نوري بريمو: الشرق الأوسط بين مؤتمرَي باريس (1919 و 2014)

2014-10-04

مرّت ثلاث سنوات ونصف على إندلاع الثورة السورية، ومازالت رحاها دائرة في طول البلاد وعرضها، ومازال الأسد يركب رأسه ويتخبط ويهدّد ويقتل ويدمّر والحبل على الجرار والعالم يتفرّج!، رغم أنّ نظامه خسر كافة أوجه شرعيته ومقوّمات بقائه ماعدا ممارسته لعقليته الأمنية وإعتماده على شبيحته ومجاميعه الإرهابية التي تسرح وتمرح وترتكب المجازر لصالح الأسد وأسياده المتربصين بأمن وإستقرار سوريا وجوارها والعالم برمته.
 
مما أدى ويؤدي إلى إنغماس سوريا والمنطقة في بحور راهن مضطرب للغاية ويوحي في الغالب إلى أنّ بلادنا أضحت رقعة جيوسياسية حبلى بالمجهول لأنها مضطربة وملئ بنزاعات ناشبة ومتأججة وقد تتفجّر وتتفاقم وتتحوّل إلى صراع إقليمي ومن ثم إلى حرب عالمية باتت تغزو الديار بشكل أفقي وعامودي ومن كل صوب وحدب. 
 
أما الشاهد الأكثر دلالة على أنّ حرباً كونية بالإنتظار أو بالأحرى باتت على الأبواب وقاب قوسين أو أدنى من النشوب، فهو إسراع المجتمع الدولي إلى عقد الإجتماعات والمؤتمرات والتحضيرات وتشكيل تحالف دولي يضم أكثر من 40 دولة لضرب داعش وأخواتها وملاحقة مختلف أشكال ومظاهر الإرهاب والإستبداد في هذه المنطقة الإستراتيجية من معمورتنا، في حين أنّ إحتكام مجلس الأمن الدولي لإتخاذ القرار 2170 يُعجّل الأمور ويعني بالضروة البدء بالتدخل العسكري المباشر في ساحات "سوريا والعراق ولبنان وجوارها" المندمجة مع بعضها حاليا بفعل فاعل إقليمي ينوي توسيع رقعة نفوذه الطائفي فألغى الحدود الدولية بين هذه الدول الثلاثة وحوّلها إلى ساحة واحدة ملتهبة ومتوترة.
 
ولعلّ الأمر الذي يضفي الضراوة أكثر فأكثر على هذه الحرب التي يبدو أنه لا مفرّ منها، فهو أنّ خلافاتها وأسباب اندلاعها هي ذات جذور تاراتية قديمة ولا يخلو الأمر من بروز ثمة صراعات حديثة العهد بين جهات عديدة تتدخل وتحشر نفسها في خطوط الجبهات وتسعي إلى التأزيم أكثر لغايات في نفسها ولتلبية مصالها على حساب وجود وحدود مكونات المنطقة الأصيلة (عرب وكورد وكلدوآشويين ودروز وغيرهم) التي قد تجد نفسها مضطرة بالدخول كطرف لا بل مبتلية بالتورّط في خضم هذه الدائرة العنفية المجنونة التي قد يصبح شعار كل طرف فيها هو "إما أن نشارك في هذا الصراع أو نموت جمعاً" مما قد يحوّل المشهد إلى حرب كونية لا بل إلى دوّامة من الحروب والحروب المضادة التي قد تحصد رؤوس جموع من الأبرياء بالجملة.
 
وعلى سبيل المثال، فإنّ مؤتمر باريس للسلام المنعقد منذ أيام 15-ايلول- 2014م، يذكرنا بالأجواء الدولية التي رافقت انعقاد مؤتمر باريس الأول في عام 1919م، الذي عقدته الدول المنتصرة في تلك الحرب الكونية قبل حوالي قرن من الزمن للتباحث في كيفية محاصصة الكعكة والتعامل بين الأطراف الفائزة (فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وروسيا) والخاسرة (ألمانيا والنمسا والمجر وبلغاريا والسلطنة العثمانية)، والذي تمخضت عنه معاهدة فرساي التي أسدلت الستار على آخر مشهد للحرب العالمية الأولى، فهل التحضيرات الدولية الجارية على قدم وساق سيكون من شأنها أن ترفع الستار عن أول مشهد من مشاهد الحرب العالمية الثالثة التي أصبحت طبولها تُقرَع أمام أبواب سوريا والشرق الأوسط الذي يشهد حاليا جملة من العواصف التي تسبق العاصفة الكبرى؟.