عماد يوسف : عيد بأي حال عدت يا عيد ؟

لا يوجد ردود
مشترك منذ تاريخ: 27/09/2007

(( لو استطعت أن أستعير دور بابا نويل و حملت الهدايا و الحلوى لأطفال حمص و حلب و حماه و كل أطفالنا في المخيمات لفعلت ))
من ذا الذي يشعر بطعم الحياة في سوريا أو يأبه بها مع المشاهد المروعة التي احتلت ذاكرتنا و ألهبت ضمائرنا المكلومة حتى غدا سماعنا للأخبار لمعرفة عدد المجازر الحاصلة في يوم واحد و الكيفيات التي تم من خلالها اعتقال و قتل الناس و نحر الأطفال في بلادنا ..

 

في هذه الاوقات العصيبة و الدموع تملأ المآقي و الأحزان تغمر القلوب من الأهوال التي يتعرض لها شعبنا السوري الثائر من أجل حريته يهل علينا هلال عيد الفطر الذي اعتدنا أن نلحق به كلمة السعيد لكنها فقدت سعادتها المعتادة في  وجوه الآمنين , و كيف لنا أن نسعد و نفرح مع هذه الهموم المتراكمة على شعبنا , و مع استمرار معضلاتنا باقية مستعصية على كل حل أمام آلة القمع و الارهاب المنظم الذي يشنه العدوان الأسدي على مدننا و قرانا التي غدت في معظمها مدنا ً للأشباح , و أعلن عن كونها مدناً منكوبة بعد تدمير الأبنية , و انزياح سكانها منها بعد استشهاد الكثيرين نتيجة اعمال القصف و المداهمة و الاعتقال التي تقوم بها كتائب الأسد ...
يأتي علينا عيد الفطر و نحن في أحلك الظروف و أقساها حيث يعتقل من يُعتقل، ويُغيب من يُغيب، يفر من يفر، ويهاجر من يهاجر، ويموت من يموت في  قوارب الموت ، ويُحال بين الناس وأوطانهم.. وأبنائهم وأحبتهم وأصدقائهم المغتربين داخليا وخارجياً والمُهجرين والمشردين واللاجئين , و لولا فرحة الأطفال و لهوهم و مرحهم و صخبهم و أملهم في مستقبل و غد ٍ جميل  لما شعرنا أننا في عيد ....

يأتي علينا العيد في وقت غدت الخلافات و تغييب نصرة المظلومين هي سمة هذا العصر المادي بعد أن خذلنا المجتمع الدولي بخلافاته و خذلنا العرب و المسلمون بتفرقهم و ضمائرهم الميتة و عدم قدرتهم على التحرك من اجل نصرة شعبنا و بذلك يفقد العيد أهم مضامينه و معانيه السامية في الاعتزاز بقيم المجتمع الاسلامي و التي هي من شعائر الاسلام و تعظيمها مطلوب على كل مسلم مهما عصفت بنا المحن و الشدائد لقوله تعالى :
((  ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ))  الحج 32
يأتي علينا العيد في وقت ٍ استطاع الغزو الفكري أن يجر إليه بعض المسلمين البسطاء و يقنعهم بعدم القيام بشعائر العيد تحت مبررات صحوة الضمير و اكرام الشهداء , و الهدف البعيد الغائر وراء هذه التوجهات هو تغيب الحضور و الشعور الديني وتجريد الأعياد من حليتها الدينية , وتعطيل معانيها الروحية , و الحملة روجها أناس اعرف الكثير منهم من الذين لا يؤمنون لا بعبادة و لا صيام و لا عيد , و للأسف انساق الكثير من المسلمين حول هذا التوجه الذي يرى في العيد مجرد لبس للجديد و شراء للحلوى , دون أن ينتبهوا الى الشعائر الكائنة في العيد و الحكمة الإلهية الكامنة فيها من نصرة للمظلومين و الفقراء فكلنا نحزن لما يجري في بلادنا من قتل و تشريد و قصف للمدن و كلنا نغني لثورتنا المباركة و نجعلها من أولويات عملنا , لكننا في الوقت نفسه نريد أن نقوي صلتنا بالثورة في العيد و نقوي روابط الأخوة بين مختلف أعراقنا و طوائفنا و نشحذ همم الثوار و كل العاملين حتى تحرير سورية من دنس المستبدين ..
و لو استطعت أن أستعير دور بابا نويل و حملت الهدايا و الحلوى لأطفال حمص و حلب و حماه و كل أطفالنا في  المخيمات لفعلت . و كذلك للنازحين ضمن الاراضي السورية ..
فالعيد في معناه الديني:  شكرٌ لله على تمام العبادة
والعيد في معناه الإنساني : يومٌ تلتقي فيه قوة الغنيِّ، وضعف الفقير على محبةٍ ورحمةٍ وعدالةٍ من وحي السماء ، عُنْوانُها الزكاة والإحسان والتَّوسعةُ.
والعيد في معناه الاجتماعي : يوم الأطفال يفيض عليهم بالفرح والمرح ، ويوم الفقراءِ يلقاهم باليسر والسعة ، ويومُ الأرحامِ يجمعها على البر والصلة ، ويومُ المسلمينَ يجمعهم على التسامح والتزاور ، ويومُ الأصدقاءِ يجدد فيهم أواصرَ الحب ، ودواعي القرب ، ويومُ النفوس الكريمة تتناسى أضغانها ؛ فتجتمع بعد افتراق ، وتتصافى بعد كدر ...
وليس السرُّ في العيد : يومه الذي يبتدئ بطلوع الشمس وينتهي بغروبها وإنما السرُّ فيما يعمر ذلك اليومَ من أعمال فالعيد إنما هو المعنى الذي يكون في العيد لا اليوم نفسه .

لنعلنها معا ً : نعم سنعيّد و نسعى للتغيير و نساند ثورتنا و نقدم العون لأخواننا اللاجئين و النازحين و نجعله عيد نصرة و ثورة , لنجعله عيد أمل لأن اليأس ليس من أخلاقنا ولا من قيمنا , و لن نمل من طول الطريق و كثرة المواجع و الآلام و سيتحقق النصر على المستبد الطاغية بإذن الله , ما دام حرصنا على العمل بالمعنى الحقيقي لشعيرة عيد الفطر باقية فلا يأس و لا قنوط , بل لنسعى معا الى زيارة أولئك المنكوبين و النازحين و نباركهم و نشد على أزرهم و نساندهم و ندخل بسمة على وجوه أطفالهم ...

و كل عام و سورية محررة يا أحرار بلادي
و كل عام و عيدكم مكلل بالحرية و السعادة

عماد يوسف
Emad-usef@hotmail.com

 

_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _

علمتنا الحياة أن ندفع ثمن كل ابتسامة سيلا من الدموع