د . محمود عباس : كيف يعدم الكردي ذاته الجزء الرابع

2015-11-14

 معارضة التدريس باللغة الكردية من منطق عدم اعتراف سلطة بشار الأسد بها، أو بالمنهاج، والتي يقال بأنه على بنيتها ستعترف الهيئات الدولية بها، وسيكون لخريجيها مستقبل، حجة واهية، وتفضح سذاجة المعارض، بل وتقزم الكردي ولغته، والحركة الكردية، ولا تختلف هذه الحجة عن عملية الطلب من الشيطان للاعتراف بالصلاة لله،
منطق واه وبعيد عن الإيمان بالذات والوطن وبلغته، وبنضاله. والسذاجة وحدها كانت تدفع بالأحزاب الكردية انتظار العدو ليتنازل أو يتكرم للاعتراف بكردستانه، وماهيته، ولغته. وكل من يعارض التدريس بكليته، دون محاولة التعديل أو تصحيح الأخطاء، يقتل بشكل أو أخر ثقة الكردي بذاته وبلغته، ويعدم فيه الإيمان بماهيته كأمة لها لغتها وكيانها وتملك كل الإمكانيات ببناء كردستانه بكل أدواتها، وهي لا تقل سلبية عن الذين يفرضونها من منطق فكري، سياسي حزبي واحد.
 
والكارثة الثالثة، القوة العسكرية:
 
مواجهة الأشرار وأعداء الكرد، بقوة عسكرية تمثل جزء من الشعب الكردي في غربي كردستان، وتتبنى عقيدة حزبية، والعقيدة بذاتها ساحة صراع بين الأطراف الكردية، وبوجود قسم واسع من الحركة السياسية ضدها، مهما قزم سويتهم أو تكالبت عليهم الانتقادات وحملات التخوين بحق بعض الأحزاب المعارضة، لكنهم يظلون قوة لها رأيها، والطرفين وعلى خلفية تناقضاتهما بلغوا مرحلة أصبحوا لا يمثلون رأي الشعب الكردي، خاصة بعد اختلافاتهم المؤدية إلى ضمور الثقة بين الشعب، وتفاقم النزوح عن الوطن، وتعقيد القضايا المصيرية، إلى جانب مستنقعات العمالة بل والخيانة التي أغرقوا بعضهم فيها، والنازح الكردي وقسم واسع من الموجود في الداخل، يرفضونهم كممثلين، رغم غياب البديل عنهم. وعلى عتبات هذا الواقع، القوة العسكرية بحاجة للانتقال من واقع الانتماء الحزبي إلى جيش لغربي كردستان، ولبلوغها لا بد من مشاركة الشرائح الأخرى من الشعب، وخاصة تلك التي كانت ترى ذاتها قبل سنوات وقود الثورة، أي الشباب الذين كانوا يملؤون شوارع المدن الكردية، ومنظماتهم التي تناثرت وتشتت دون الأحزاب، ومعظمهم هجروا أو نزحوا إلى الخارج.
 
   انتقال الأحزاب الكردية من ساحة الخلافات، إلى ساحة الصراعات ونفي الكردي الآخر، والإصرار والتركيز على إبقاء القوة العسكرية في إطارها الحزبي دون تمثيل الشعب الكردي، ترسخ ثقافة السلطات الشمولية، الفارضة وعلى مدى عقود إملاءاتها على الحركتين الثقافية والسياسية الكردية، والتي سخرت لها مراكزها الأمنية ومؤسساتها الخاصة، بسيطرة شبة مطلقة على كل شاردة وواردة ضمن الأحزاب، ورغم غياب السلطة، الشكلي وليس الفعلي، في هذه الفترة عن المنطقة الكردية، نجد أن الظاهرة السلبية تتفاقم وتتوسع إلى حد كارثي، وبدأت تخلق على عتباتها مفاهيم التخوين واتهام النازحين والمهاجرين بالهروب من الدفاع عن الوطن، وعدم أحقية العيش في الوطن لمن لا يدافع عنه تحت ظل السلطة الحاكمة، هذه الدعاية تضع نهاية مأساوية للحركة السياسية الكردستانية في المنطقة، ولا نستبعد أن تكون للقضية.
 
طرق الرد على الانتقادات على السلطة الحاكمة هشة، تتساوى في كثيره مع منطق سلطة الأمر الواقع، وكثيرا ما تؤدي إلى توسيع هوة الصراع حادة، مثلها مثل عملية نفي الأخر، وتدبلج بمنطق التخوين تارة، وعدمية الانتماء الكردي، والرد بالمقابل يصل إلى حد التلاعب بدماء الشهداء، وبمن لم يقدم الدم سابقا لا يحق له المشاركة حاليا، وكأننا أمام عدوين متنافسين على السلطة، لا طرفي حركة كردية تهدف إلى غاية واحدة، كما يدعونها، ويتنافسون على قوات لا تنتمي إلى تلك الأمة التي تنتمي إليها الشباب المهجر، أو بيشمركة غربي كردستان.
 
 أعداء الكرد أخبث من يخدعوا بسهولة، وفي مقدمتهم سلطة بشار الأسد وحلفائه من أئمة ولاية الفقيه وتركيا وبعض الدول العربية، ومعهم قسم واسع من المعارضة السورية العروبية، سيظلون صامتين قدر المستطاع إذا بقيت القوات الكردية محصورة ضمن المجال الحزبي، واستمرت الأحزاب الكردية في صراعاتهم الدونية، وسيبحثون عن الحجج لضربها، إذا تقاربت، مثل حجة تحرير تل أبيض وعرضها على أنه استعمار كردي، وقد جند لها حكومة أردوغان مثقفون عربيون وقسم من المعارضة السورية، فنشروا أخبار ملفقة حول طرد قوات الحماية الشعبية العرب من مناطقهم، مع جملة خبيثة من التلفيقات والاتهامات، إلى أن وصل لوبيهم إلى أروقة المحاكم الدولية، وتاجروا بقراراتهم، لأن عملية تحرير تلك المنطقة من أيدي داعش تؤدي إلى احتمالين، ظهور بوادر تكامل جغرافية غربي كردستان، وبالتالي توسع قوات الحماية الشعبية إلى جيش كردستاني على سوية المنطقة المترابطة والمشكلة لجغرافية تمتد على طول كردستان الشمالي، وفي حال توسعت قوات الحماية الشعبية، وظهرت كقوة كردستانية، تمثل الشعب، ولا تنتمي إلى حزب معين، ستصبح قوة للدفاع عن الوطن من المنطق الكردستاني، دون عقيدة أو إيديولوجية معينة، وبالتالي ستتلقى الدعم الأكبر والمباشر من القوات الدولية، وستفرض ذاتها حينه على الأعداء والأصدقاء معا، وهي ما يجب أن تكون عليه القوات الكردستانية كمعظم القوات العسكرية في الدول المتطورة الحضارية.
 
لكن وللأسف التدخلات الإقليمية كانت أقوى من الإرادة الكردية، وتمكنت من توجيه القوة الكردية باتجاه معاكس، تتلاءم ورغباتها حتى الأن على الأقل، وفرضت على الدول الكبرى خلق قوة عسكرية تحت مسميات سورية، لعدم توسعها ضمن الطابع القومي الكردي، ولو كانت شكلية حتى الأن، وبالتالي أبعدت عملية دمج بين قوات كردية لغربي كردستان تقاتل في الإقليم الفيدرالي، والمقاتلة في غربي كردستان...
 
يتبع...
 
د. محمود عباس
 
الولايات المتحدة الأمريكية
 
Mamokurda@gmail.com
 
10- 25 -2015
 
نشرت في جريدة بينوسا نو العدد (42) الناطقة باسم رابطة الكتاب والصحفيين الكرد في سوريا.