نوري بريمو: في جنيف2: تم وضع الأصبع على الجرح السوري

2014-03-04

لعّل مختلَف المعنيين بالشأن السوري، إعتقدوا في البداية بأنّ مؤتمر جنيف2 سيفشل وسينطبق عليه المثَل الشعبي "دبكة حَمَدْ بأرضها...بأرضها"!، وأنّ هذا المحفل الدولي سيتعثّر في تجلياته وستعترض سبيله الكثير من المعوقات والعراقيل نظرا لكثرة الأصابع الدولية والإقليمية والطائفية التي تحشر نفسها في هذه الطبخة السورية التي كثُرَ طباخوها ودسّوا السمّ فيها وجعلوها تُطهى بنيران ووقود أهلها وبشكل ساخن لا بل حارق منذ بداية ثورتها قبل ثلاثة سنوات.

وصحيح أنّ الأصابع الممدودة إلى الأزمة السوري المحرّضة من قبل هذه الجهة أو تلك، هي كثيرة وغريبة وعجيبة، وهي متعددة النوايا والأغراض والخلفيات والأشكال والألوان، وهي مغروسة فيها لخلفيات وغايات ومرام لا تُعد ولا تُحصى، وصحيح أنها أيادٍ دخيلة أرادت وتريد أن تلعب أدوارا سلبية تنعكس بشكل مباشر على حاضر ومستقبل البلد وتعكر صفوة الحياة فيه، إلا أنّ المعارضة السورية (الإئتلاف المعارض والمجلس الوطني الكردي) قد تحرّكت في الحين المناسب ووضعت الأصبع على الجرح، حين تجاوزت خلافاتها ولملمتْ شمل قواها في الداخل والخارج، وتعالتْ على المختلفات وإجتمعت حول القواسم المشتركة، ولبّت رغبة وإرادة المجتمع الدولي وتحمّلت المسئولية التاريخية وأعطت الحق لنفسها كممثل عن الشعب السوري بالخوض في التفاوض مع نظام الأسد في جنيف2 التي انبرى من منبرها صوت المعارضة عاليا، وقامت بتعرية النظام من كافة أوراق التوت التي كانت تستر عوراته الكثيرة التي ستفضحه وتودي به إلى الرحيل في مسيرة بدء العد التنازلي لحقبة حكمه التي باتت قاب قوسين أو أدنى من السقوط.

ولعل جلّ ما حققه وفد المعارضة من نجاح في جنيف2، هو إصراره وعدم تنازله عن مبدأ وضع الحصان أمام العربة بعكس ما كان يخطط له وفد النظام الذي كان ينوي إدخال الجميع في دهاليز ملفات أخرى مضيعة للذات والآخر، وبناء عليه فقد تم الأخذ بخيار المعارضة الذي أكد بأنه لا بديل عن الأولوية لتشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات، وأن تكون أول بند على جدول أعمال المفاوضات التي تعثرت بسبب تعنت نظام الأسد، بالرغم من أنّ الدول الراعية للمؤتمر قد أعطوا فرصة كبيرة ومساحة واسعة له للحراك على مدى جولتي جنيف الأولى والثانية.

لكن يتبادر هنا تساؤل: هل من الممكن بعد كل هذا التعنت الذي أبداه ويبديه نظام الأسد حيال هذا الراهن العالق بلا أي توافق سوري، وبعد تعثر مختلف المفاوضات الجارية هنا وهناك، وبعد فشل الجهود الدبلوماسية الدولية والإقليمية والعربية المبذولة على هذا الصعيد أو ذاك، أن يقتنع المجتمع الدولي بمبدأ انعدام اللجوء إلى خيار التدخل العسكري في ظل إستحالة إيجاد أي مخرج سياسي يقود بسفينة هذا البلد إلى بر الأمان والإستقرار؟.

أم أنّ هذا الملف قد يُستَدار ويُدار بشكل آخر، وحينها يبرز سؤال آخر: هل نهاية جنف2 يعني بداية نهاية نظام الأسد عبر تدخل الأسرة الدولية بغطاء إنساني من خلال فتح ممرات آمنة وتوفير مناطق حظر جوي وكيميائي وملاذات للمدنيين ومكافحة المجاميع الإرهابية ومنع حصول حملات التطهير الطائفي والقومي وغيرها؟، وهل حينها سيتعرض البلد للتشتت والتقسيم بفعل اندلاع حروب طائفية وقبائلية وعرقية قد تقود بالبلاد والعباد إلى شتى النشوبات البينية والإحتمالات التي في الحسبان وغير الحسبان؟، أم ماذا وكيف؟.

ورغم أنّ الأخضر الإبراهيمي قد إعتذر من السوريين لأنه فشل في مهمته، إلا الإعتقاد السائد حاليا هو أنّ كل من يتصوّر بأنّ المجتمع الدولي لم ينجح في رعايته لحيثيات وتداعيات المشهد السوري، فهو مخطئ لأن الأحداث جرت وتجري كما كان متوقعاً منذ البداية، في حين كل المؤشرات المترافقة مع السباق الدبلوماسي الماضي والحالي، توحي إلى أنّ الأمور قد تنحو نحو منحى آخر، وأن السيناريو الأكثر رجحانا من الآن فصاعد هو تقديم الدعم بكافة أشكاله للمعارضة المعتدلة للسعي جمعاً والسير بهدوء جداً في طريق إسقاط نظام الأسد وطرد مجاميعه الإرهابية من طول البلاد وعرضها.

ومهما كثر الحديث والقيل والقال عن المحاولات اليائسة للبحث عن الحلول السياسية في ظل إصرار نظام الأسد على عسكرة الحلول، فإن لسان حال الشارع السوري قد كان يعلن منذ البداية وفي كافة المظاهرات التي أشعلت الثورة السورية: "إنّ النظام العسكريتاري في دمشق لايفهم لغة السلام وإنّ السلمية لن تجدي أي نفع معه"، مما يعني أنه لا بد من توفير قوة ضاربة لتسقط هذا النظام ولتقلع منظومة البعث من الجذور.

وفي كل الأحوال فإنّ هذا النظام الأرعن قد أسدل الستار على مختلف سيناريوهات الحلول السياسية في جنيف وغيرها، وهو يتحمل بمفرده مسئولية إفشال كافة الجهود السلمية التي أرادت الخير والصلح والمصالحة لأهل سوريا بكل مكوناتها، وبالتالي فلا يجوز أن يجري تضييع الوقت مرة أخرى في متاهات أخرى، فليس أمام كل المعنيين بهذا الشأن الذي بات يبحث عن الحل العاجل، سوى توفير سبل تنحية نظام الأسد وتسليم البلاد إلى أهلها العرب والكورد والآشوريين والدروز وغيرهم.