أحمد الخليل : حَسَناً!.. وكُردستان بِدّا حرّية!!

2015-11-09

( توضيحات لموقع الأيّام AL- AYYAM السوري)
في الأربعاء الماضي 4-11-2015، نشرت دراسة بعنوان "صناعة التواريخ الأسطورية في الشرق الأوسط"، الرابط: 
وعلمت أن هيئة تحرير موقع الأيّامAL- AYYAM السوري نشر الدراسة، مع مقدّمة فيها دعوة إلى "الحوار والمواجهة". وفي المقال التالي أوضّح ملاحظاتي بشأن ما ورد في مقدّمة هيئة تحرير الموقع.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
السادةهيئة تحرير الأيّام AL- AYYAM السورية.
أحيّيكم، وأثمّن حرصكم على نشر دراسة " صناعة التواريخ الأسطورية في الشرق الأوسط"،وأقدّر اهتمامكم بـ"فتح المجال لحوار علمي ووطني" و"لإتاحة المجال للتعليق العلمي المعتمِد على البحث والحقائق دون أيّ تهجّمات شخصية أو أثنية"حسبما قلتم في مقدّمتكم.
ولي بعض الملاحظات على مقدّمتكم، وآمل أن يتّسع لها صدركم وتنشروها.
1–في البداية قلتم "مقدّمة للحوار والمواجهة"، وعبارة "مواجهة" ليست حيادية، إنها تعني: جهة ضد جهة، جهة تقاتل جهة، جهة عندها نيّة إلغاء جهة، وربما نَحْرها على الطريقة الداعشية، وكان من الممكن الاكتفاء بعبارة "مناقشة" فهي أنسب، إلا إذا أردتمأن يكون موقعكم منبراً لتعميم النزعة العدائية ضد الكُرد، كما تفعل بعض الفضائيات، كفضائية أُورينت السورية، وفضائية الجزيرة القَطَرية.
2 – ذكرتُ في آخر الدراسة ثمانية هوامش لتوثيق المعلومات التي بنيتُ عليها آرائي، وهذا من بديهيات البحث الأكاديمي، والملاحَظ أنه حينما نشرتم الدراسة ذكرتم فقط الهوامش الأربعة الأولى،وهذا يتنافى والأمانة العلمية.
3– قلتم: "فالمقالة التي أرادت أن تظهرعلى شاكلة “دراسة أكاديمية” ...".ثم قيّمتم المقالة بأنها " لم تكن أكثر من حكماً غيابياً بالتزوير والتلفيق أصدره الكاتب على المكوّنات السورية ومكونات منطقة الشرق الاوسط" (أنقل عباراتكم بأخطائها المطبعية التي نقع فيها جميعاً). وقلتم أيضاً "اتهم الكاتب مؤرخي هذه المكونات بالتزوير والافتراء دون أن يقدّم دليلاً علمياً واحداً على اتهاماته".
هنا نحن أمام مشكلة، وهي أنكم تتحدّثون عن معايير لا تُلزمون أنفسكم بها، ودعوني أسألكم: متى تستحقّدراسةٌ ما صفةَ " أكاديمية"؟ أليس حينما تُقتَبس المعلومات من مصادرها الموثَّقة، ثم تُناقَش كما هي ويُبيّن صوابُها أو عدمُ صوابها بأدلّة موثَّقة؟ وما ذكرتُه في الدراسة بشأن النماذج الأربعة هل خرج عن هذا النطاق الأكاديمي؟ أليست المعلومات موثَّقة باسم المؤلّف وعنوان المرجع والصفحة؟ أليست مستقاةً من مراجع ألّفها باحثون عرب وأوربيون مختصّون في التاريخ؟ فكيف يصحّ القول بأني أصدرتُ"حكماً غيابياً بالتزوير والتلفيق"؟كنت أتمنّى أن تفكّروا في دلالة عبارة "حكماً غيابياً" من الوجهة الحقوقية قبل استعمالها.
4 – قلتم إنكم تنشرون المقال " إيماناً بحرية التعبير ورغبةً في اطلاع السوريين الوطنيين الكورد قبل غيرهم عن حجم الاساءة التي قد تسببها مثل هذه المقالات التي تضع الشعب السوري الكوردي الاصيل بمواجهة كل المكونات السورية الأخرى".(مرّة أخرى نغضّ النظر عن الأخطاء المطبعية)، ولم تكتفوا بهذا، بل تمنّيتم أن"يتصدّى الكتّاب الكورد قبل غيرهم بالمشاركة في الرد"،ويبدو أنكم معجبون بالمثل العربي القديم "إن الحديد بالحديد يُفلِح"، وبالمثل السوري الشعبي "فخّار يكسّر بعضه"!
ودعوني أسألكم مرة أخرى: ما مبرّر تصنيف دراسة قائمة على معلومات موثَّقة، ومقتبسة من مصادر تاريخية، في خانة (الإساءة) إلى الآخرين؟ ألستم بهكذا نهج تطالبونني والآخرين ضمناً بالسكوت على التحريف الذي يمارسه بعض المؤرخين المصابين بالنرجسية القومية؟ ألستم بذلك توافقون ضمناًعلى استمرارية هكذا نرجسيات؟ أليست هذه النرجسيات هي التي أنتجت السياسات الفاشية التي ابتُليت بها شعوب الشرق الأوسط المسكينة، وتدفع ثمنها كوارث وعذابات هائلة؟ 
5 – ذكرتم أن ما ورد في الدراسة يسيء إلى المكوّنات السورية والشرق أوسطية. ويبدو أنكم قرأتم الدراسة بذهنية "المواجهة!" لابذهنية البحث عن الحقيقة، ولا بِنيّة فحصِ المقدّمات والنتائج، ومناقشةِ مدى المنطقية في استنباط النتائج من المقدّمات. 
كان من الأفضل- يا سادة- باعتباركم من محبّي "فتح المجال لحوار علمي ووطني"، أن تدقّقوا لغوياً في قولي"بل هي مبتلاة أيضاً بمؤرّخين يحرّفون الحقائق، ..."، لو دقّقتم في العبارة لغوياً لاتضح أن وظيفة جملة الصفة بعدالاسم النكرة – بحسب قواعد اللغة العربية-هي تحديد دلالته وعدم إطلاقه. وكان من الممكن أن تقولوا إني أسأت إلى بعض المؤرّخين من الشرق الأوسط، هذا على فرض أنني تقوّلت عليهم، ولم أذكر المعلومات موثّقةً بالعنوان والصفحة. أمّا أن تصوّروا الدراسة وكأنها تتّهم جميع المؤرّخين بتحريف الحقائق، وتسيء إلى جميع مكوّنات الشرق الأوسط، فهذا هو العجب العجاب.
6– لن أقف عند عبارتكم " متى يفهم السوريون...؟"، إن فيها تعميماً وإجحافاً، وهي في الوقت نفسه عبارة استعلائية غير لائقة في خطاب شعب معروف بالحيوية والفطنة.وأنتقل إلى قولكم بأني أصدرت حكماً غيابياً بالتزوير والتلفيق"على ما ورد في كتب التاريخ عن كل المكونات السورية ومكونات منطقة الشرق الاوسط عدا المكون الذي ينتمي إليه"؛ تقصدون الكُرد بطبيعة الحال. 
وأسألكم بالله: هل سمحت أنظمة الدول التي تحتلّ كُردستان بأن يَعرف الكُرد تاريخهم؟ هل فتحوا في جامعاتهم أقساماً لتدريس التاريخ الكُردي بحرية وواقعية؟ يا سادة! إن قادة هذه الدول- ساسةً ومثقفين وإعلاميين- كانوا، حتى قُبيل سقوط النظام البعثي الفاشي في العراق، وزلزلةالنظام البعثي الفاشي في سوريا، يمتنعون حتّى عن ذكر اسم الكُرد كشعب، ويعتبرونهم مهاجرين.
وأذكر بهذه المناسبة أنني كنت- وأنا خارج سوريا- أنشر حلقات ضمن سلسلة بعنوان "مشاهير الكُرد في التاريخ"، أتناول فيها بإيجاز سِيَر بعض الأعلام الكُرد الذين خدموا الشرق الأوسط في مجالات السياسة والقيادة والفِقه والتاريخ والفكر والأدب والفنّ، وبمنهج أكاديمي. فزارني في أحد أيام ربيع سنة 2010 صديق حميم وهوأستاذ جامعي سوري،وحريص على أن يصلّي بعد الفرائضبعض النوافل، (لا أذكر اسمه لأني لم آخذ موافقته) وعاتبني على نشر الحلقات، وناقشني حوالي4 ساعات لأوقف نشرها.
وحاولت جاهداً إقناع الصديقالحميم بأن الكُرد شعب كبقية الشعوب، وينبغي أن يعرفه الآخرون، ومن الصواب أن تعرف شعوب الشرق الأوسط بعضَها بعضاً، فمَن جهل شيئاً عاداه. ولم تنفع الحجج الدينية التي أوردتها لإقناعه، مثل الآية القرآنية {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا }[سورة الحُجُرات، الآية 13]، ومثل الحديث النبوي الصحيح {لايُؤْمِنُأحَدُكم حتَّىيُحِبَّلأَخِيهِمايُحِبُّلِنَفْسِهِ} [ مسندالإمام أحمدبن حَنْبَل، مؤسّسة الرسالة، 2001، ج 21، ص 388]. 
ومع أن صديقي الجامعي كان شديد الكراهية مثلي للنظام السوري البعثي، إلا أنه لم يتردّد عن استعمال السلاح السحري الأكثر نجاعة لردعي عن الكتابة في الشأن الكردي؛ ألا وهو تخويفي من سطوة الأجهزة الأمنية للنظام البعثي السوري.
ذكرت هذا عَرَضاً، وأعود إلى مسألة "عدا المكوّن الذي ينتمي إليه"، وأقول: يا سادة! إذا وجدتم مؤرّخاً كُردياً لفّق تاريخاً أسطورياً للشعب الكُردي، فحبّذا أن ترسلوا لي ما كتبه كي أصحّح مزاعمه كما أفعل بمزاعم الآخرين، وأنشره في موقعكم، لأن الكتابة مسؤولية علمية وأخلاقية معاً، وخاصة حينما تتعلّق بتواريخ الشعوب.
7 -ذكرتم في مقدّمتكم أيضاً "النسيج المجتمعي السوري"، وأن السوريين "شعب واحد من أثنيات وقوميات وأديان وطوائف مختلفة، تتمثل قوتهم فقط في وحدتهم الوطنية وأن من يحاول تفرقتهم هو عدوهم الفعلي الذي يحاول تمزيق نسيجهمووحدة وطنهم". 
ولن أقف الآن عند اتّهامكم الضمني لي بأنّي أفرّق السوريين وأنّي عدوّهم الفعلي،  وأنتقل إلى حديثكم عن "النسيج المجتمعي السوري"، فهو يذكّرني بقول الرئيس البعثي بشّار الأسد بعد الانتفاضة الكُردية سنة 2004، حينما صرّحأن الكُرد "جزءمن النسيج السوري" لتسكيت الكُرد حينذاك، وخاصة أن صورة الرئيس البعثي صدّام حسين وهو في الحفرة كانت ماثلة أمام مخيّلته، وكانت العصا الأمريكية الغليظة باطشة.
إن الحديثعن (النسيج السوري) يذكّرني بقول الشاعر:
قد بُلينا بأميـــــــــــــــــرٍ      ظَلمَ الناسَ وسَبّحْ
فهو كالجزّارِ فيـــــــنا     يَذكرُ الله ويَذبــــــــحْ
أجل، حالنا- نحن الكُرد- معكم ومع بشّار الأسد ونظامه البعثي كحال الشاعر وقومه مع الأمير التقيّ الذبّاح. يا سادة! اتقوا الله! حينما كان الكُردي يُعتقَل، ويُهان، وأحياناً يُقتل تحت التعذيب، لمجرّد أنه أصرّ على هويته الكُردية، وأحياناً لمجرد كونه كُردياً، وحينما كنتُأنا شخصياً أُهان وأُضرَب بالسياط على رجلي (الفَلَق) في إحدى معتقلات النظام البعثي بحلب في عهد حافظ الأسد سنة 1974لمجردّ كوني كُردياً، أين كان المتباكون الآن على "النسيج المجتمعي السوري" وعلى مكوّنات الشرق الأوسط؟ ألم يكن معظمهم حينذاك من عظام رقبة النظام البعثي؟
يا سادة! أين كانت هذه الغيرة الفيسبوكية العلمية والوطنية حينما شنّ الدواعش غزوتهم الإرهابية على الكُرد الأَيزديين في سِنجار، وقتلوا، ونهبوا، وسبوا لا أقلّ من أربعة آلاف فتاة وامرأة كُردية، وساقوهن إلى أسواق النخاسة؟ أين كانت هذه الغيرة حينما غزا الدواعش كوباني الكُردية، وقتلوا ونهبوا ودمّروا؟ أين كانت هذه الغيرة حينما كانت الجماعات الإرهابية المتستّرة باسم (الجيش الحرّ) تسطو على السيارات المدنية في طريق حلب – عَفرين، وتختطف الكُرد المسالمين وتقتل بعضهم؟ ألم تقتضي الغيرة على "النسيج الوطني" وعلى "مكوّنات الشرق الأوسط" أن تطلبوا من القرّاء أيضاً إبداء الرأي في هكذا جرائم يندى لها جبين الشرق الأوسط كله؟
وأخيراً، بشأن (النسيج السوري) أقول بوضوح، وآمل أن يطول صبركم عليّ:
لا مشكلة لنا نحن الكُردمطلقاً مع شعوب الشرق الأوسط، العرب والمُستعرِبين والفرس والبلوش والتُّرك والآشوريين والسريان والكلدان والمَندائيين والأرمن والشركس والمارون والمصريين والأمازيغ، فنحن الكُرد عانينا طويلاً- وما نزال نعاني- من سياسات القمع، ولا نريد هكذا معاناة لغيرنا، وما أريده للكُرد من حرية وأمن وازدهار أريده للبشرية جمعاء. بل إنني شخصياً أعدّ هذه شعوب الشرق الأوسط ضحايا لسياسات وثقافات الاستبداد والتكفير، وينبغيأن تتحرّر من هكذا سياسيات وثقافات متخلّفة، وتتعاون وتعيش في وئام وسلام في إطار (دول الاتحاد الشرق أوسطي).
إن مشكلتنا الوحيدة- يا سادة- هي مع دول تحتلّ وطننا كُردستان، وتستعمِرنا، وتفرض جنسياتها علينا، وتنهب مواردنا، وتعبث بكرامتنا كأفراد وكشعب، ومشكلتُنا أيضاً هي مع كل سياسي ومثقّف وإعلامي يخدم سياسات هذه الدول ضدّنا.
أجل، إنني أَعدّ إيران، وتركيا، والعراق، وسوريا دولاً تحتلّ وطننا كُردستان، وتمارس علينا- نحن الكُرد- أبشع أنواع الاستعمارمكراً وتوحّشاً. هذا هو رأيي، وأرجّح أنه رأي أغلبيةنُخب الأمّة الكُردية.وإذا كان ثمّة قلّة من الكُردما زالوا مخدوعين بالشعارات والوعود البرّاقة، ومغترّين إلى الآن بمشاريع (المُواطَنة) في دول الاحتلال، فلا أشكّ في أنهم سيندمون ويراجعون أنفسهم يوماً ما.
ويعجبني جدّاً أنكم اتخذتم عبارة (سوريا بَدّا حرّية) شعاراً لموقعكم.
حسناً، ونحن الكُرد أيضاًشعارنا(كُردستان بَدّا حرّية ).
فهل نحن في هذا ظالمون؟!
السبت: 7 – 11 - 2015
رجاء:حبّذا أن يتفضّل بعض القرّاء بإرسال المقالة إلى موقع الأيام، لأنني حاولت فلم أتمكّن من ذلك.