وليد فارس : "التحريض التنموي" في المناطق المحررة.... الكنز المفقود

2015-06-24

تتحرر مناطق سورية شيئاً فشيئاً ونحتاج في كل يوم إلى إدارة شاملة, أقرب إلى إدارة الدولة منها إلى إدارة المؤسسات, حيث أن الاطلاع على إدارات معظم المناطق المحررة, سواءً كانت هذه الإدارات تابعة لفصائل عسكرية أو كانت إدارات محلية مستقلة أو تابعة للحكومة السورية المؤقتة, هذا الاطلاع يجعلنا نجري مقارنات بين هذه الإدارت على مستوى حسن الإدارة للمؤسسات المذكورة كإدارات مؤسساتية تهتم بإقامة المشاريع وتلبية الاحتياجات وتعمل على هذا بأسلوب المؤسسة, وليس بأسلوب الدولة.
 
هناك إدارات استطاعت فعلاً أن تقوم بمشاريع هامة للمنطقة محل الإدارة, وأن تلبي احتياجات عدد كبير من السكان في نطاق فعاليتها, وهناك إدارات أخرى لا تزال تقوم بالأعمال بأسلوب أولي ضعيف لا يرقى إلى عمل مؤسساتي بسيط, وبكل تأكيد لا نستطيع أن نضع الأولى في مقام الثانية, لكننا نستطيع أن نقول عن الصنفين أنهما لاتزالان في "مربع إدارة المنشأة" ولم تنتقلان بعد إلى " مربع إدارة المنطقة أو الدولة", من الناحية العلمية نستطيع أن نقول أن هذه الإدارات لا تزال تعمل بشكل "وحدوي أو جزئي" ولم تنتقل بعد إلى العمل "الكلي أو الجمعي".
 
أدوات المربعين المذكورين أعلاه تختلفان بشكل واضح, فبينما على أصحاب المربع الأول (الجزئي) أن يقوموا بتنفيذ كل مشروع أو حاجة بنفسهم, يسعى أصحاب المربع الثاني (الكلي) إلى تهيئة الظروف والمناخ اللازم لتلبية هذه الاحتياجات.
 
لنضرب مثالاً عملياً على الأمر:
 
تعاني منطقة محررة (أ) من نقص في الاحتياجات الغذائية لأسباب تتعلق بالظروف الراهنة, ويعمل أصحاب المربع الأول على تلبية احتياجات السكان في المنطقة من السلع الغذائية عن طريق مشروع إغاثي (سلل غذائية مثلاً), يدرسون الاحتياجات بشكل مشروع متكامل ويسعون لتأمين تمويله, ثم يبدؤون باختيار أفضل الكفاءات, يضعون مخططات جيدة ويتأكدون من تنفيذها بدقة, وبعدها يصدرون تقاريرهم بشأن تلبية الخدمة لسكان المنطقة, ويسعون في مرات أخرى للاستفادة من تجربتهم في تحسين هذه الخدمة وتدارك الأخطاء التي وقعت سواءً من ناحية عدم تلبية احتياجات جميع المستهدفين أو من ناحية الهدر والتوريد وغيرها, في المحصلة يكون السكان حصلوا على الخدمة المرجوة من المؤسسة بحسب جودة تقديم هذه الخدمة وقوة الإدارة التي قامت بعملية التنفيذ.
 
 في منطقة أخرى (ب) تعاني من نقص الاحتياجات الغذائية أيضاً, يعمل أصحاب المربع الثاني على توفير المعلومات بشكل دقيق للمؤسسات الإغاثية المهتمة بعملية تقديم هذه الخدمة, يوفرون الكهرباء والمياه والمحروقات اللازمة للمشاريع, ويقيمون دورات تدريبية للموظفين المتوقع أن يشاركوا في هذه المشاريع, يهيئون الرأي العام لاستقبال هذه المؤسسات, وكذلك يضربون على يد كل شخص من الممكن أن يعرقل عمل المؤسسات الخدمية عن طريق جهاز أمني قوي, كما يستهدفون في إعلامهم المؤسسات الخدمية خارج المنطقة لتحريضها على الدخول عاملين على تزويدها بكافة البيانات والخدمات اللازمة لممارسة عملها, ولا يقصرون هدفهم على مؤسسات من نوع واحد, بل مؤسسات زراعية, وخدمية, وحتى مشاريع صناعية, في النتيجة تتدفق عدة مؤسسات متخصصة في تقديم الخدمات الإغاثية أو التنموية إلى المنطقة, وتتنافس بينها لتقديم الخدمة للسكان, مما يعني في النهاية تقديم الخدمة من عدة مؤسسات ومن الممكن أن يختار المواطن بينها وفق حاجته, وكذلك ضمان تخصص المؤسسات العاملة, دون إرهاق موظفي إدارة المنطقة بتفاصيل تلك المشاريع.
 
الانتقال إلى المربع الثاني يحتاج للخروج من العمل الجزئي, إلى أسلوب إدارة الدولة, وهي لا تعني بالضرورة تغيير جميع الموظفين في هذه الإدارات, بل تطوير مهاراتهم مع إجراء بعض التغييرات الأساسية, وبالتالي الابتعاد أكثر عن الأفكار الفرعية والتفاصيل الجزئية, والارتقاء إلى أكمة الإدارة العامة للمنطقة.
 
حمص, وليد فارس, 21-6-2015