ابراهيم شتلو : إحذروا الربيع العربي!

2015-08-26

في حين يغلي الوضع السياسي في هو لير والسليمانية وتتصاعد المنافسة على رئاسة الإقليم حدة بين الأحزاب والكتل والشخصيات السياسية دأب بعض الكتاب والمهتمين بالشأن الداخلي في جنوب كردستان على التعليق والتحليل والإنتقاد للأوضاع المستجدة الممزوجة بتناقض المصالح الحزبية ، والصراع على السلطة ،
والمزايدة بتوجيه اللوم والإتهامات من قبل الفئات والمجموعات المتزاحمة على تولي  كرسي رئاسة الإقليم الذي مازال محصورا في شخص السيد مسعود مصطفى البارزاني ، قلت دأب هؤلاء الكتاب والإعلاميين والساسة على دعوة المواطنين الكرد إلى الإحتجاج والتظاهر والتمرد على شاكلة ما سمي بالربيع العربي.
لست أدري ما هي الغاية من دعوة الكردستانيين إلى القيام بتقليد ما كان يدعى: ثورة الربيع العربي.
هذا الربيع الذي أفرغ من كل معاني الثورة و لايزال يتسبب في سفك دماء الأبرياء ، ويدمر البلاد ، ويحرق الأخضر واليابس ويرمل النساء ، وييتم الأطفال ويشرد عشرات الملايين من المدنيين في شتى بقاع الأرض رغم مرور مايزيد على أربع سنوات على ركوب مجموعات كبيرة ومتعددة الألوان والأطياف والمشارب من شعوب تونس وليبيا ومصر وسوريا لهذا المسار الذي أثبتت الأحداث على أرض الواقع أن شعار : الربيع العربي كان فخا محكم التصميم وضع في أيدي من كانوا يعتقدون بسذاجة أن تغيير الأوضاع الداخلية يكون بالإستعانة بالجيران والغريب.
إنني ، لست مع مقارنة أوضاعنا ، وظروف قضيتنا  مع أية قضية لأي شعب من شعوب العالم. إذ لعبت العوامل التاريخية – ومع الأسف الشديد – إلى جعل قضية قيام كيان قومي لنا معضلة معقدة ومتشابكة إلى أبعد الحدود وكل خطئ صغير نرتكبه يبعدنا عقودا بل وقرونا عن تحقيق الهدف الذي نصبوا إليه جميعا. لا أحد منا يريد أن تكون ثروات كردستان بيد فئة دون أخرى ، وليس من واحد ممن يريد الخير لشعبنا يستسيغ رؤية أرامل شهدائنا تتسول المال في أسواق وشوارع هه ولير ، ولا أحد منا  يرضى أن يشاهد أطفالا صبية وبنات يقفون عند إشارات المرور في السليمانية و هه ولير ودهوك  يستجدون بعض المال ليشبعوا بها بطونهم الجائعة.
كل هذا ، بل والرشوة والمحسوبية والفساد الإداري ، وتهريب الأموال إلى الخارج ، وإفشال المشاريع الإنتاجية  الوطنية والتعمد في جعل الإقتصاد الوطني يعتمد على الإستيراد، وفتح باب كردستان لشركات الأمن المعادي على مصراعيه ، وإهمال التربية الوطنية الصحيحة وعدم  العمل وفق إستراتيجية  دفاعية حديثة  في التدريب والتسليح  والتوجيه الوطني ووفق معايير تضع الإخلاص والولاء للكرد وكردستان فوق كل ولاء للعشيرة أو الحزب ، واعتماد الأجهزة الأمنية على مبدأ الموالاة لطرف دون آخر بعيدا عن معايير مصلحة الأمن القومي ، وإحتواء الأفراد والمجموعات المشبوهة وحفر خنادق المواجهة ضد قوى كردستانية أخرى ، ولإستخدام المال العام في إعتماد خطط  شراء ذمم لإستقطاب فئات ومجموعات كردستانية لتحريضها ضد فئات كردستانية أخرى.......هذا الواقع المرير يشمل هه ولير ودهوك والسليمانية و.... وليس مقتصرا فقط على جزء من كردستان حيث يخضع هذا الجزء لسيطرة حزب دون غيره..فكل العلل التي تعم في أجهزة الدولة وإداراتها وقطاعاتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية تعشش في معظم الأماكن ، ففي هه ولير كار وفي السليمانية كات ، وبالتالي فإن الوباء يشمل كل بقعة يتحكم فيها الحزب والإتحاد و كوران والعشيرة وجماعة فلان..وكتلة علان...وبالتالي فإن الحل ليس بتغيير الرئيس الحالي وإستبداله فقط ، لأن المرض سائد ومتفشي حتى العظم في أعلى قمة الهرم لدى مراكز القوى.
ورغم كل هذه النواقص والعلل والمساوئ  فإنني أعتقد جازما بأن الدعوة إلى تقليد ما سمي بالربيع العربي إنما هي كارثة بعينها تجمع كل المساوئ والنواقص وجميع العلل التي نعاني منها في جنوب كردستان وتضيف عليها الضرية القاضية لكل ماتم تحقيقه على الأرض وعلى شاكلة الكيان القومي الكردستاني و رغم كل مايعتري ماحققناه في كيان إقليم كردستان من علل ونواقص ومساوئ ، فشئ قليل خير من لاشئ، والحفاظ على ماتم تحقيقه حتى الآن مع الإستمرار في الدعوة والإصرار على الإصلاح والتطوير عبر الحوار الداخلي بعيدا عن المغامرات الطوباوية والآيديولوجيات والمزايدات الحزبية والشعارات البراقة ووضع مصلحة الأمن القومي في أعلى الإعتبارات والإبقاء على الوحدة السياسية والإدارية الجغرافية والبشرية القائمة للإقليم لهو أفضل بملايين المرات من التسبب في هدم الموجود أو تقسيمه على أمل البدء بالبناء من جديد لآنه لن تتكلل خطة التغيير هذه بالنجاح في الداخل كما لن يسمح لنا أحد لا أصدقاؤنا في الخارج – وليس لنا أصدقاء بالمعنى الحقيقي – ولن يتمكن شبه أصدقائنا من مساعدة الداعين إلى الثورة وفق مصطلح الربيع العربي في خلق بنيان جديد متين رصين صحيح كردستاني الشكل والمضمون على الإطلاق وذلك كما قلت في البداية لأن قضيتنا لاتتشابه ولا تتطابق مع أية قضية لشعب آخر نظرا لتفتتنا داخليا ، وتشابك المصالح للدول اٌلإقليمية والعالمية عندما سيتعلق الأمر بأمر بناء الدولة الكردستانية في الوقت الحالي والظروف الراهنة ـ حذار من المغامرة بقضيتنا الوطنية برفع شعار: الربيع العربي في جنوب كردستان فأعداء الكرد وكردستان يستكثرون علينا هذا الإقليم ورغم جميع نواقصه وعلاته ، وأيضا حذار ثم حذارمن التشبث برئاسة الإقليم  مع الإستمرار في طريق الخطأ والتضليل ووضع الأنانية العشائرية فوق الإعتبارات الوطنية وحذارمن التعامي عن أخذ ضرورة الإصلاح الجذري الداخلي مأخذ الجد بعين الإعتبار، فليكتفي من أثرى وأتخم من مال الوطن بما ناله فإن ربع قرن من الثمالة بحجة النصر يكفي لننتقل الآن وفورا  إلى الجدية في بناء الدولة على أركان عصرية قويمة وبنيان حديث سليم وعلينا أن ندرك أن نتائج الإمعان في الخطأ قاتلة ، وعاقبتها يعني دمارنا جميعا ، فقد أعذر من أنذر ، والإمهال المتعمد لن يؤول إلا إلى الإهمال المميت ، وقد بلغ السيل الزبى ، وضاق القهر بالمقهورين ، وعيون الأعداء تتربص بنا جميعا وليس من وسيلة لتحقيق التقدم نحو الأمام إلا بالحوار والجلوس إلى مائدة المصارحة والوضوح والنقد والنقد الذاتي وليكن شعارنا: السلطة في خدمة الشعب والوطن ، وقبول الآخرين ضمان لوحدة الوطن ، وكل محاولة من أية جهة أو مجموعة تحاول الإمعان في حفر خندق التباعد والتنافر بين القوى الكردستانية  لن تصب إلا في بوتقة العدو الأول الذي لا يطيب له رؤية بقعة مهما كانت رقعتها صغيرة على سطح الكرة الأرضية تشير ولو كان ذلك فقط بالإسم: كردستان ، وكفى الله المؤمنين شر القتال!
فهل لنا أن نعتبر؟
إبراهيم شتلو
دراسلت كردية وإسلامية – سلسلة التوعية
23 آب 2015