الكاتبة و الشاعرة وجيهة عبد الرحمن في حوار خاص مع كوليلك

2012-12-12

حاورها : عماد يوسف

وجيهة عبد الرحمن إنسانة محبة للحياة ، تكتب للإنسان ، ربما  يسهم ما تكتبه في تغيير شيء في العالم ليعمَّ السلام والمحبة كلَّ القلوب.
كاتبة كردية من  سورية ، تكتب  الرواية و القصة والشعر , بالإضافة إلى البحث الاجتماعي فهي تكتب البحث الاجتماعي الخاص بالمرأة والطفل والأسرة ولها في ذلك العديد من المحاضرات والأبحاث الميدانية تم نشر بعضا منها والباقي تم إلقاؤه على شكل محاضرات في المراكز الثقافية بالمحافظات السورية

حاصلة على العديد من الجوائز الأدبية في مجال القصة على مستوى القطر ,  لها العديد من المشاركات في المهرجانات المحلية السورية والخارجية
مساعد الرئيس التنفيذي لشؤون الثقافات والأدب العالمي في وكالة عرار
مراسلة ثقافية لمجلة الجسرة الثقافية بدولة قطر
نائب مدير تحرير وكالة عرار لشؤون سوريا الأدبية
تنشر في العديد من المجلات العربية والدوريات المحلية والصفحات الالكترونية

- الشاعر ابن بيئته التي يتأثر بها و يعيش تفاصيلها
إلى أي مدى كانت مدينة ديرك حاضنة لفكرك و أدبك و تأثرت بأجوائها ؟

ج - هذا السؤال بقدر ما  أتلذذ به ، إلا أنه يربكني أيضاً، إذ أن ديرك بالفعل كانت الحاضن الأول لنشأتي الأدبية والفكرية، ومن ثم انتاش البذرة الأولى لأفكاري ولكل ما كتبته.
لاتزال ديرك هي الملاذ الآمن لي كلما استبدَّ بي الحنين إلى ذاتي ، بالرغم من خروجي منها منذ عام 1994 إلا أنني مازلت متصلة بحبل سريِّ بحياة كاملة عشتها فيها ، على الرغم من سطوة العادات والتقاليد والبيئة الوسط ما بين الريف والمدينة . ديرك مكانٌ كونيٌّ شاسع ، عشت فيه مع نفسي حياة افتراضية ضمن عالم واسع من التخيلات والأحلام ، ديرك جغرافية عملت على صقل حواسي، حددت مساراتي وأحلامي حتى وإن كانت بعضها مجرد أوهام، كانت الجسر الذي امتدَّ بيني وبين الطبيعة الحيَّة وكائناتها، لاأزال أجد نفسي في مناماتي كلها في ديرك في بيت عائلتي ذو البناء البسيط والنهر القريب من بيتنا، ذلك النهر لم يكن له أسم ، مع ذلك حفر في ذاكرتي أخدوداً لم تستطع السنوات ردمه.
مع كل ذلك أستطيع القول أيضاً أنني طوال فترة وجودي في ديرك لم أستطع الإفصاح عن كوني شاعرة وكاتبة ، ربَّما سأعزو ذلك إلى إننا في الوقت الذي نكون فيه في أمان في المكان الذي نحب، إلا أن ذلك المكان ليس هو الذي يمنحنا ما نريد ويساهم في تجديد هويتنا وتغير قدرنا، كتبت لسنوات طويلة في ديرك ولكن ما كتبته لم يبصر النور إلا بعد خروجي منها،  ديرك ستظل الملاذ الآمن لروحي.

–  وجيهة عبد الرحمن تحولت من كاتبة تحتفظ لنفسها بكل ما تكتبه خشية العادات الاجتماعية إلى كاتبة تنشر بحرية تامة إلى حدٍ تتناسى تبعات ما يأتي بعد النص .. كيف تم هذا التحول ... ؟

ج - عملية التحوُّل هذه عملية معقدة للغاية، ربَّما للأمر علاقة بصقل الفكرة أو قوة الشخصية، أو ربَّما هناك إجابة أخرى لم أتوصل إليها بعد.
 كل ما أستطيع الرد به هنا  هو أنني منذ أن وعيت الدنيا كرهت القيود وكرهت التأطير، كان يلزمني فقط ( أن أبدأ) كنتُ على يقين أنني ما أن أبدأ فإن نهر الكتابة سيكون غزير الجريان.
 طوال الوقت كنت عالقة في شعور بالإمتلاء ، أمضيت تلك السنوات التي أخفيت فيها ما كتبت وكأنني في حالة مخاض ، وحين كتبت أولى قصصي على الإطلاق وحصلت على جائزة في اول قصة كتبتها  تنفست الصعداء وقلتُ : الآن بدأت اللعبة....
عندما نكتب حقيقتنا كأفراد في مجتمع ما ونظهر الحقيقة في تلك الكتابة، يكون ذلك الأدب واقعياً لذا أنا  لم أخجل يوماً من أن أقول أي شيء أو أكتب في أي موضوع محظور يعتبر خرقاً للقوانين وتجاوزاً للخطوط الحمراء المتعارف عليها، ثم أنني أعرف شيئاً واحداً: هو أن  الكتابة هي إما أن تكون جريئاً وتقول كل ماتشعر به وتراه وتقدمه لقارئك بدون خوف أو وجل أو انك يجب ان تلتزم الصمت وتخفي رأسك كالنعامة في الرمل، الأمر يحتاج إلى الشعور بالشمس في داخلك ، لتهب نورها للعالم.
 
– يبدو أن التمرد غدا سمة من سماتك , من تمرد على الواقع إلى التمرد على القوالب الشعرية إلى أسلوب القصة إلى العمل التخصصي ... فإلام يعود ذلك ؟

ج - لا أسميه تمرداً، كتبت قصيدة النثر ليس تمرداً على القوالب والأوزان الشعرية بل لأني أكره القيود وأحب الحرية في  الكتابة، ولأنَّ ما أرغب في التعبير عنه يحتاج إلى فضاء رحب  بلا أفق لكي يدخل إلى  روح القارئ دون التفكير بآلية كتابة تلك الكلمات.
 الشعر هو روح الحياة وملحها ‘ فإذا ما تم حجز الروح في قفص الأوزان ، باعتقادي أن تلك الروح ستفقد روحها وستصل مرهقة إلى المتلقي، على أنَّني  أعترف بأنَّي قرأت الروائع من الشعر الموزون والمقفَّى وحلَّقت مع كل كلمة.
الأمر ذاته ينطبق على طريقة كتابتي للقصة ، أنا لا أرغب في قراءة قصة سردية بأسلوب رتيب ، كيف سأكتب تلك القصة وأقدمها لقرائي الذين أحبهم وكلُّ همي تقديم الجديد إليهم، أكتب كل ما أكتب لأجلهم ولإمتاعهم ، والإفصاح نيابة عنهم عما يعجزون هم عن الإفصاح به،  أنا أسعى دوماً إلى الاختلاف ، وقد غدا ذلك سمة خاصة لنمط الكتابة لدي، أتميَّز بها وهذا يدفع بالقراء إلى انتظار الجديد دوماُ.
 
– من المعروف أنه تم تكريمك في الكثير من المناسبات و المحافل ( سورياً و عربيا ً )
    فهل حصلت على ذاك التكريم اللائق كردياً .. ؟

ج - رغم أنني أكره الحديث في هذا الموضوع، لكنني سأتمالك نفسي وأجيب عن السؤال بما أستطيع لأن هذا الأمر حتى الآن هو بمثابة الدمعة العالقة في العين، تأبى النزول....
أحترم قرائي الكرد وأحبهم وهم كثيرون وحقيقة هناك الآلاف من القراء الكرد في أنحاء العالم ينتظرون مني دوماً الجديد ..... هذا وحده هو أكبر تكريم وتقدير لي،  لكن ربما السؤال هو باتجاه التكريم الرسمي في المحافل والمهرجانات الكردية التي تقام في كل حدب وصوب وبمناسبة وبغير مناسبة.
 لااااااااااا.........لم أكرَّم كرديا بشكل رسمي حتى هذه اللحظة ، ولأسباب لاأعرفها، ربما هم يعرفونها ،  على الرغم من أنني كنت ولاأزال وسأظل  أقدِّم نفسي كاتبة كردية  همها الأول هو قضية شعبها ، مثَّلتُ شعبي الكردي في كل مكان حللتُ فيه ، وانتم أدرى بتقلاتي الكثيرة والمحافل الرفيعة المستوى التي أشارك فيها خارجياً ودولياً، عملت لقضيتي في الخفاء دون توجيه من أي حزب أو تيار كردي،( كجندي مجهول) اعتبرت نفسي على الدوام حاملة  لرسالة القضية الكردية، ولم أنتظر مباركة  جهودي من أحد. الأمر بغاية البساطة، هو أنني أكتب للإنسان، حتى أنني عندما بدأت الكتابة لم اكن أفكر في شيء سوى بالكتابة للإنسان الذي يستحق وحده حياة كريمة تليق بتواجده  في الكون الفسيح.
 التكريم لم يهمني كثيراً بالمقارنة مع محاربة الكثيرين من أبناء جلدتي( الكرد) لي،هؤلاء تناسوا تماماً ان وجيهة عبد الرحمن هي امرأة كردية ومن منطقة قصية بعيدة عن كل شيء، وتعيش في مدينة الحسكة التي لانعرف لها هوية حتى الآن ، بالرغم من كل ذلك فقد تجاوزت الحدود والبلدان، حملت صوت الكرد في قلبها وروحها إلى كل مكان حلَّت فيه ضيفة، حقيقة أشعر بالحزن يتآكلني، لأن الكثيرين تستهويهم الفقاعات الأدبية،  وذلك يسيء إلى الكاتب الحقيقي بشكل غير مباشر، صدقني أنا سعيدة في ذات الوقت لأنني أمارس حقيقتي وليس في حياتي شيء أخجل منه بل أشكر نفسي لأني بجهود فردية وبدعم عائلتي  وبعض الأصدقاء وقرائي وصلت إلى ما وصلت إليه.
في دولة البحرين وفي جناحي الخاص الذي استضافوني فيه في فندق فريزر سويتس سيف البحرين، وقفت قبالة المرآة وابتسمت ثم ارتفع صوتي قهقة،شعرت بالغبطة ،  تخيٍّل أن أحد النقَّاد المدَّعين قال  حين حصلت على جائزة عبد الباسط الصوفي وقد كانت  أهم جائزة أدبياً ومادياً على الإطلاق في سوريا : قال أن وجيهة عبد الرحمن حصلت على جائزة الأديب الراحل عبد الباسط الصوفي لأنَّها صديقته،  كلنا يعلم أن الأديب الراحل عبد الباسط الصوفي ميت منذ عشرات السنوات ....
 بالرغم من كل ذلك، أنا على يقين أن التاريخ منصف، وكل هذا الكلام ليس إلا لأسأل هؤلاء: لماذا تكرَّم وجيهة عبد الرحمن دولياً وعربياً ويتهافت النقاد على دراسة نتاجها والقراءة لها، في الوقت الذي لم تعرها أية مؤسسة رسمية كردية أي اهتمام، إذا أردنا أن نسميها مؤسسات حقيقية.
 وكي أقول لهم : سأكتب لكم ... للكرد.. للبشرية ... للعالم ... ولايهم أن تكرّموني أبداً لأني بالفعل حصلت على تقديري وتكريمي في الحياة وفي ظل أوساط ثقافية والأدبية على مستوى أرحب وأوسع، والتاريخ لايغفل ذكر أي اسم في سجلاته
 
– كونك عضوة في اللجنة التحضيرية لمهرجان الشعر الكردي ....
ما هي آليه عمل اللجنة ... و كيف يمكن تطويرها ؟؟

ج -  كنتُ عضوة في اللجنة التحضيرية لمهرجان الشعر الكردي للدورة الأخيرة فقط...بالنسبة لآلية عمل اللجنة ، لايزال العمل تقليديا أ ولم يخرج عن إطار الدورات السابقة،، حاولت تقديم بعض الأفكار الجديدة والحديثة  إلى العمل ، لكنني فشلت في إقناع باقي أعضاء اللجنة بمقترحاتي وأفكاري...في مجمل الأحوال أشكرهم على جهودهم، ربَّما هذا ما تسيتطيعون تقديمه بالمقارنة بالمعوقات والتحديات والدعم المادي وغير ذلك...
لكني أحب ان اقول : إذا كان العمل بهذه الطريقة، أراهن أننا سندور في تلك الحلقة المفرغة وسنشهد كل عام المهرجان بذات الحلَّة التقليدية والروتين الذي دفع بالكثير من الشعراء إلى الامتناع عن المشاركة فيه.
 
– لكل ثورة أدبياتها و أدباؤها , فإلى أي مدى ناضلت وجيهة بقلمها في الثورة السورية ..؟
   و إلى أي حد التزم الكتاب الكرد بالثورة السورية و تغنوا بها .. ؟

ج - وجيهة عبد الرحمن ليست كاتبة مناسباتية يشتد عود قلمها في المناسبات، معظم ما كتبته من قصص وشعر  كان بعد مضي فترة قد تطول أو تقصر من الحدث ، وهذا ما حدث معي بالفعل حتى في أحداث كثيرة ذكرت بعضها في روايتي( الزفير الحار) وقصصي في مجموعاتي القصصية الخمسة حتى الآن.
لكن الثورة السورية كانت حالة استثنائية ، أصدقائي وقرَّائي على صفحتي في الفيسبوك لابد من أن يعترفوا أنهم قرؤوا الكثير الذي كتبت عن إدانة القتل والتدمير والتهجير بكل جرأة ودون حسابات ، وكذلك  دعوتي إلى المحبة والسلام في زمن الحرب.
 الأمر ينطبق على الكتاب الكرد الذي قرأنا لهم جميعا قصائد ومقالات تجسد واقع حال الثورة السورية، الكتاب الكرد حملوا الثورة السورية في ضمائرهم وأقلامهم  لأنَّ الكردي ابن الحدث دوماَ.
 
– معوقات تحرر المرأة التي كنا ننسبها إلى العادات و التقاليد تلاشت نوعاً ما مع انطلاق الثورة التي حررت القيود المفروضة على كل من الرجل و المرأة ...
إلى أي مدى تحررت المرأة عامة , و الكردية خاصة ..؟
و ما المطلوب من المرأة كي تأخذ دورها الفعال في المجتمع ؟

ج -  إذا اعتبرنا مشاركة المرأة في التظاهر والعمل السياسي ووجودها في مؤسسات المجتمع المدني شكلا من أشكال التحرر، نستطيع القول أنها تحررت، ولكنني أقول ، أن المرأة بشكل عام تحتاج إلى الكثير لتتحرر من ذاتها، لأننا حتى هذه اللحظة نشهد اضطهاد المرأة من المرأة ، وهذا الأمر مربك ومخزي بالنسبة لكائن ينادي بالتحرر .
حتى في خضم الثورة هناك تخلف وهناك التزام بالحلال والحرام وبالموروث والعادات والتقاليد، إذاً المرأة لن  تحررها الصرخات في الشوارع ، إذا ما لم تتحر من داخلها . وتؤمن بقدراتها لتحقق ما تصبو إليه .
طبعا الأمر ينطبق على المرأة الكردية أيضا بشكل خاص،إذا كانت المرأة الكردية منذ الأزل امرأة حرَّة في ذاتها بغض النظر عن الموروث الذي حد من حريتها الاجتماعية، لكنها للأسف الشديد لم تمارس دورها بالشكل المطلوب منها، لأنها قبلت على نفسها ان تكون زينة للمجالس والمؤتمرات في زمن الثورة والعمل الجاد والحقيقي،  ولم تتبوأ أي منصب قيادي يمنحها حقها في ذلك، مع ذلك فإن هذا الوجود الأحدب يحسب لها  إلى حد ما لأنها لم تقف مكتوفة اليدين، وناضلت بكل ما أوتيت من وسيلة  في الوقت التي كانت تحارب على جبهة اجتماعية في المجتمع وعلى جبهة أخرى مع العدو.
لكن المطلوب منها أن تؤمن بنفسها وبقدراتها وتبعد شبح الخوف عنها لكي تستطيع النهوض بذاتها مجدداً لتمضي قدما في حياة هي صانعة لها بالتساوي مع الرجل.
 
– وجيهة تتقن الكتابة باللغتين العربية و الكردية , لكن اهتمامها الأكبر ما زال منصباً على اللغة العربية
   ما السبب في ذلك .. ؟

ج -  يكفي أنني أكتب.....
 لا أجد مشكلة في ذلك طالما متن ما أكتبه يخدم الإنسان ،المهم أن يكون ما اكتبه ممتعاً وجميلا،صدقني الكثير من القراء يتصل بي أو يرسل لي برسائل شكر وامتنان ليخبرني بأنَّ كتاباتي غيَّرت مسار حياته وحددت اهدافه ومساعيه في الحياة.
 وكتابتي بالعربية أكثر لأنني أجيدها وأتقنها أكثر من اللغة الكردية كتابة ، لكنني كردية واللغة الكردية هي لغتي الأم أتكلم بها في البيت  أنا وعائلتي واكتب الشعر الكردي والقصة الكردية،وانا عضوة في اتحاد الكتاب الكرد  بالحسكة والسبب في إجادة اللغة العربية معروف للجميع ،  الكل يعلم أن في سوريا اللغة الكردية محكومة بالقمع وممنوعة بشكل كلي، لذا فإننا جميعا أقصد الكرد في سوريا درسنا في مدارس اللغة الوحيدة المسموح تعليمها ي العربية إلى جانب حصة درسية لمادة اللغة الإنكليزية.

 
– المثقف الكردي يتململ من الانشقاق الثقافي و تعدد الاتحادات و الروابط الثقافية التي أتت نسخة عن حالة الاختلاف السياسي لديهم ...
ما سبب هذا التعدد و عدم التوحد في جسم ثقافي واحد يضم الجميع ؟

ج - بصراحة المثقف الكردي هو نسخة عن السياسي الكردي والكل في نفس الفلك يدور.
أنا خجلة من هذا الأمر وكأننا مسخ تبحث لنفسها عن بقعة ضوء او أننا نلعب لعبة الكراسي.

 – كلمة اخيرة توجهينها لقرائك و للمثقف الكردي ؟

ج - سأكتب لكم المزيد عن المحبة والسلام، سأتكلم  عنكم ولكم وسأحملكم في قلبي، كما وعدت نفسي ووعدتكم منذ أن حملت القلم بين أصابعي
العالم يحتاج إلينا معاً لنعمل على تغييره، لنرفع رايات السلام في كل بقعة.



ارسل تعليق

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.