Sozdar Mîdî ( Dr. Ehmed. Xelîl ) سلسلة: الكُرد والمحتلّون الحلقة - 13 ثقافة الكُردايَتي.. وثقافة الكُولايَتي

2016-01-03

آليات استعمارية:
مساوئ الاستعمار الشرق أوسطي لا تُحصى، وأبرزُها تجريدُ الشعوب من ثقافاتها وهويّاتهم القومية، وتعميمُ ثقافة الاستعباد، واتخاذُ الدِّين مَظلّةً لتنفيذ المشاريع الاستعمارية، هذا ما مارسه- وما زال يمارسه- محتلّو كُردستان ضدّ شعبنا، هم في الجوهر أصحابُ ذهنيات شوفينية فاشية، والإسلامُ بالنسبة لهم أيديولوجيا استعمارية، وليس تقوى حقيقية، وإلّا فمتى طبّقوا الآية {إنّما المؤمنونَ إخْوة}؟ ومتى عملوا وفق الحديث النبوي {لا يؤمن أحدُكم حتى يُحبّ لأخيه ما يُحبّ لنفسه}؟ 
إن الإسلام عند هؤلاء المُستعمِرين هو حصان طروادة، وظيفتُه خداع الشعوب، وترسيخ ُ ثقافة الاستسلام، وممارسةُ الاستلاب والقهر والصهر، هم يفهمون الإسلام على أنه جِزيةٌ، وخَراج، وأنفال، وغنائم، وسبايا، واحتلالُ أوطان الشعوب، ونهبُ ثرواتها وتدميرُ ثقافاتها، ومسخُ شخصياتها؛ طبعاً باسم (الله) وبشعار (الله أكبر! تكبير!).
هؤلاء، بعد أن يحتلّوا الأوطان، ويدمّروا ثقافات الشعوب، يبتكرون آليات سياسية وثقافة واقتصادية ماكرة، تقود الشعوب المُستعمَرة إلى الاعتقاد بأن العبودية هي القاعدة، وأن التحرر هو الاستثناء، ويستمرّون في تشغيل آليات السلخ والمسخ، وينتقلون من مرحلة اختطاف فكر الشعوب إلى مرحلة اختطاف مشاعرها، فتتوهّم أنها تعيش في النعيم الاستعماري المبارك، وأن من الإثم الخروجُ من ذلك النعيم.
وماذا عنا- نحن الكُرد- إزاء هذه اللعبة الاستعمارية الماكرة؟
صراع الكُردايَتي والكُولايَتي:
إن في واقعنا الحالي صراعاً بين تيّارين متضادّين، تماماً كصراع إله النور أهورامَزدا وإله الظلام أَهْريمان، إنهما تيّار الكُردايَتي، وتيّار الكُولايَتي.
أولاً - تيّار الكُردايَتي: أصحاب هذا التيّار استيقظوا، وامتلكوا الوعي الكُردستاني الأصيل، واكتشفوا الحقيقة، فحرّروا أنفسهم من ثقافة الهزيمة والعبودية، وكفّوا عن الدوران في فلك ثقافات المحتلّين، وعن العمل كمُرتزِقة في مشاريعهم الشوفينية، ولم تَعُد تَنطلي عليهم وعودُ قادة الاستعمار الفارسي والتركي والاستعرابي، ولا أكاذيبُ المتاجرين (بالأخوّة الإسلامية)، ولا فَذْلَكات مُشعوذي (التاريخ المُشترَك)، ولا ألاعيبُ صنّاع فِخاخ (الوطن الواحد)، إنهم شرعوا يتساءلون:
أيّةُ (أخوّة إسلامية) هذه التي تجعل وطنَنا مستباحاً، وهويّتَنا مسلوبة، وتاريخَنا مغيَّباً، وثقافتَنا ممنوعة، ولغتنا مُحرَّمة؟!  وأيّةُ (أخوّة إسلامية) هذه التي تجعل كرامتَنا القومية مهدورة، وشخصيّتَنا القومية مشوَّهة، وثروات وطننا منهوبة؟! وأيّةُ (أخوّة إسلامية) هذه التي تجعل المحتلَّ سيّداً إلى الأبد وتجعلنا عبيداً إلى الأبد؟!
وأيُّ (تاريخ مُشترَك) هذا الذي يمجّد غزوَ الشعوب واستعمارَها ومن بينها شعبنا الكردي؟ وأيُّ (تاريخ مُشترَك) هذا الذي لا يُذكَر الكُردي فيه إلّا إذا كان خادماً مُخلِصاً للمحتلّين؟ وأيُّ (تاريخ مُشترَك) هذا الذي جعلنا الفُرس فيه (فُرسَ الجبال)، وجعلنا التُّرك فيه (أتراكَ الجبال)، وجعلنا فيه المُستعرِبون دُخلاءَ وانفصاليين وعملاء؟
وأيُّ (وطن واحد) هذا الذي جُرّد فيه الكُرديُّ من هويّته وتراثه، وأُغلقت أمامه أبوابُ الوظائف المتوسطة والعالية، وفُتحت أمامه أبوابُ المنافي والمعتقلات والقبور؟ وأيُّ (وطن واحد) هذا الذي فَرض على الكُردي أن يكون راعياً، أو فلّاحاً، أو كنّاساً للشوارع، أو عاملاً في الحدائق، أو بَيّاعاً على الرصيف، أو عاملاً في المطاعم والمقاهي، أو ماسحاً للأحذية، أو حاجباً على باب السيّد المُستعمِر، كلّ ذلك حتّى يحصل على قوت عياله؟ 
ثانياً - تيّار الكُولايَتي: أصحاب هذا التيّار ما زالوا دائرين في فلك المحتلّين،  ضائعين في متاهات ثقافاتهم المتخلّفة المتوحّشة، وما زالوا متمسّكين بالعبودية، هم لا يعرفون قيمة لوجودهم إلّا بعبوديتهم للمستعمِر، متوهّمين أن خروجهم من دائرة (الكُولايَتي) إلى دائرة (الكُردايَتي) يعني خروجَهم من الوجود إلى العدم، ومن الإيمان إلى الكفر! ومن الإخلاص إلى الخيانة، هؤلاء ينسون أنهم مستعمَرون، وأن وطنهم محتلّ، وهويتَهم مسلوبة، وشعبَهم مقهور، وفوق هذا يعملون بإخلاص شديد لخدمة دول الاحتلال وثقافاتها وسياساتها.
والمؤلم أن تيّار (الكولايَتي) شائع على الأغلب بين فئتين من شعبنا:
1 - فئة الواهمين: هؤلاء ما زالوا يعيشون في وَهم (الأخوّة الإسلامية)، ووَهم (الإسلام هو الحلّ)، ولم يتّعظوا بمأساة عمرُها 14 قرناً، فمنذ سنين أعلن شيخ كُردي شهير- رحمه الله- في مسجد دمشقي أنه يضع نَسَبَه الكُردي تحت قدمه، لماذا؟ لأن الكُرد في جنوب كُردستان لم يدافعوا عن الفاشي صدّام حسين ضدّ الأمريكان سنة 2003. وبين حين وآخر يظهر بعض الشيوخ الكُرد على منابر جنوب كُردستان، وهو يَصهلون كالخيول الجامحة، وينشرون ثقافة التكفير في مجتمعنا، وبين أطفالنا وشبابنا خاصة. وذات مرة شرع (مجاهدٌ!) كُرديّ يهدّد الپيشمرگه في جنوب كُردستان، ويؤكّد أنه سيرفع العلم الإرهابي الأسود محلَّ علم كُردستان النوراني، وقام (مُجاهِد!) كُردي آخر بنحر پيشمرگه آخر أسير، فمتى كان نحر إنسانٍ باسم الله جزءاً من ثقافتنا الوطنية؟
2 - فئة المَخدوعين: هؤلاء ما زالوا مخدوعين بالوعود الماكرة التي يجود بها المحتلّون، ويفكّرون بالكيفية التي يريدها المحتلّون، فيرفعون شعار (المواطَنة) في دول الاحتلال، بدلَ شعار (تحرير كُردستان)، ولا يجرؤون على أن يقولوا للمحتلّين: " أنتم مُحتلّون! أنتم مُستعمِرون! احملوا عِصيَّكم وارحلوا"! وهؤلاء يعلنون بين حين وآخر أنهم لا يريدون الانفصال عن دول المحتلّين، ولا يريدون تقسيمَها، بل إن بعضهم يتحالف مع المحتلّين ضدّ قومه سرّاً تارة وعلناً تارة أخرى.
إن الصراع بين تيّار (الكردايَتي) وتيّار (الكولايَتي)؛ هو في العمق صراع بين ثقافتين: الثقافة الأهورامَزدية، والثقافة الأهريمانية، ثقافة الإشراق وثقافة الظُلمة، ثقافة التحرير وثقافة الهزيمة، ومنذ 25 قرناً وهذا الصراع مستمرّ، ومهمّ جداً أن يتعاون ساسة الكُرد ومثقّفوهم وإعلاميّوهم، ويعملوا بهمّة وحكمة لحسم هذه المعركة المصيرية!
ومهما يكن فلا بدّ من تحرير كُردستان!
1 – 1 – 2016
توضيح: يترجم الصديق الأستاذ مصطفى رشيد حلقات هذه السلسلة إلى الكُردية بالحرف اللاتيني، وينشرها، فله الشكر الجزيل.