وهو ما يحصل الأن في واقع التصعيد الجاري بين روسيا وتركيا، أو الأمريكي وحربها على داعش، علماً أنه وفي الجهتين توجد الدولة التي تلتقي مصالحهم وظهور الكرد بهيئة قوية، وللأسف التشتت الكردي، وصراعهم كحركة سياسية وثقافية وبراءة الشعب، توجه الظروف  لصالح الأعداء، وعلى هذه المسيرة فأن الأحزاب الكردية المسيطرة، بسبب الظروف أو للقدرات ذاتية، على هذه الدروب لن يتمكنوا من خلق قاعدة متينة لتكوين جغرافية بديمغرافية متكاملة. ولن يستطيعوا بشكل انفرادي التحرر من هيمنة السلطات الشمولية والحصول على الشرعية الدولية لجغرافية كردستان.
 
  ويبقى قادم الكرد في العتمة، ويظل أعدائهم متأهبون لكل مرحلة، ويتأمرون معا كلما دعت الضرورة، والأصدقاء يلتهون بمصالحهم، يهملون عن قصد أو لمصلحة أو لغياب الضغوطات الكردية، وهو ما تبقي الحركة الكردية بين المطرقة والسندان بشكل دائم.
 
 تتناقض الرؤية المباشرة والتفكير عند المجتمع الكردي مثلما تختلف أطراف الحركة بين بعضها، يوحدهم العامل النفسي واللاشعور، ويفرقهم الشعور والتفكير المركز، وعلى هذا البعد الأخير يشتغل العدو دائما، وعلى الأغلب لأنه يفهم النفسية الكردية، وأنتبه مرارا كيف أن حوادث عامة جمعتهم في وحدة، وذلك عندما لا تكون هناك سيطرة أو توجهات حزبية، والأمثلة عديدة في التاريخ الكردي الحديث، ومأثرة كوباني أقربها، اشتركت معظم الأطراف الكردية رغم بعض الانتقادات الداخلية والمؤامرة الإقليمية، لذلك تسخر القوى الإقليمية مداركها للإبقاء على هوة الخلافات بين الأحزاب، ولا يهمها نوعية الاختلافات، بقدر ما يهمها ديمومة التشتت، مثل اختلافاتهم على إدارة المنطقة، وقادة الأحزاب الكردية لا يدركون أن هناك قوى خارجية تتحكم بأمورهم بشكل مباشر أو غير مباشر، وتبينها على أنها تدعمهم في مسيرتهم لتكوين الكيان الكردي وإدارته. وللمقارنة، ففي شمال كردستان، تعرف إدارة أردوغان والدولة العميقة نقاط الضعف في القوة الكردية، وكذلك في الإقليم الفيدرالي والتي تتأزم فيها الخلافات، والأغلبية الكردية تعلم أن تفاقم الصراع الذي تخلقه وتعمقه القوى الإقليمية ستؤدي إلى ضياعها، وستعود نجاحات الشمال إلى حالة مؤقته،  وستعود في الجنوب إلى نظام المحافظات لتصبح تابعة للسلطة المركزية، وهنا لا تغيب هذه المعضلة عن الأحزاب الرئيسية، مع ذلك الكل يشتركون بشكل أو آخر في تصعيد الصراع إلى أقصى مداه، وشرق كردستان يعيش في عتمة تضحية لغربه، ليعبث بها أئمة ولاية الفقيه. وبشكل عام لا أتوقع أن يكون هناك شعب في التاريخ وعلى الأرض يعيش التشتت والصراع الداخلي مثلما يعيشه الشعب الكردي، وحركته السياسية.
 
التوقعات مؤلمة التفكير فيها، رغم ما نضعه من آمال، وإن حدث وبلغ الشعب الكردي نجاح ما فعلى الأغلب ستكون مبنية على أخطاء العدو وليست حنكة الحركة الكردية، أو لربما لمصلحة القوى الكبرى في المنطقة، وهو احتمال هش، فلا تزال تجارب العشرينات من القرن الماضي ماثلة أمامنا. لكن ويبقى علينا أن نطلب وباستمرار من الأحزاب الكردستانية وتذكيرهم ببعض المرونة السياسية، وخاصة من تلك التي تملك بعض السلطة بطريقة أو أخرى، أن تنتبه إلى أن الانفرادية وعن طريق قوة سياسية معزولة معظم النجاحات آنية وستزول مع زوال الظروف، والانهيار سيكون سهلا، والعزلة من صالح العدو، وهو الذي يخططها، ويعمل لديمومتها ليكون سهلا عليه تدمير ما سيبنيه الكرد.
 
 لا نرى بديلا، عن التحرر من هيمنة القوى الإقليمية وإملاءاتهم، وسيطرتهم، ومجابهتهم إذا دعت الضرورة، ولا تعني قطع العلاقات الدبلوماسية، ففي كل الأحوال الكرد مهمشون ويذوبون إما بالهجرة والنزوح أو بالاغتيالات والشهادة، ولابد من مشاركة الأطراف الكردية في إدارة غربي كردستان، وتسيير مؤسساتها معا والتركيز على الاختصاصات، وتشكيل قوة عسكرية موحدة غير تابعة لجهة سياسية معينة، ونشر البعد الوطني القومي فيهم، وعزلهم عن الانتماءات الحزبية، ولنؤمن أن ما حصل حتى الأن من نتاج طرف دون آخر، فلا تعني هذا أن الشراكة ومن هذه النقطة بالضبط ضعف أو تنازل للطرف الآخر، فالغاية ليست ذاتية حزبية بل هي لإقامة كيان بجغرافية وشعب يريد الحرية والعيش الكريم، والتحالف ستساعد على إتمام المسيرة، ولا نشك أن مثل هذه المسيرة في غربي كردستان ستؤثر بدورها على باقي أجزاء كردستان، شماله وجنوبه الكبير وشرقه وستخلق بنية تحتية لقادم كردستان، ولا نستبعد أن يكون عامل مؤثر على الأطراف لبناء حكومات ديمقراطية وسلطات تعمل لصالح شعوبها.
 
د. محمود عباس
 
الولايات المتحدة الأمريكية
 
mamokurda@gmail.com
 
8/1/2016