خالد ديريك : من الاستعمار إلى التطرف وحرب الطوائف

2015-07-14

من الاستعمار... إلى الثورات 
من الجلاء... إلى الديكاتوريات 
من الثورات... إلى التطرف وحرب الطوائف 
هو الحال في الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا.
توجت غالبية الثورات المتلاحقة لشعوب الشرق الأوسط وشمالي إفريقيا في منتصف القرن الماضي إلى جانب الظروف الدولية في جلاء المستعمرين عن منطقة بعد عقود من الاحتلال.
فقد ترك الاستعمار (المستعمرون) بعد رحيله دولاً مجزأةً وشعوباً منقطعة الأوصال وغير منصفة الحقوق، ولم تتمتع الدول المصطنعة كثيراً بنشوة الانتصار ومعاني الاستقلال ومفهوم السيادة الوطنية، لأن سرعان ما ظهر من بين ظهراني تلك الشعوب أفراداً وأحزاباً وجماعات أخذوا من الاستبداد نهجاً وكم الأفواه سياسةً عند وصولهم إلى سدة الحكم، وجاهدوا للقضاء على الحياة السياسية والصوت المنافس المختلف مما أدى إلى تلاشي مفاهيم الحرية والديمقراطية في مهدها، وأصبحت الوطنية بلا طعم ولا لون لأن القائد الأوحد هو كل شيء، وامتد سلطانهم أيضاً عقوداً بيد من حديد ونار كأنظمة ديكتاتورية استبدادية قمعية حتى بدء شرارة الثورات "الربيع العربي" في نهاية 2010 وعندما كانت هذه الثورات لا تزال في بداية مسيرها نحو الحرية وسحق الديكتاتوريات القُطرية، ظهرت اصطفافات طائفية بدعم من "الفكر المتطرف" الذي بات فيما بعد هو الأقوى في الساحة ورشح نفسه بديلاً عن الديكتاتورية القائمة والديمقراطية القادمة بحجة تطبيق الشريعة الدائمة.
ظهور الفكر المتطرف بقوة وسرعة عالية ليس وليد اللحظة فهو نما وينموا في بيئات جاهلة ونامية ويجد ضالته في أماكن مضطربة أمنياً وسياسياً واجتماعياً وطائفياً وعرقياً وفي غياب السلطة والقانون زائد الفوضى والعنف المجتمعي واستباحات عسكرية والإصغاء للفتاوى الاعتباطية، فهو يستغل عمليات التهميش والإقصاء والمظالم الخصم بحق أبناء طائفته ويلامس مشاعرهم ويدغدغ عواطفهم وخاصة في بيئات العشائرية والقبلية وفي وسط البسطاء ويظهر نفسه منقذاً وحامياً ومخلصاً ومفتاح الحل لهمومهم ومشاكلهم ومظالمهم، وهكذا يتم احتضان هذا الفكر المتطرف ومده بالمال والرجال ويصبح أمراً واقعاً ومن يعارضهم فيما بعد يلقون المجازر كما حصل مع بعض العشائر السنية في سوريا والعراق. 
بالتوازي ظهرت مجموعات شيعية طائفية متطرفة مسلحة لمواجهة الفكر المضاد في مختلف البقاع  ومنهم ممن التحقوا بقوات النظام السوري من أقاصي الأرض للدفاع عنه كممثل للطائفة ومربط الصراع وبعضهم في العراق في مواجهة الفكر المنافس والمضاد مع أن بعض هذه المجموعات هي أخرى موجودة قبل تاريخ 2011 لكن الصراع بلغ ذروته ما بعد .2011
واليوم الصبغة الطائفية الحامية هي المسيطرة في المنطقة ابتداء من العراق إلى سوريا واليمن وانتهاء بليبيا وتناثراً في مختلف بقاع العالم.
وإلى جانب الحرب الطائفية السنية الشيعية الرئيسية، هناك طوائف وأديان أخرى دخلت أو ستدخل في الحرب مرغمة،كما حدث مع أقلية دينية إيزيدية كردية أثناء ارتكاب تنظيم الدولة (داعش) الإبادة بحقهم في منطقة سنجار بكردستان العراق وأيضاً تعرض داعش للمسيحيين في سوريا والعراق واختطافهم وفرض الجزية عليهم، وإلى جنوب سوريا فإن الطائفة الدرزية لن تكون بمنأى عما يجري في محيطها برغم وقوفها على الحياد حسب ادعائها، فإن يد جبهة النصرة الفرع السوري لتنظيم القاعدة قد أطالتها وقتلت العشرات من أفرادها. 
خلاصة القول: أحيت الثورات العربية النعرة الطائفية بدون دراية وأنتجت أفكاراً متطرفة وتداخلت الأجندات والمصالح الإقليمية والدولية وتحكمت في مصائر الشعوب الثائرة واختفت مطالب الحرية والديمقراطية وإنصاف الشعوب المضطهدة على حساب بروز لون التطرف والطائفية المقيتة والبدء بتصفية الحسابات بالثأر والانتقام وبالقوة والإجرام والتكفير والتخوين، وبات الشعور الطائفي هو السائد في العالم الإسلامي بسبب ما يحدث من حروب ساخنة في بعض دول عربية، فالخريطة القادمة لن تكون إلا طائفية وإثنية بامتياز بعد أن تضع الحروب أوزارها.
بقلم.خالد ديريك