شفان ابراهيم : بارتي ديمقراطي كوردستان وبداية التأسيس للدولة الكوردية

2014-06-23

شفان ابراهيم
منذ  توقيع الاتفاقيات الدولية دون استشارة الشعوب المعنية بتلك الاتفاقيات وتطبيقاتها على أراضيها, وخاصة اتفاقية سايكس بيكو, كانت بداية الإعلان عن استمرار المنطقة في دوامة الأزمات والعنف والاضطرابات, لأن شعوب هذه المنطقة تجمعت على أساس إجباري قسري وهي غير متجانسة لا قومياً ولا فكرياً ولا ثقافياً, مما مهد الطريق أمام استمرار هواجس الخوف والقلق لتنبأ عن استحالة العيش المشترك بين تلك الشعوب التي تجمعت على شكل كتل سياسية دون أن تُستشار مما خلق حالة خوف من بعضها البعض. 
إن الأحداث التي تتالت منذ ستينات القرن الماضي, وحتى يومنا مهدت لصراعات وحروب لم ولن تهدئ دون الخروج بحل جزري جديد, فمن الصراع لأجل فلسطين, إلى الحرب العراقية الإيرانية, وسقوط جدار برلين, وتفكك الاتحاد السوفياتي وسقوط المنظومة الشيوعية في مقابل النظام الليبرالي الديمقراطي, وغزو الكويت, إلى منطقة حظر الطيران في شمال العراق, وسقوط النظام العراقي, والفدرالية الناقصة في العراق الاتحادي شكلياً, ووصولاً إلى الربيع العربي الذي أطاح ببعض القيادات دون أنظمتها, ودون سيستامها المعقد المبني على الإقصاءات, والتفرد, والاستقطابات الأحادية الجانب القائمة على زرع التفرد وعدم الاعتراف بالأخر في أجيالها وقواعدها ومنظماتها, كل ذلك يوحي ببداية تغيرات جوهرية في الشرق الأوسط كله, بناء على سلسلة المعطيات الأنفة الذكر, وليس فقط بناء على إفرازات المرحلة الراهنة المتولدة منذ ثلاث سنوات.
 
بارتي ديمقراطي كوردستان ومشروعه الكبير
يُلاحظ كل متابع للساحة السياسية الكوردستانية, السعي الدئوب  للبارتي ديمقراطي كوردستان- عراق, والمعرف بحامل لواء القومية الكوردية, عمله على توسيع مساحة قوته وسيطرته على الأطراف بعد أن حقق النجاح في المركز, فبعد أن أثبت علو كعبه في الإقليم وتغلبه على أشرس منافسيه وبشكل ديمقراطي شرعي, عبر صناديق الاقتراع, وأثبت قوته خلال أقل من سنة واحدة عبر صناديق الاقتراع في كل من منافسات الانتخابات البرلمانية الكوردستانية والعراقية, ومجالس المحافظات الكوردية, ترافق مع ذلك بسط نفوذه على باقي الأجزاء عبر  بارتي ديمقراطي كوردستان في كل من ( سوريا تركيا, إيران) وهذه الأجنحة تمتاز بثقل جماهيري ونسبة مئوية كبيرة من المؤيدين والمؤازرين فضلاً عن المنتسبين, على الرغم من المعوقات التي تواجه الديمقراطي كوردستان- سوريا.
 
بارتي ديمقراطي  كوردستان ومشروع الأمة الكوردية
منهم من يُنادي بالأممية والمشاريع التوسعية ومفاهيم جديدة لم تستطع أعتى القواميس السياسية الدولية شرح مفاهيمها, ومنهم من ينادي بالاشتراكية والمساواة, وبين هذا واذك تبقى القضية الكوردية, كقضية ارض وشعب معلقة على أوتاد من المصالح الحزبية الضيقة, وعبر هذه المعمعة والفوضى المنضبطة, ينبري مشروع الأمة الكوردية, عبر متواليات سياسية بدأت تُمأسس لمرحلة جديدة عبر خلق أرضيات متشابهة ومتقاربة, هذا إن لم تكن متوحدة في رؤاها وبرامجها السياسية, وذلك لخلق جسد واحد موزع بين أربع أجزاء مُلحقة بأربع دول, هو بارتي ديمقراطي كوردستان بأطرافه الأربعة, وحمل راية الأمة الكوردية وفق خطة إستراتيجية واضحة المعالم, اقل ما يمكن القول عنها, إن فشل هذا المشروع سيُنهي أية بارقة أمل في وجود امة كوردية, ليس على المد الطويل فقط بل ربما لأكثر من مئات السنين القادمة. 
 
النفط العامل الأبرز لإعلان الدولة الكوردية
أن ما مجمله ( 2 مليون) برميل نفط يومي اعتبارا من عام 2015 سيكون عامل جوهري في تعزيز السيادة الكوردية على المنطقة, ولأول مرة سيكون أمام الكورد فرصة سانحة لإعادة كتابة التاريخ الكوردي في المنطقة من جديد, بعد أن كان هذا النفط العامل الرئيس في بلورة المشاريع التقسيمية لكوردستان, وأهم عامل من عوامل الضغط والقسر الذي عانه الشعب الكوردي, اليوم الكورد هم من سيناقشون وضع كوردستان في المحافل الدولية, وهم يعتبرون القومية الأبرز والأكبر في العالم التي حرمت حتى اليوم من دولة خاصة بهم وبباقي المكونات التي تشاركهم العيش المشترك, وهذا الطموح الجامح لتشكيل كيان كوردي مستقل, كان يصطدم حتى الأمس القريب بالتعنت التركي, لكن هذه الأخيرة وكبلد ينمو فإنها بحاجة إلى الطاقة, وتبدو حكومة إقليم كوردستان العراق واحدة من أفضل الخيارات بالنسبة لحاجت تركيا للطاقة, وكلا الطرفين يتلمسان حاجة كل منهما للأخر, وكلٌ وفقَ مصالحهِ الإستراتيجية الطويلة الأمد, وما توقيع الجانبان لصفقات الطاقة وتحسين العلاقات الاقتصادية بينها أكثر, إلا خير دليل على مدى التقارب الحاصل بينهما على أساس قوتين في المنطقة, بعد أن وصلا منذ سنوات إلى سياسة صفر مُشكلة بين الطرفين. إن النفط المنتشر بكثافة في المناطق الكوردية في سوريا والتي تُعرف باسم كوردستان سوريا لدى الكورد, ستكون هي الأخرى محطات نزاع بين كل من سيحكم سوريا وبين الكورد في مناطقهم, وهي ما ستعتبر فرصة سانحة للاتفاقات الاقتصادية مع الجانب التركي الذي يشترك مع كوردستان سوريا بحوالي (800) كم. بالنسبة للكورد فإن النفط يمثل الأمل والخلاص, وهو أيضاً طريق معبد من المسامير
 
الربيع العربي
أثبت الربيع العربي الذي أجتاح بعض الدول العربية منها, ومنها المختلطة الأقوام والأعراق, إن تلك الدول كانت تتمتع باستقرار ظاهري, وبنية ورئية شعبية هشة تجاه الدولة والقضية والوطن, فغياب مفاهيم حقوق وقضايا الإنسان والآنسة الفكرية, واجتياح اقتصاد القطاع العام والذي كان في معظم الحالات أما تحت سيطرة الُأسر الحاكمة لتلك الدول, أو كانت تتم وفق حصص ونسب عالية للقيادات السياسية والعسكرية, فاجتياح هذا النوع من الاقتصاد ورفع منسوب نسبة من يعيشون تحت خط الفقر, وحرمانهم من ابسط مقومات العيش البسيط, وغياب جميع آليات ووسائل ومقومات حرية التعبير والإعلام....الخ مهد الطريق لقبول الشعوب بأي حل خلاصي للخروج من سياسة القطيع والتبعية التي فُرضت عليه, وهذه الدول التي كانت تتمتع باستقرار وقوة داخلية كبيرة كما كانت تبدو عليه, باتت المؤشرات توضح البساطة الكبيرة في هدمها وإسقاطها بأسهل الطرق. وكانت لمخرجات الربيع العربي الفضل في إماطة اللثام عن المخططات التي رُسمت منذ عقود للخروج بخريطة جديدة للشرق الأوسط, وتقسيم دول, لبلورة دول جديدة, وتشير جميع الترجيحات والمؤشرات والدلالات إلى دولة كوردية خلال العقود القليلة المقبلة, عبر فرض أنظمة حكم فدرالية, وكونفدرالية لكوردستان العراق, وما البدء بتصدير النفط الكوردي إلى الأسواق العالمية وشراء الأوربيين والأمريكان للنفط الكوردي, وبروز كوردستان العراق كدولة نفطية مُصدرة للأسواق العالمية إلا دليل على الانتهاء من اتفاقية سايكس بيكو, والبدء بتطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد, وهذا المشروع سيكون بحاجة إلى دولة تتشكل وفق القوة الناعمة وحينها لن يكون لهذه الدولة المكانة الإستراتيجية فحسب بل القوة الرئيسية للسلام والديمقراطية في المنطقة. فالعولمة الاقتصادية في توسع مستمر وهي بحاجة إلى أسواق ودول جديدة تحتاج إلى أجدد الإصدارات الرقمية والتكنولوجية والمواصلات والموضة الذوقية, وهذه بحاجة إلى دخول فردية كبيرة لتتمكن من تصريف تلك المنتجات, ولعل المواطن في كوردستان العراق يعتبر الأكثر رفاهية مقارنة بالفرد في أغلب دول الشرق الأوسط وغرب أسيا, إضافة إلى دول غير مُكبلة بعقد قومية وتيارات دينية سلفية, يُمكن أن تشكل خطر أخر على استقرار المنطقة.
 
الإنسان والثقافة في المشروع الكوردستاني
لا يحتاج المتابع لكوردستان العراق إلى وثائق وإثباتات لتؤكد مدى الطفرة في مجال التمتع بحقوق الإنسان, وحقوق الأقليات, والأثنيات, وحرية الصحافة, والإعلام, والرأي, وتشكيل الأحزاب, وقوانين دعم الحريات والمرأة على الصعيد الرسمي, ومحاولة خلخلة البنى التقليدية القديمة فيما يخص حقوق الطفل والمرأة, وحرية التعبير والاعتصامات والتشكيلات السياسية والحزبية والشبابية و....الخ, وما بروز حركة التغيير كقوة ثانية في كوردستان العراق والمشاركة في البرلمان والحكومة وفق استحقاقاتها إلا خير دليل على الديمقراطية التي تتوسع بسرعة فائقة في تلك الرقعة الصغيرة, ومقارنة بالعراق العربي أو دول الجوار, أصبحت كوردستان واحة للحرية واحترام الخصوصية الفردية والشخصية, من ناحية أخرى فإن الاهتمام الكبير بالجانب الثقافي والفكري والتراث الكوردستاني,وإيلاء اللغة الكورية أهمية قصوى في المدارس والجامعات والمراكز الرسمية وفي المخاطرات مع الحكومة اللامركزية في بغداد وغيرها, تدل بجلاء واضح عن مقاومة الثقافة الكوردية للمد العولمي الرامي لتحويل الثقافة الفكرية إلى ثقافة سلعية, وما المراكز اللغوية والمجاميع الثقافية والندوات والورش المعنية بالهم الثقافي الكوردستاني, إلا خير دليل على صعوبة تغلغل العولمة للقضاء على الحالة الفكرية, فالمشروع الكوردسيتاني يستفاد من معطيات ومفرزات العولمة على الصعيد السياسي والاقتصادي المتعلق بالتوافقات والتوازنات السياسية والأهمية الاقتصاد, والاستفادة من الطفرات الفكرية والاكتشافات الجديدة, دون أن تُفسح المجال لتحويل الثقافة الكوردية بخصوصيتها إلى ثقافة مخترقة بعامل العولمة المختبئة خلف الحامل المعرفي العالمي, ودون أن يتحول المواطن الكوردستاني إلى مواطن سِلعي.