حسني كدو : دولة كوردية ....الآن ....عدالة تاريخية

2014-10-26

للكورد كل الحق في إعلان دولتهم المستقلة ، عدم إمتلاكهم للدولة حتى الأن ظلم كبير ومأساة تاريخية غير عادلة .ان حدود معظم الدول العربية في شرق البحر المتوسط كان نتيجة من نتائج الحرب العالمية الأولى، حيث رسمت الحدود لكثير من دول المنطقة على انقاض الامبراطورية العثمانية.  وهذه الحدود وضعت طبقا لأسس المصالح البريطانية و الفرنسية و بعض الجماعات المتحالفة معهم .
لقد منح سايكس الانكليزي  و بيكو الفرنسي الاستقلال لمجموعتين غير مسلمة :
- تم منح اليهود دولة :وكانت هبة من بريطانيا حسب وعد بلفور ، أي إنشاء كيان وطني لليهود فيما بعد .
- تم منح المسيحيين( دولة لبنان) في شمال اسرائيل من قبل فرنسا وتم فصلها عن سوريا في ذاك الوقت.
لقد كانت الحركة الصهيونية نشطة وفعالة ، وكانت تلعب دورا بارزا في الساحة البريطانية ، بينما كانت فرنسا تتعاطف مع الوجود المسيحي وتخشى على المسيحيين من أن تصبح أقلية ضمن الأكثرية المسلمة ، لذلك حصلت المجموعتان على حقوقهم .
لقد حدث هذا بعد انهيار الامبراطورية العثمانية ، بينما المجموعة العرقية الأخرى ، الكورد، تركوا بدون دولة ، وبدلا من إعطاءها دولة قسموها  بين أربع دول ، تركيا ، سوريا ،العراق و ايران .
ان السبب الرئيس لعدم حصول الكورد على دولتهم ، هو عدم وجود منظمة سياسية كردية قوية تمثلهم في المحافل الدولية و الأوربية بشكل خاص ، بالإضافة لعدم وجود دولة تدعمهم وتطالب بحقوقهم .حقا الكورد كانوا الضحية و كبش الفداء لإتفاقية سايكس وبيكو في عام 1916.
هكذا ترك الكورد بين أربع كيانات ، وتم إقصاءهم وإهمالهم و تهميشهم على حدود هذه الدول ، بل تم إغتيال المئات والألوف منهم خلال كفاحهم المرير مع هذه الدول التي تحتلها
إشكالية  الوضع الكوردي هذه ،جعل منهم قوما شجاعا لا يهاب الموت ، و زادهم صلابة و إيمانا و وعيا بقوميتهم و قضيتهم .لذلك و في الأغلب تراهم يتغلبون على  انقساماتهم  و ولاءهم القبلي فيما بينهم . ان الشعور بانهم تحت الحصار الدائم والحاجة للقتال ،جعلهم على أهبة الإستعداد للقتال في سبيل حقوقهم و وجودهم ، وهذا الشيء أجبرهم ان يبحثوا عن أي شخص قادر على حمل السلاح  Kولهذا نجد ان المرأة الكوردية لها نصيب من حمل السلاح جنبا الى جنب مع الرجل ، وهذا خلاف الشعوب والقبائل الأخرى في الشرق الأوسط  ، حيث مهمة المرأة  تربية الأولاد والعناية  بالبيت .
لقد ساء الوضع الكوردي بشكل جذري بعد ان ظهرت داعش على مسرح الأحداث في كل من سوريا والعراق منذ عدة أشهر . هذه المنظمة الإرهابية المجرمة والتي تهاجم وتقضي وتبيد  كل ما هو غير مسلم سني ،وكلنا شواهد على ما حدث للطائفة الايزيدية من فظائع ، ومجاعات حتى الموت ،إبادة و قتل جماعي ، إغتصاب وبيع للنساء في  الأسواق ، وإجبارهم على التحول الى الدين الأسلامي .
المجتمعات الأسلامية العربية  السنية  لم تقاوم داعش ، ولم تجد بديلا أفضل سوى ان تبايعها وتنضم إلى معسكرها ، وبالتالي أصبحوا أعضاء في هذه المنظمة الإرهابية ، وتشارك أفرادها في القتل والإجرام.
معظم الكورد أيضا من المسلمين السنة ، ولكنهم رفضوا أن يبايعوا داعش ، لذلك فرض عليهم القتال والدفاع عن انفسهم حتى لا يتم إبادتهم ، مدينة كوباني أصبحت في مركز هذه المعركة  لأكثر من شهر وكل الأطراف المشاركة في هذا الصراع يلعب دورا ولعبة قذرة مع أرواح الكورد المدافعين والقاطنين هناك . الأسد يستمتع بمشاهدتهم  و هم ينزحون إلى تركيا ، الأتراك يكرهونهم و لم يقدم لهم أية مساعدة إلا مؤخرا ، الغرب منهمك بمرض فيروس أيبولا و بحماية بغداد و منع سقوطها -فقط اخوة الدم من كورد العراق و كورد تركيا يريدون أن ينضموا اليهم مع أسلحتهم لحماية أخوتهم المحاصرين هناك .
العالم باجمعه و الدول المحيطة بالكورد بشكل خاص برهنوا مرة أخرى بأنه ليس للكوردي سوى الكوردي ، فقط يمكن للكوردي ان يساعد الكوردي، فقط قوة الكورد العسكرية و تماسكهم والدولة الكوردية القومية كفيلة بتوفير الحياة الحرة الطبيعية  لهم، وهذه الدولة هي الضمانة الوحيدة للكوردي ، وهذه الدولة أولا وقبل كل شيء حالة عرقية صرفة ، لان كل دولة انجزت الاستقلال كانت ملزمة أخلاقيا  بتركيا ، لذك فانه من حق الكورد أيضا ان ينشأوا دولتهم القومية وان يعيشوا أحرارا في ارضهم التي قطنوها منذ الألاف من السنين ولم يهاجروا إليها  اوغزوها  ،ولذلك سيبقون في أرضهم ولن يذهبوا إلى أي مكان أخر.
اجتماعات الكورد المنفين مؤخرا و نقاشاتهم وصلت  إلى الارتقاء بفكرة إنشاء حكم ذاتي للكورد، كما يلوح في الأفق أحيانا إنشاء دولة كوردية ولكنها تصطدم دائما بالتهديد والوعيد التركي الرافض لأي كيان كوردي و خاصة  في الأراضي التي كانت جزء من سوريا .
الكورد السوريين ينظرون إلى مكتسبات  أخوتهم كورد العراق ، حكم فيدرالي شبه مستقل ، برلمان وحكومة و جيش ومالية و اتصالات ومواصلات ومطارات في منطقة خاصة بهم وهم يحكمونها منذ أكثر من عشرين سنة . كورد سوريا يدركون قيمة ذلك جيدا وكثير منهم يلجئون إليها في محنتهم هربا أو لتحسين أوضاعهم المعيشية و هم يحثون العالم أجمع لمساعدتهم .
على العالم ان يدركوا تضحيات الكورد والظلم الذي لحق بهم ، وعليهم ان يدركوا انه آن وقت قطاف التضحيات الكوردية ، لقد حان الوقت لإعلان موت الدول المصطنعة مثل سوريا والعراق والتي أعلنت بموجب إتفاقية سايكس -بيكو، لقد حان الوقت لإعادة رسم خريطة هذه الدول حسب مصلحة شعوبها وليس حسب مصلحة سايكس و بيكو.
لقد اختفى الإستعمار منذ 70عاما وحان الوقت لمحو إرث هذا الاستعمار ، و هو حدود العراق وسوريا ، ماحدث ليوغسلافيا والاتحاد السوفياتي وتشيكوسلوفيا  نموذج  واضح لرسم خريطة الشرق الأوسط ، وهذه الدول تفتت حسب الجغرافية الأثنية والعرقية لكل دولة ، وهذه الدول أصبحت دولا عصرية ديمقرطية يسودها القانون و العدال و السلام ، و اوكرانيا تسير في هذا الإتجاه أيضا ، وهذه عملية طبيعية في عالم تلعب فيه الأثنيات القومية  حروبا  ضروس ودورا مهما حيث تختلف اللغة والثقافة والعادات إلى حد كبير  .
وبخصوص هذا الشان فأن الشرق الأوسط لا يختلف في أطاره العام عن أوربا ، بل الولاء للعادات والقبيلة و العرق والطائفة و الدين اكثر من الولاء للدولة المدنية ، ولهذا السبب فان شعوب ما بعد الحرب العالمية الأولى  في كل من العراق  وسوريا فشلوا في الأهداف الأساسية للدولة، اي دولة المواطنة المتساوية ، ولم يستطيعوا ان يحصلوا على ولاء و إنتماء هذه الشعوب للدولة ،وبالتالي فان الكوردي لم يشعر يوما بانتمائه الروحي للدولة العراقية والسورية والايرانية والتركية ، بل بقي ولاءه  فقط لقوميته لان هذه الدول لم تستطع ان تعامل الكوري بالتساوي مع الأخرين لذلك بقي الكوردي يعرف بالكوردي من قبل السوريين و العراقيين والايرانين والأتراك وحتى من قبل انفسهم بمجرد سؤالهم عن جنسيته و هويته .
 
ان الغرب و بشكل خاص إسرئيل مطالبين أن يتخذوا مواقف أخلاقية عملية وليس بالكلام فقط تجاه الحقوق القانونية للكورد بما فيها الدولة الكوردية المستقلة إسوة بشعوب المنطقة و العالم، وهذا هو السبيل الوحيد لتخليصهم وتحريرهم من عهود طويلة من الظلم الذي فرض عليهم من قبل مصالح الإستعمار المنقرض.
الإعتراف الدولي بحقوق الشعب الكوردي لن يسر تركيا بالطبع،الترك إرتكبوا مذابح بحق الشعب الكوردي  بلا رحمة ، تم قتل الألاف منهم في 30 سنة الماضية على يد الترك في تركيا والعراق . ان العالم مطالب من وجهة نظر إخلاقية أن تقول كفى لتركيا ، كفى تعني كفا ، لقد حان الوقت لتركيا أن تعترف بالحقوق القومية الكوردية و ان تتحمل قدرا جيدا  من مسؤوليتها الأخلاقية تجاههم .
الحكومة العربية العراقية ستضع بعض العراقيل وتثير بعض من الشغب تجاه الدولة الكوردية  و ستحاول منعها من أخذ البترول وبعض من الأراضي المستقطعة ، ولكن في حال قيام دولة كوردية ، فأن كثير من العرب العراقين  الشرفاء سيتنفسون الصعداء وسيشعرون بالراحة ،و سيفرح قلب الأسد بان العالم حرره من الكورد, والأيرانيين سيشعرون بغصة وبان كردهم سوف يطالبون بالانفصال عنهم وان سبب تحكمهم بالكورد فقط يعود إلى بريطانيا .
اذا استمر الكورد الأيرانيين المطالبة بحقوقهم وبالانفصال فان هذا سيجعل الكثير من القوميات الأخرى تطالب بحقوقها في أيران وهذا السيناريو يمكن تطبيقه في كل من تركيا وسوريا بالإضافة إلى أيران ،التي قد تحدث فيها حروب أهلية تصل إلى حد الانهيار ، وهذا له تأثير إيجابي وهذا ما  يحصل في سوريا الأن.
الكورد برهنوا انهم القوة الوحيدة التي تقاوم داعش ، ايران وتركيا لم تنضما إلى التحالف ضد داعش وعلى الأرجح لن يقاتلوها على الأرض ،الغرب و بعض الدول العربية حددوا مشاركتهم بالقصف الجوي ، وهذا لن يدمر دولة داعش، تدمير داعش تحتاج إلى قوات برية تبحث عن كل أوكارهم وجحورهم ، خندقا خندقا ، زنقة زنقة ، من شارع إلى شارع ، و لكن هذا لن يحدث وستبقى داعش كأمر واقع لبضعة سنين و سيتقبلها العالم كحقيقة واقعة .
و السؤال الذي يفرض نفسه ، هل الإعتراف بالحقوق الكوردية و قبول دولة كوردية أقل قبولا و إحتمالا من قبول دولة داعش الإرهابية ?و في حال انهيار الشرق الأوسط فانه لا بد من البحث عن البدائل لهذه الدول الفاشلة  . الدولة الكوردية ستكون الدولة المدنية المنظمة بالنسبة لتاريخ الشرق الأوسط الجديد وبفرص أكثر قابلية للحياة ، وليس كالدولة التي حدثت ابان الحرب العالمية الثانية .الدولة الكوردية ستكون  الحدث القادم في المنطقة ، وستكون بداية إفتتاحية  لربيع الأمم ، بعد 166 عاما من الربيع الذي حدث في أوربا .
ترجمة 
حزني كدو