(Dr. Ehmed Xelîl) دراســــــــات في التاريخ الكُردي الحديث ( الحلقة 29 ) كُردستان والمخطّط الجوّي البريطاني المعادي

2015-05-18

انتقلت المناقشات بشأن المسألة الكُردية إلى المقترحات التي  تسمّى (المخطَّط الجوّي)؛ وهي المقترحات التي تسمح للقوات الجوّية بأن تصبح القوة العسكرية المهيمنة في ميزوپوتاميا، وكانت وجهة نظر الجنرال رادكليف Radcliffe من الجيش أن المقترحات تتضمّن أملاً كبيراً، وسيؤدّي ذلك إلى تخفيض التزامات الجيش البريطاني، ومن المهم أن ندرك أنه إذا تمّ العمل بالمخطَّط الجوي حسبما اعتقد مقترحوه ابتداء من أبريل/نيسان 1920، فإن ذلك سيؤثّر في عمق الالتزام البريطاني إزاء العراق.
 
لقد كان الالتزام الأعظم والمطلب الأكبر هو ضمّ جنوبي كُردستان إلى دولة جديدة، وإن المقترحِين الشديدي التعلّق بالمخطّط الجوّي كانوا من جملة المؤيّدين الأكثر تمسّكاً بـ "عراق أكبر"، وكان ونستون تشرشل Winston Churchill أحد الاستثنائيين بشأن تفضيل المخطّط الجوّي بقوة، ولكنه، وحتى أواخر سنة 1920، كان يفضّل دولة كُردية ذات شبه حكم ذاتي، أو دويلات تؤلف شريطاً في شمالي العراق.
 
 
 
( ونستون تشرشل )
 
لقد قال لورد كورزون إنه قرأ مخطّط رجال الجوّ (المخطّط الجوّي)، "وأنه كان بالغ العصبية بشأنه"؛ لأن الطيّار يكون بالضرورة شاباً، ولن يكون الشخصَ الأفضل في التعامل مع رجال القبائل، وأوضح مارشال الجوّ هيوج ترنشارد Hugh Trenchard أن طيّاراً ما لن يستطيع أن يقول بشأن السياسة أكثر من مساعد أوّل (ضابط صغير) يقود سريّة من الجنود المشاة. وكان لورد كورزون مقتنعاً بأن القوّات الجوية يمكنها أن تتكفّل بالسيطرة على ميزوپوتاميا وكُردستان، في حال إذا اتبعت السياسة الخطوط العامّة التي وضعها مونتاغو.
 
 
 
(ماريشال هيوج ترنشارد)
 
إن ملاحظات مارشال الجوّ ترنشارد Trenchard كانت المؤشّر الأوّل على أن القوّات  الجوّية كانت مقتنعة بأن تتّبع "سياسة متقدمة" في العراق، وكانت تلك السياسة مناهضة جداً لإقامة كُردستان مستقلة، أو كُردستان بحكم ذاتي. لكن في سنة 1920، أراد البريطانيون أن تكون الجبال الشمالية بمثابة حدود، للسيطرة على الوديان والمنخفضات المتاخمة لها.  ومن الأهمية بمكان ملاحظةُ أن أفضل الآليات لتطبيق المخطّط الجوّي، الذي كان يناهض إقامة كُردستان مستقلة، أو إقامة حكم ذاتي في كُردستان، كانت قد نوقشت وطُبّقت جزئياً سنة 1920، حينما دعت معاهدة سيڤر إلى سياسة كهذه.
 
وعموماً فقد افتُرض أن السبب الرئيسي في إفشال معاهدة سيڤر هو النجاح الكبير الذي حققته القوّات القتالية، وليس ثمّة إشكال في ذلك، لكن تنفيذ المخطَّط الجوّي، وكل ما دلّ عليه أو أَرْهَص به- بالرغم من عدم اعتراف كثير من المسؤولين البريطانيين به حينذاك- قد عمل أيضاً بقوّة ضدّ أيّ تنفيذ ذي مغزى لمحتوى المواد 62 و 63 و 64، من معاهدة سيڤر، وإنه مثال جيد على تأثير التقنيات- حسبما تأكد- في رسم السياسات وصناعة التاريخ.
 
وقد أراد مارشال الجوّ ترنشارد تقليل مخاوف كورزون من قوة سياسات وزارة الجوّ، وذلك من خلال التصريح بأن الضباط المدنيين سيبقون في مناصبهم، وستُدعى القوّات الجوية عند الحاجة، وليس مقترَحاً إنشاءُ مطارات، إلا في مناطق خطوط المواصلات الرئيسية، وسيتمّ استخدام حكّام محليين قدر المستطاع، وإذا ثارت مدينة أو قرية فعندئذ يمكن التعامل معها بسهولة من الجوّ أكثر من الأرض، وإن النفقات ستكون منخفضة جداً بعدم اتخاذ خطوط المواصلات.
 
ولم يعطِ لورد كورزون أهميةً لحجج ترنشارد، وأشار إلى أن الخبرة السابقة أثبتت أن مجرد حضور المسؤولين البريطانيين- مع "روعة تأثيرهم"- لم يكن كافياً بدون وجود بعض القوة في الحال. إن لورد كورزون لم يكن يحب فكرة أن القوة تُستدعى فقط لإحداث الدمار. وأجاب ترنشارد بأن المخطَّط الجوّي يقوم على استخدام الميليشيا الشعبية أو الليڤي الذي تشكّل في النهاية بشكل واسع من الآشوريين، وأن القوّات  الأرضية تُستعمَل تقليدياً للسيطرة على المناطق الجبلية الوعرة القريبة.
 
وحينذاك كان رأي الجنرال رادكليف أن مما يُرثى له- بناءً على الاحتمالات المتوقَّعة في المخطَّط الجوّي- أن تُترك المنطقة تحت نفوذ أمير، واعتقد رادكليف أن على الحكومة البريطانية أن تأخذ بالاعتبار اقتراح مكتب الهند (يبدو أن المقترح مقدَّم من أَدْوين مونتاغو) في أكتوبر/تشرين أول 1919، والقاضي بأنه يجب أن تشكّل الموصل وبغداد والبصرة دولة ميزوپوتاميا، بوزارة عربية تحت إشراف المفوَّض العام سير پيرسي كوكسSir Percy Cox ، ولم يُدخِل رادكليف جنوبي كُردستان ضمن حدود هذه الدولة المقترحة، ويشير هذا المقترَح إلى أن الجيش والقوّات الجوية في الدولة الوليدة يكون تحت السيطرة المباشرة لوزارة الجو، مع الثقة بأن القوّات الجوية ستنجز ذلك بأقل كلفة ممكنة.
 
 
 
( پيرسي كوكس )
 
إن الكلفة الضخمة الناجمة عن الحكم المباشر دفعت بريطانيا إلى "الحكم غير المباشر" في العقود السابقة، والآن فإن الاستعمال الفعّال والرخيص للقوة الجوية سيخفّض الحاجة إلى الحكم المباشر، وإن تطبيق هذه السياسة في العراق فريد من نوعه وتجريبي، وإن النجاح أو الفشل في تطبيقها سيساعد في تحديد السياسات البريطانية التوسعية ليس في العراق فقط، بل في الشرق الأوسط وفي العالم أجمع، وإن تكوين كُردستان مستقلة، أو كُردستان ذات حكم ذاتي، هو نموذج جديد لهذه السياسة التوسعية.
 
إن سياسة المخطَّط الجوّي في العراق وكُردستان هو من أُولى الأمثلة على تسخير القوة الجوية في تنفيذ السياسات التوسعية لبريطانيا العظمى، في جميع ممتلكاتها غير الغربية، وفي ممتلكاتها في العالم الثالث، وستسمح لبريطانيا أن تتّبع سياسة متقدمة في بعض المناطق، وتدعم قواتها في مناطق أخرى، في الوقت الذي كان تراجعها مستمراً في الأجزاء الأخرى من العالم، وإن كُردستان هي الساحة الأولى لاختبار هذه التجربة بعد الحرب العالمية الأولى.
 
وبينما كان من المهم جداً أن يكون المخطَّط الجوي أحد السياسات التوسعية المستقبلية، فإنه لم يلقَ التقدير الكامل من قِبل تسعة من المسؤولين في الاجتماع المنعقد يوم 13 أبريل/نيسان 1920. وأصبحت إمكانياته معروفة بوضوح. لقد كانت الفوارق في الحجج واضحة بين المسؤولين المدنيين والعسكريين ورؤساء الوزارات، كان لورد كورزون يمثّل الحرس القديم، وكان ترانشارد ورادكليف يمثلان الحرس الجديد. 
 
وقد أعلن هيوبرت يونغ  Hubert Young، وهو أحد مسؤولي وزارة الخارجية، أن على البريطانيين أن يوضّحوا أن نيّتهم هي إقامة دولة مستقلة في جنوبي كُردستان، يمكنها أن تختار لاحقاً الانضمام إلى دولة ميزوپوتاميا أو إلى شمالي كُردستان، فيما إذا نجحت الأخيرة (شمالي كُردستان) في إنشاء حكم ذاتي. وعارض لورد كورزون مرة أخرى ما أعلنه هيوبرت يونغ، بأن من المحتمل أن يطالب الفرنسيون بامتيازات تجارية "في أية دولة [كُردية] مستقلة تماماً"، مع العلم أن المجال الاقتصادي الفرنسي كان إلى ذلك الحين منحصراً في كيليكيا.
 
وخرج المجتمعون بالاتفاق التالي:
 
تعتبر بريطانيا جنوبي كُردستان جزءاً من ميزوپوتاميا، وينبغي أن تُناقَش مسألة شمالي كُردستان ضمن المقترحات التي قدمها روبرت ڤانستّارت Robert Vansitttare، والتي كانت قد دُمجت في معاهدة سيڤر، كمحتوى للبنود 62 و 63 و64. إن السياسة البريطانية بشأن الكُرد، حسبما نوقشت في اجتماع 13 أبريل/نيسان 1920، كانت قد تجسّدت بهذا النمط في معاهدة سيڤر التي وُقّعت سنة 1920.
 
إن هذه المناقشات التفصيلية التالية للسياسة البريطانية قد جرت في القاهرة بمصر بين 12 – 30 مارس/آذار 1921، ويمثّل مؤتمر القاهرة- كما هو معروف سياسياً- محاولة البريطانيين لإيقاف ضلال السياسة البريطانية الذي بدأ سنة 1920، واستمر يطبع السياسة بطابعها في أوائل سنة 1921.
 
16 - 5 – 2015
 
v  توضيح: هذه الدراسات مقتبسة من كتابنا المترجم " تاريخ الكفاح القومي الكُردي 1880 - 1925" المنشور عام 2013. والعناوين من وضعِنا.