د . محمود عباس : آفة الصحراء والبداوة الجزء الثاني

2015-10-20

القبائل التركية مثال مشابه للقبائل العربية الجاهلية، وللتوضيح، البحث هنا تركز عن ثقافة القبائل الصحراوية، المحفزة على الغزو والحروب والسبي، ولا تعني أن هذه الصفات تركزت فقط فيهم، بل هناك شعوب وتحت عوامل أخرى وظروف بيئية مغايرة قامت ببشائع مشابه، دمرت حضارات وعلى مر التاريخ...
 
  وبعد قرون من الزمن استلمت أو سيطرت على الإسلام، قبائل لا تقل عن العربية الجاهلية فقراً وشراسة وتخلفا فكريا وجلافة وإجراماً، قبائل خرجت من أعماق صحراء غوبي وأسيا الشرقية، قبائل التركمان والترك، والتي لم تكن تعرف من اللغة العربية إلا السلام، باستثناء قلة نادرة، لكن قادتهم الذين سخروهم أدركوا حقيقة مهمة، وبعد أن سيطروا على مراكز الريادة في الخلافة العباسية، وهي أن الإسلام وقرآنه العربي، الراية الوحيدة التي بإمكانها أن تساندهم على السيادة والطغي وتشريع غزواتهم ونهبهم واحتلالهم للشعوب. قبائل سميت فيما بعد على أسم سلطانهم الأول، بالعثمانيين، وعلى الركيزة الإسلامية بنوا إمبراطورية دون حضارة، وأتوا على نهاية الحضارة البيزنطية ودينها في المنطقة. قبائل تركية تقودها سلاطين تعبد ثقافة الصحراء، لم تكن قد تعرفت على المعالم الحضارية يوما ولم تتمكن من استيعابها، إلا من خلال السيف والقتل، وهي التي قضت في فترات زمنية متعددة على حضارات الصين المتتالية، كما وتمكنت من تحريف الإسلام العربي وخلق مذهب جديد فيه تتلاءم وثقافتهم، مثلما فعلها قادة الشعب الفارسي، والشعوب الأخرى التي تبنت الإسلام بفرائض دون إدراك لمفاهيمها، ومعظمها لم تكن تفهم من القرآن ولغتها إلا الفتات.
 
  العديد من الباحثين والمفكرين، يطرحون مفهوما قلما يتقبله المسلمون، وهو أن الإسلام ظهر للقبائل العربية دون الشعوب الأخرى، مستندين على بعض الآيات القرآنية ذاتها والكتب السماوية الأخرى، وعلى مبدأ أن الله يرسل لكل شعب نبياً من لدنهم، ليهديهم، مثلما فعلها مع قوم لوط، وإسحاق، وغيرهم. وللفساد المستشري بين القبائل العربية الجاهلية، وعاداتهم وتقاليدهم المنفرة والشاذة، كوأد البنات، والتي لو سادت واستمرت لانقرضوا لأنها تؤدي إلى غياب المرأة من المجتمع، وفي طرف آخر كانوا يقدمون نسائهم لرجل مميز ليولد لهم بصفاته، وزواج امرأة الأب وغيرها من العادات المكروهة. فلتهذيب هذه القبائل ظهر نبيهم، أراد إهدائهم إلى طريق الصواب، وعلى أسسها تكلمت الآيات القرآنية إليهم، بلغتهم ولهجاتهم، وجلها موجهة إلى القبائل الجاهلية، الإعراب، لتثقيفهم، وتغيير عاداتهم اللاإنسانية حتى في منطق تلك الفترة الزمنية.
 
   وقد كانت خروج تلك الثقافة بدون تهذيب، بقيادات شره للغزو، ومع مفاهيم من القرآن الملائمة لمفاهيمهم، من جغرافية الصحراء إلى حيث الحضارات، كارثة بشرية، يدفع ثمنها كل الشعوب التي تستعمرها السلطات العربية اليوم تحت الغطاء الإسلامي، أو الترك تحت الصفة ذاتها بغطاء علماني شاذ. سببوا في تأخر شعوب المنطقة وبينهم الشعب العربي القادم من الجزيرة العربية أو هناك، عن الركب الحضاري قرون، كما ولم تخرج المنطقة وشعوبها من رحم الحروب الطائفية والأهلية منذ طغيان ثقافتهم، فكان حكامهم يحرضون على الصراعات المتواصلة بينهم وبين الشعوب المستعمرة، فقد وجدوها الطريقة الوحيدة لاستمرارية سيادتهم، رغم اعتناق الأخرين للإسلام واندماج الأغلبية ببعضهم، وابشعها التناقضات الثقافية المستدامة والتي لم تلان سلبياتها حتى هذه اللحظة. فالتضاربات عميقة بين مفاهيم وضعت لتثقيف قبائل صحراوية جاهلية، وثقافة شعوب لهم خلفيات حضارية عميقة. 
 
وما يجري اليوم في المنطقة من الحروب الطائفية والأهلية، وبشكل خاص في سوريا والعراق وليبيا، هي نتيجة تراكمات قرون من آثار تلك الآفة، حيث الجاهلية القبلية، والتخلف الحضاري، والمحافظة على ديمومة شرائح لم تمت فيهم روح الغزو، وهي التي برز بينهم طغاة يكرهون الوعي والفكر، وهي نفسها اليوم وبنفس الأبعاد الفكرية والتعامل اللاإنساني والدونية الأخلاقية، والإجرام المتشابه بكل طرقه، تخرج طغاة بنفس الصفات السابقة، كبشار الأسد حفيد الحجاج، والمنظمات الإرهابية، كداعش والنصرة وغيرهما والتي لهم طفرات عديدة مشابهة في التاريخ الماضي،  وهؤلاء الأن يستخدمون نفس الأساليب التي اتبعتها  أغلبية القبائل الجاهلية والتركية والتركمانية، بين بعضها ومع الشعوب التي اجتاحتها، أنه منطق الصحراء حيث الغنائم والسبي، والقتل، ورفض منطق الحوار والتعامل الفكري، يستخدمون نفس المبادئ، لاحتلال الشعوب، وسبيهم، ونهبهم، ورفض حقوقهم ومحاولات إزالة ماهيتهم، وهم لا يترددون من التباهي بمنطقهم الهمجي ذاك، حيث الغاء الأخر، وفرض سيادتهم، ولا يتقبلون التعامل مع الأخرين بالطرق الحضارية، والعيش بسلام، ولا يريدون تعلم محبة الأخر، ولا يقتنعون أن الجغرافية المسماة بتركيا أو سوريا والعراق كانت ملك للشعوب المستعمرة الأن، ويجب العيش ضمنها معا بالمساواة.
 
   ربما الماضي يمكن تبريره، على إن ثقافة وطرق للعيش فرضتها الظروف البيئية، ومصاعب الحياة، ولم يكن هناك البديل للعيش، وقادة وجهوهم إلى حيث الغنائم الكثيرة من غزو الأطراف، مثلما كانوا يحرضونهم على غزو بعضهم، لكن اليوم وفي عصر يتوفر فيه كل الإمكانيات المعيشية والثقافية، تستدام فيه تلك المفاهيم القديمة بين شرائح واسعة من المسلمين وبأساليب الأولين ذاتها، تدفع بالفرد إلى التفكير في الخلفية المؤدية إلى هذه الهمجية والشرور، وبثقافة الطغاة الشرهين للسيادة بأساليب العنف بكل طرقها القديمة، وحيث النسبة العالية من المسلمين المساندين لهم، بشكل مباشر أو مبطن. فهل هناك خطأ ما في مفاهيم الدين ذاته؟ أو في بنية القرآن أو فهمه وتفسيراته وتأويلاته بسبب اللغة العربية الغارقة في المجازيات ربما؟ أو أن الإسلام في أبعاده تساند على ديمومة هذه الثقافة؟ وما جرى سابقا لم تكن فقط على خلفية الثقافة الصحراوية وحدها التي كانت تحرض على الغزو والسبي ونهب الشعوب، بل أن تعاليم في الإسلام ومفاهيم في القرآن تحافظ على ديمومة تلك الثقافة، وفقهاؤها ومفكريها وقادتها لا يحاولون على العمل لتتلاءم وتطور العصر والمعرفة الإنسانية والثقافات الجديدة بين البشر.
 
   هذه البنية الثقافية ساندت رؤساء الدول العربية وملوكهم، كدول الخليج وسوريا وغيرهم، والأغرب معظم المعارضة السورية العروبية الإسلامية، وداعمهم خادم الحرمين، ومنظماتهم الإرهابية، وتركيا بزعامة أردوغان وحزبه الإسلامي جدلاً، ومعه أحزابه الطورانية، وأئمة ولاية الفقيه وشيعتهم، على التمسك بثقافة السيد والموالي، ورفضهم للأخر إلى درجات بلوغ تشويه القيم الإنسانية، فحرموا الحرية واعتبروها مطلباً منبوذاً، وحللوا مكانها منطق السيادة المطلقة، إلى أن أصبحوا يتهمون مطالبيها بالخيانة، ولا شك هذا هو منطقهم منذ أن خرجوا من الصحراء غزاة يجرون قبائلهم ورائهم، فمن يحلل السبي كثقافة لا بد وأنه سيحلل الاستعمار بكل أشكاله، فلا عتب عليهم فهم يعبدون ثقافتهم ويحاربون من أجل مصالحهم، بل العتب على الشعوب التي تخلت عن حضارتها ولغتها وتقبلت مفاهيمهم وثقافتهم وفضلتها على ثقافتها، وطبقتها على ذاتها وقدستها.
 
د. محمود عباس
 
الولايات المتحدة الأمريكية
 
mamokurda@gmail.com
 
10-16-2015