(Dr. Ehmed Xelîl) دراســــــــات في التاريخ الكُردي الحديث ( الحلقة 30 ) المسألة الكُردية وخلافات تشرشل و پيرسي كوكس

2015-05-30

إن قسم الشرق الأوسط الحديث النشأة وضع تصوّراً في لندن، قُدّم إلى اللجنة السياسية الخاصة بكُردستان، والتي كانت تتألّف من وِنستون تشرشل Winston Churchill (رئيساً)، وسير پيرسي كوكس Sir Percy Cox، ومِسْ غيرترود بِل Miss Gertrude Bell، سكرتيرة كوكس، والكولونيل ت. إ. لورنس T.E.Lawrence،
وميجور هيوبرت يونغ Hurbert Young، وميجور إ. و. س. نوئيل E. W. C.Noel، كأعضاء مستشارين. وكان ميجور ر. د. بابكوك R. D. Babcock سكرتير اللجنة السياسية بشأن كُردستان. 
وقد نصّت مذكرة قسم الشرق الأوسط على ما يلي: "نحن نعتقد بقوّة أنه لا ينبغي ضمّ المناطق الكُردية الخالصة إلى الدولة العربية في ميزوپوتاميا، لكن فيما يتعلّق بالمبادئ الكُردية والقومية فينبغي أن تُروَّج قدر الممكن من قِبل H. M. G،( ) ومدى المنطقة يكون ضمن الحدود الممكنة لأجل H. M. G ، ولتنفيذ هذه السياسة ثمّة حاجة ماسّة إلى الاعتماد على البنود الأخيرة في تسوية السلام مع تركيا، ومهما تكن مساحة هذه المنطقة، فنعتقد أنها لا ينبغي أن تكون تحت سيطرة H.M.G فقط، وسيَسهُل ذلك فيما إذا كانت ثمّة منظّمة كُردية مركزية يمكن ربطُها بالمستشار البريطاني، وسيكون هذا المستشار تحت إمرة المفوَّض العام لميزوپوتاميا، ويرفع تقاريره من خلاله إلى "H.M.G.
 
( غيرترود بيل )
وفي اجتماع عقدته اللجنة السياسية في 15 مارس/آذار 1921، دخل پرسي كوكس في القضية الكُردية مع ما جاء في مذكّرة قسم الشرق الأوسط، وأوضح أن الكُرد كانوا أغلبية في  كركوك وسليمانية ومقاطعات شمالي الموصل، وهي المناطق المكمِّلة للعراق، وقد عارض هيوبرت يونغ وجهة نظر پرسي كوكس، واقترح أن دولة كُردية تتأسّس على عجل، وتوضع مباشرة تحت سيطرة المفوّض العام، ليست جزءاً من مسؤولية الحكومة العراقية. وقد أيّد ميجور نوئيل وجهة نظر يونغ، وكان نوئيل يعتقد أن الكُرد سيفضّلون "الحكم الذاتي"، ويمكن أن تكون الدولة الكُردية حاجزاً ضدّ الضغط التركي، وضدّ الحركات العراقية المعادية لبريطانيا. ووافق تشرشل على وجهات نظر يونغ ونوئيل، واعتقد سكرتير المستعمرات أن حاكم العراق في المستقبل، مستعيناً بقوة عسكرية عربية، "سيتجاهل الرغبات الكُردية، وسيضطهد الأقلية الكُردية".
والنتيجة التي خرجت بها اللجنة من اجتماعها هي أنها تبنّت توصيات هيوبرت يونغ، بإبقاء كُردستان منفصلةً عن العراق، وحاول الأعضاء المؤيّدون لهذا الموقف طمأنة پرسي كوكس، بالنصّ على أن هذا يبقى إلى أن يحين وقت تشكّل رأي كُردي يختار الانضمام إلى العراق.
إن من بين سبعة أعضاء في اللجنة السياسية بشأن كُردستان، فضّل أربعة وجود كيان كُردي منفصل عن العراق، وهم: تشرشل، ويونغ، و نوئيل، ولورنس، وعارض ذلك كلٌّ من پرسي كوكس وغيروترود بِل، ولم يشارك السكرتير بابكوك في المناقشة، وهكذا، ابتداء من مايو/أيار 1921، كان معظم أعضاء قسم الشرق الأوسط، وعضوان من ممثَّلي القسم في القاهرة، أرادوا أن تكون "جنوب كُردستان" منفصلاً عن العراق، مع أن تكون المسؤولية للمندوب السامي في العراق، وقد لقي قسم الشرق الأوسط تأييداً قوياً من سكرتير وزارة المستعمرات ونستون تشرشل.
وقد ظهرت سياسة عجيبة معاكسة في الشهور القليلة التالية: إن سياسة تشرشل وقسم الشرق الأوسط رُفضت لمصلحة سياسة كوكس، وكان كوكس نفسه وراء إحداث تلك السياسة المعاكسة، إنه تأثّر بإدراكه أن العراقيين لا يريدون كُردستان مستقلة، وبالصعوبات التي كان يلقاها كمندوب سامٍ في إيجاد زعيم كُردي سَلِس القياد بما فيه الكفاية للكيان الكُردي المستقلّ. وكان المؤشّر الأول على السياسة المعاكسة أن الخطر الذي كان يتهدّد معظم أصحاب المناصب في القاهرة أصبح أقلّ مما كان عليه بعد أسبوعين من اختتام مؤتمر القاهرة. 
وقد ورد في تقرير استخباراتي من ميزوپوتاميا، تاريخه 15 مايو/أيار، أن ريدر بوللارد Reader Bullard- وهو أحد الأعضاء الأكثر معرفة وإدراكاً في قسم الشرق الأوسط- اعتقد أنه فهم ظهور "سياسة خاصّة بكُردستان"؛ إنه كان يؤمن بأن التقرير الاستخباراتي، والذي لا شك أن كوكس كان قد رآه قبل إرساله إلى وزارة المستعمرات، يعطي الانطباع بأن " ثمّة رغبة في أن تبقى منطقة صغيرة قدر المستطاع من ميزوپوتاميا خارج سلطة حكومة بغداد"، هذا مع العلم أن المقترَحات لم تكن كاملة. 
وعلى سبيل المثال لم يذكر التقرير ما إذا كان نائب الحاكم البريطاني المسؤول عن مناطق زاخو ودُهوك سيكون تحت إمرة حاكم الموصل، أو تحت إمرة وزارة الداخلية؛ وبمعنى آخر: تحت إمرة حكومة بغداد، كما أن بوللارد نبّه إلى أن مقاطعتي أربيل وسليمانية لم تحصلا على وعد بالحكم الذاتي في الأمور المالية.
إن ما فكّه بوللارد، في 15 مايو/أيار، من شيفرة التقرير الاستخباراتي، كان قد تمّ توضيحه من قِبل كوكس في رسالة إلى تشرشل في 2 يونيو/حزيران. وقد ذكر كوكس أنه حينما غادر القاهرة أعلن أنه "بناءً على البند 64 الوثيق الصلة بمعاهدة سيڤر، عليه أن يستمرّ في إدارة المناطق الكُردية التي تعتقد حكومة دولة العراق أن من الضروري الاعتراض على هذا الترتيب، وتعتقد أنه (الترتيب) سيؤدّي في النهاية إلى اقتطاع كُردستان من العراق". 
ولذلك قرّر تشرشل "الاجتماع بالمتخصّصين في الشأن الكُردي، بعد أن تمّ اتخاذ "قرار بالإجماع على أن الحل الأفضل، من بين جميع وجهات النظر المقدَّمة، هو الإبقاء على كُردستان كجزء مُكمِّل للعراق، لأغراض مالية، لكن بإدارة المندوب السامي مباشرة من خلال موظّفين كُرد أو بريطانيين على قواعد حكم ذاتي محلّي، حسبما تقتضي فكرة الحكم الذاتي". 
30 - 5 – 2015
 توضيح: هذه الدراسات مقتبسة من كتابنا المترجم " تاريخ الكفاح القومي الكُردي 1880 - 1925" المنشور عام 2013. والعناوين من وضعِنا.