شفان ابراهيم : دور الوافد الخارجي في تكوين الثقافة الكوردية

2014-05-23

شفان ابراهيم
لعله من الحكمة وضع اليد على آليات الفكر الوافد, حيث تدخل في عملية التموضع الفكري, وظهور البنية الثقافية العامة من جهة, ومن جهة أخرى التيارات والاتجاهات الأخرى, والتيارات تأخذ طابع التنظيم كأن نقول اليمين المعتدل بتنازلات قوية, الوسط المتراجع في مقابل المد القومي, وغيرها من التيارات, أما الاتجاهات فنعني بها اتجاه الحرية, العبودية, القبلية,
المدنية, المواطنة, الوطنية...الخ لهذا نجد أن الفكر الوافد يدخل عبر هذه الأقنية وليس خارجها, فهو لا يدخل في مجتمع ما وكأن هذا المجتمع مفتوح ومخترق بكامله, وإنما هذا الوافد من الخارج يجد أسئلة متواجدة من بنية هذه الثقافة, ومن ضمن هذه البنية كأنه يقول: ما الذي يحتمله هذا المجتمع الداخلي كي ينهار, ما هي ابرز سمات المرحلة كي نتمكن من تفتيته ونقله إلى حالة أخرى, وهنا نصل إلى نقطة الانطلاقة التي يعتمد عليها الوافد الخارجي, هي أن أي مجتمع لا يجب اختراقه من عملية قسرية ( الغزو العسكري) وإنما الاختراق يجب أن يكون طوعاً. فهو يأتي عبر استجابة البنية الداخلية له بقدر أو بآخر, عبرة متواليات دقيقة قائمة على الدخول في صلب البنية الثقافية والاجتماعية, وزرع بذور شقاق وتشتت وخلاف في بنية الثقافة الكوردية, وهنا نواجه مصطلح الخصوصية ثانية, وسنلاحظ منه مثالين:
 
1الخصوصية الكوردية لم تُخترق: حيث أن الفكر الكوردي في بواكيره أخذ وأعطى الكثير ل\من الثقافات اليونانية والفارسية والهندية, حيث آخذ ما استجاب لاحتياجاته, ومنحهم ما هم بحاجته, وأعطى الفكر العربي والإسلامي الكثير, فقد ساهم الكورد في بناء الحضارة الإسلامية, وبرز منهم العديد من العلماء والمفكرين المبدعين في شتى مجالات الحياة, لكن قومية اغلب هؤلاء ضاعت في الوسط والعمق العربي للإسلام, خاصة وان أغلبهم دون ثقافته وفكره باللغة العربية, وعاشوا في مدن عربية, وللأسف فإن غالبية المفكرين العرب يعتبرون هؤلاء عرباً, أما الفرس فيعتبرونهم إيرانيين وهو تعبير شوفيني لإذابة من لا ينتمي إلى القومية العربية أو الفارسية في بوتقة قوميتهم, من أشهر الشخصيات الكوردية التي ساهمت وأغنت في شتى مجالات الحياة سواء عند العرب أو الفرس أو الترك نذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر ( زرياب, ابن الأثير, الدينوري, بديع الزمان الهمذاني, احمد خاني, ابن النديم) وغيرهم كثر ولكل منهم حكاية وقصة وإبداع فضل به الشعوب الأخرى دون أن يكترث باختلاف قومياتهم عن قوميته.
 
2 اختراق الخصوصية الداخلية: إن البنية الداخلية في المجتمع الكوردي كانت قائمة على خصوصيتها, إلا أن احتكاكهم بالعرب ودخول الإسلام  قد ألغى بعض من خصوصية الكورد لصالح خصوصيات من نمط آخر توازي الثقافة الجديدة القائمة على إلغاء الأخر عند بعضهم, وعلى الاستمرار في التأويلات والتفسيرات الكيفية عند البعض الأخر, فلم يعد بالإمكان الحديث عن ثقافة كوردية خالصة في ظل القهر والتذويب الممارس من قبل العروبيين, ولم يعد من الإيمان الحدث عن أهمية اللغة الكوردية في ظل الإصرار على عروبة لغة القرآن, هذه المفارقات وتحجيم الخصوصيات, دفع بالفكر القومي الكوردي لطرح مفاهيم الهوية والخصوصية بطريقة أخرى لا تخلوا من الذكريات المريرة, ويتم طرحها لدى البعض من الكورد بطريقة تخالف الحالة الطبيعية في الطرح, ومرد هذا التغيير إلى الاستمرار في ذهنية الإلغاء الممارس ضد الكورد, مترافقة مع ذلك أن مفاعيل النظام العالمي الجديد قد يكون من شأنها أن تخترق الدواخل وتعيد بناءها, وهذا قد يصيب بالنهاية الثقافة سواء الكوردية أو العربية أو الإسلامية بالسوق السلعية. لذا فإن الحديث عن البنية الداخلية والخصوصية ليس مطلقاً, بحيث أن أمكانية اختراقه قابلة للتحقيق, فالنظام الجديد يسعى إلى اختراق الخصوصيات في العالم, وعلى اعتبار أن الفكر العروبي والتيارات الإسلامية والإسلام السياسي المنحرف جميعهم اتفقوا على ضرورة اختراق الخصوصية الكوردية, ونسفها وخاصة الخصوصية الثقافية ليصار إلى مسح, وتزييف, وتغيير, وإلغاء تاريخ,  ولغة, وثقافة شعب بأكمله, وكما نعلم لا يمكن لشعب أن يُقتلع من جذوره ما لم يُنسف التراث واللغة والتاريخ الخاص بذلك الشعب. لقد دخل العالم رهانات جديدة لم تكن موجودة, كتنديد وزير الثقافة الفرنسية واحتجاجه على الغزو الثقافي الأمريكي للشرق عامة والدول العربية خاصة, وعلى ضوء هذه الرهانات نجد أنفسنا أمام حدث جديد: بأن ليس هناك ثوابت مطلقة؛ لان آليات التغير العالمي الجديد تنتج ما يسمح لاختراق البنية فتجعل دخول الخارج بالتالي أمرا عادياً, بحيث يغدو الخارج داخلياً وهذه جدلية الداخل والخارج.
إلا انه تبقى هناك نقطة يجب الانتباه إليها وهي: أنه لا يستطيع خارج أن يدخل إلا ضمن آلية الداخل, لذلك كانت الحركة الاستعمارية مضطرة لمعرفة ما يوجد في الداخل ومحاولة الالتفاف عليه.
 
وإن قمنا بإسقاط كل هذه الحالات والرهانات والاختراقات وطرائقها على الوضع الكوردي سنجد أن البنية الكوردية قد أصبحت مهيأ لأي اختراق أجنبي من جهة, ومن جهة آخرة أصبحت عصية على التأقلم والتفاهم والتقارب مع العمق العربي في الشرق الأوسط, وعلى اعتبار أن الاختراق الأجنبي لا يقل سلبية وضرراً من اختراق الفكر العروبي للنبى الكوردية, فإنه يتوجب على البنية الكوردية الداخلية إعادة صياغة نفسها, وإعادة هيكلتها وهيكلة أنظمتها الداخلية, حتى تصبح سداً منيعاً في وجه الوافد الخارجي بحلته الاستعمارية, وصورته التحررية والوقوف في وجه الوافد الخارجي  الفكري الذي يرغب في استباحته, واستبداله بآلية تعامل ندي وفق منظور المصالح المشتركة, وهذه النظم لابد من صياغتها وبلورتها على شكل نظم قادرة على القيام بمهامها, وواجباتها تجاه نفسها ورعاياها؛ لان الوافد لن يرحم الداخل الكوردي والإصلاح الأفضل هو الإصلاح الداخلي والعمل على لم الشمل وترتيب البيت الكوردي.